السؤال
السلام عليكم.
الملل والروتين القاتل هما سببا ما أعانيه، فحياتي لم أعد أحس لها أي معنى، مللت من كل شيء! هل تصدق أن وقتي الذي أقضيه مع أهلي وأصدقائي لا أحس له طعما! بل إني مللت الجلوس معهم، وحديثهم وخفة دم بعضهم، حاولت جاهدا تغيير حياتي والاستفادة من وقتي وقتل الروتين، بل العكس دائما يقع، فالمفترض من هذا التغيير التخلص من الملل، ولكن هيهات لا جدوى ولا فائدة من ذلك، أتصدقوا أنني أفكر في الانتحار مع أنني أحاول طرد هذه الفكرة وبكل ما أوتيت من قوة، ولكن ما ألبث حتى تسيطر علي من جديد ... لا تقولوا لي أني مصاب بما يسمى في علم النفس المزاج الحزين! فإني أعرف ذلك ولكن ماذا باستطاعتي أن أفعل?
بل الأدهى من ذلك الصلاة، لم أعد أشعر بسجودها ولا ركوعها، بل كثير من الأوقات لا أتذكر كم صليت، فقدت خشوعها ولذتها، علما أنني مقبل على الزواج، ولكن هو كذلك لا يعني لي الكثير، ولست متحمسا له!
أرجوكم، أريد من ينقذني، فأنا كمن يركض خلف سراب لعله يجد به ماء!
علما أن حالتي هذه لها ما يقارب من السنة ونصف السنة وعمري 26 سنة.
لكم جل احترامي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الحائر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فأؤكد لك أن رسالتك قد وجدت كل الاهتمام، ونبدأ بأن نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
هذه الأفكار التي تسيطر عليك كلها ذات طابع اكتئابي، فنظرتك للحاضر وللماضي وللمستقبل ولنفسك ولمن حولك ليست نظرة إيجابية، وشعورك بالملل والروتين وافتقاد معاني الحياة الطيبة، هذا كله حقيقة يدل على وجود درجة متوسطة من الاكتئاب النفسي.
لن نقول لك أن هذا يسمى في العلم النفسي بالمزاج الحزني، فمصطلح المزاج الحزين هو صفة وليس تشخيصا في حد ذاته.
مقومات ومؤشرات الاكتئاب النفسي من أهمها أن الإنسان يفقد لذة الأمور ولا يحس بمعناها الحقيقي، ويكون دائما التشاؤم والسوداوية مسيطر عليه، وهذه هي المشكلة الأساسية في الاكتئاب النفسي وليس المزاج.
المزاج تعسره أو كدره يعتبر أمرا ثانويا، لكن الفكر السلبي المستحوذ والنظرة غير الإيجابية لكل شيء وعدم إحساس بطعم الحياة الحقيقي، هو حقيقة الذي يدفع الناس نحو الاكتئاب، لذا يرى علماء السلوك أن من أفضل وسائل العلاج هي تغيير هذه الأفكار السلبية المشوهة، لماذا هي مشوهة؟ لأنها ليست كلها حقيقة، نعم ندرك أنها تفرض نفسها عليك، لكن إذا نظرت بشيء من التمعن والصبر سوف تجد أنك يمكن أن تغير أشياء كثيرة ومفاهيم كثيرة حول حاضرك ومستقبلك وماضيك ونفسك ومن حولك، وهذا يسمى بالتغيير المعرفي السلوكي، فمثلا أنت في بدايات سن الشباب، هذه إيجابية كبيرة، وأنت في هذه الأمة المحمدية، هذه إيجابية أخرى عظيمة لا تقدر بثمن. أنت تستطيع أن تقدم لنفسك ولغيرك الكثير، تستطيع أن تطور نفسك في مجال عملك، وتفكيرك في الزواج هو تفكير إيجابي ولا شك في ذلك وهذا إن شاء الله تعالى خطوة إيجابية جدا يجب أن تعطيها قيمتها الحقيقية.
فيا أخي الكريم: أرجو أن تلفظ وترفض هذه الأفكار السلبية وتعيد تقييم حياتك وذاتك بصورة أفضل، وهذا هو المطلوب في مثل هذه الحالات، والحق عز وجل أعطانا القدرة الداخلية لأن نغير ما بأنفسنا، وذلك باستشعار الطاقات المخفية وهي كلها طاقات إيجابية حين نستشعرها ونستفيد منها ونسخرها من أجل فعاليتنا وسعادتنا، هذا لا شك أنه سوف يبدل المزاج إلى مزاج إيجابي.
التفكير في الانتحار لا خير فيه، وهو فكر سلبي، لكني أنا مطمئن تماما أن هذا الأمر لا يقع وسط المسلمين إلا ما ندر، والحمد لله تعالى عقيدتنا تشكل الجدار الذي يحمي الإنسان من مثل هذه الأفكار، فأرجو يا أخي الكريم ومن خلال الفكر الإيجابي أن تستبدل حتى الأفكار الانتحارية هذه إلى فكر مخالف تماما.
أخي الكريم: جاهد نفسك في الصلاة، جاهد نفسك لأن تجعلها صلاة خاشعة، صلاة تريح بها نفسك، ولا تدع للشيطان سبيلا أبدا، وحاول أن تتبع الجماعة، حاول أن تحضر حلقات العلم، وتحضر حلقات تدارس القرآن، واجعل لنفسك صحبة طيبة ورفقة وخلة تفيدك وتساندك وتعينك في أمور الدين والدنيا.
أيها الفاضل الكريم: العلاج الدوائي مهم جدا في مثل حالتك، وهو مفيد ويعتبر فتحا عظيما، فإذا أردت أن تذهب إلى طبيب نفسي هذا هو الأفضل، وإذا كان ذلك صعبا فمن الأدوية الممتازة عقار يعرف تجاريا باسم (سبرالكس) والذي يمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام يوميا، وبعد شهر اجعلها عشرين مليجراما يوميا واستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم اجعلها عشرة مليجرام يوميا لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يمكنك أن تجعلها نصف حبة (خمسة مليجرام) - من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - يوميا لمدة شهر، ثم توقف عن العلاج.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.