السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المشكلة التي أعاني منها زادت علي مؤخرا في الثلاثة أسابيع الأخيرة.
كنت في السابق أعاني من وساوس، وكنت دائما اقنع نفسي بأنها وساوس وأفكار لا تقدم ولا تؤخر والحمد لله أنها لم تكن شديدة جدا.
ولكن كنت في السابق وإلى الآن أعاني كثيرا من كثرة الهواجيس والأفكار، حتى إني في بعض الأحيان أسمع صوتا داخليا يشبه صوتي (صوت الشيطان أعوذ بالله منه) يتحدث باستمرار وبلا توقف! يتحدث دائما ويسوس لي في كل ما هو سيء، فعلى سبيل المثال إذا حدث لي موقف مع قريب أو صديق ولم أرتح بعدها مع أن الموقف قد يكون بسيطا، إلا أني أعاني كثيرا من إعادة التفكير مرارا وتكرارا في الموقف نفسه مع اجترار مواقف أخرى لا حصر لها وهكذا.
المشكلة التي أعاني منها الآن تحديدا، هي أني تعرضت لصدمة نفسية منذ ثلاث أسابيع تتعلق بشخص قريب وعزيز علي، وهو صغير في السن.
في بداية الأمر كنت مصدوما، وحاولت جاهد ألا أتأثر بالموقف الذي حدث بل حاولت إن استمر في حياتي لأني أعرف أنني سوف أتأثر بشدة بعدها ليس السبب في الموقف نفسه بل بما يصاحبه من (قلق - هموم - أفكار مزعجة - عدم طمأنينة - خوف من مجهول - وساوس كثيرة حتى إني وصلت إلى مرحلة أقول فيها لنفسي هل يعقل أن كل الشك والوساوس الأفكار حقيقية ولكن دون جدوى).
بحمد من الله وفضل منه بعد حرصي على الصلوات وقيام الفجر والأذكار والنوافل ثم ثقتي بالشخص العزيز علي أنني كل ما سألته عن شيء يخطر لي من الهواجس أو الأفكار المزعجة أو الوساوس يرد علي بأنها لم تحدث، عانيت في البداية الأمر حتى أني أصبت (بقلق - قله غذاء - إسهال غريب - قله في النوم أنام فقط ساعتين أو ثلاثا) ولكن بعدها بدأت تتلاشى شيئا فشيئا، إلا أن تسقطت في هاوية جديدة، وهي تتعلق في نفس الموقف أي الحدث نفسه، وبعدها أصبح أكثر ما كان يزعجني هو أنه حينما أكون في حالة استرخاء (وهذا من فضل الله) تأتي الفكرة من الذاكرة مباشرة وأجد نفسي بعدها مهموما وحزينا، فتأخذ شيئا من الوقت أكون فيها دائما أكرر نفس الهواجس والذكريات نفسها مع وجود أفكار جديدة، هذا بالإضافة إلى أنه عند ممارستي لحياتي الطبيعية مع الأهل أو الأصدقاء أو على الانترنت فإنه تصادف أن تظهر لي مواقف لم أكن أكترث لها في السابق لكن أصبحت كذلك فقط بعد ذلك الموقف الصعب.
دائما التفكير والهواجس، وأحمل هموم الغير، لدي قدرة في الذاكرة، وأحس برغبة شديدة في التفكير في نفس الموقف، مع أني فعلتها كثيرا قبل، وتطرأ علي الذكريات السيئة فجأة وكثيرا، وأربط الحدث بنفسي في السابق ( أحاول أن أدعم دليلا أو أنفي شيئا).
وفي النهاية أشكركم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معاذ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فرسالتك أوضحت محطات رئيسية توضح لنا وبصورة جلية أنك بالفعل تعاني من الوساوس القهرية، ووساوسك ليست وساوس أفعال إنما هي وساوس أفكار واجترارات، والوسواس من هذا النوع يتسلط على الإنسان ويسبب له الكثير من الألم النفسي.
تولد الأفكار وتكرارها واجتراراتها للدرجة التي تستحوذ على فكر الإنسان، وهذا يسمى بالباب الدوار، هذا النوع من الوساوس يستجيب بصورة جيدة جدا للعلاج، والتفكير المتكرر والذي يحمل الطابع التشاؤمي وإثارة الذكريات السيئة هو دليل على أن الوساوس أدت إلى حالة اكتئابية بسيطة، هذا الاكتئاب ليس اكتئابا مطبقا أو شديدا.
أما بالنسبة لتحملك لهموم الغير فهذه ظاهرة كثيرا ما نشاهدها لدى الذين يعانون من الوسواس القهري، وقد فسر العلماء هذه الظاهرة بأن معظم الذين يعانون من الوساوس القهرية تجدهم من أصحاب الشخصيات الحساسة المتزنة، ودرجة اليقظة والضميرية والقيم الفاضلة لديهم عالية جدا؛ لذا هم يؤذون أنفسهم ويساعدون الآخرين، فهذه إن شاء الله تعالى ليست ميزة سيئة وإن كانت متعبة لك.
أرجو أن يكون هذا الشرح المقتضب قد ساعدك في تفهم حالتك، ومن وجهة نظري أن معرفة التشخيص مهمة جدا للإنسان وتمثل جزءا كبيرا في العلاج.
خطوات العلاج الأخرى هي: أن تسعى بقدر المستطاع لتحقير هذه الوساوس القهرية، وعدم الاهتمام بها وتجاهلها.
ثانيا: أرجو أن تربط هذه الأفكار الوسواسية بأفكار مضادة لها تماما أو يمكن أن تربطها بأفعال منفرة ومقززة، مثلا: حين تأتيك الفكرة الوسواسية - أو يمكنك أن تستجلبها قصدا بهدف العلاج - فكر في الفكرة الوسواسية، وبعد ذلك تذكر حدثا شنيعا وسيئا ومأساويا، اربط ما بين الاثنين، كرر ذلك، وجد علماء السلوك أن هذا قد يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، وهذا يقصد به أن الربط بين الاثنين سوف يضعف الفكرة الوسواسية.
تمرين آخر شبيه وهو: أن تفكر في الفكرة الوسواسية وتقوم في النفس الوقت بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب، لابد أن تحس بالألم في يدك، هذا التمرين يكرر عشر مرات متتالية، الفكرة مع الضرب على اليد، وجد أن هذه المتنافرات لا تلتقي - أي الألم والفكرة الوسواسية - وهذا في نهاية الأمر أيضا يؤدي إلى ضعف الفكر الوسواسي.
ثالثا: أنت محتاج لعلاج دوائي مضاد للوساوس ومحسن للمزاج، وبفضل الله تعالى الأدوية الآن توجد وهي فعالة وممتازة جدا، لكن لتتحصل إن شاء الله على أقصى درجات النفع منها يجب أن يكون هنالك التزام قاطع بتناول الجرعة في وقتها وللمدة المحددة.
من أفضل الأدوية التي تفيد دواء يعرف علميا باسم (فلوكستين) ويعرف تجاريا باسم (بروزاك) وله مسميات تجارية أخرى، وهو لا يحتاج لوصفة طبية. ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراما، استمر عليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك توقف عن تناول الدواء.
أود أن أؤكد لك أن الفلوكستين فعال جدا، فعاليته تظهر بعد اكتمال البناء الكيميائي، وهذا يتطلب أربع إلى خمس أسابيع من التناول المستمر للدواء، هذه هي الخيارات العلاجية، وأرجو أن تأخذها مع بعضها البعض كرزمة وحزمة واحدة، أي الدواء مع التوجيهات السلوكية التي ذكرناها لك، وفي ذات الوقت: يجب أن تدير وقتك بصورة جيدة، ولا تترك مجالا للفراغ.
ولمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الاستشارات حول منهج السنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 ).
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.