تائهة حائرة حزينة مهمومة، كيف أغير حياتي للأفضل؟

1 1399

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله كل خير لفتح هذا الباب الذي ساعد الكثيرين من الإخوة والأخوات، جعله الله في ميزان حسناتكم، ووفقكم لكل خير.

ما دعاني لطلب الاستشارة هو عدم رضاي عن نفسي وعن حالي، فأنا فتاة جامعية بتفوق، عملت لفترة ما يقارب 3 سنوات وتركت العمل لمشاكل افتعلت بيني وبين رئيستي بالعمل بسبب عين والله المستعان، ووالله إن هذا الموضوع يحرقني كل يوم وكل ليلة، لأنني أسترجع كيف أنني كنت سعيدة بعملي وكيف انقلب حالي وصارت المشاكل فجأة، ومضت أيام سريعة وبعدها تركت العمل مجبورة، رغم إيماني أن كل أمري خير وأنه قضاء من الله وقدر، ولكن لأنني لم أجد عملا بعده، وإن وجدت بعد المقابلة الشخصية والقبول يحصل خلاف على الراتب أو ما شابه ذلك، ولا يعودون للاتصال بي، وكأن هناك شيئا يعطل أموري كلها، ومنها:

أمر الزواج، فعمري بين (26-30) ولم يتقدم لي أحد، رغم ما يميز عائلتنا من أخلاق حسنة -والحمد لله- ولكن أشعر أن هناك شيئا يعطل كل أموري، وهذا يحرقني كل ليلة ويكدر صفو حياتي.

أمر الدراسة، نظرت لحالي لا وظيفة ولا زواج، فذهبت لأشغل نفسي بالدراسات العليا، قدمت اختبارات مطلوبة للجامعة وقدمت أوراقي للجامعة وأعددت كل أموري، وفي النهاية رفض طلبي، ولم أجد جامعة أخرى أكمل دراستي فيها، ولو بالمال.

أصاب كثيرا بحزن شديد وتدمع عيناي على حالي وأشكو همي لربي، وأحيانا أسأل أمي لماذا هكذا هو حالي؟ ما الذي يحصل؟ هل هناك سحر أو عين؟ مع أن القرآن بالبيت مفتوح دائما لكن أعداءنا كثر، وللعلم ساء حالي بعد زواج أخي وأختي، حيث بعدها تركت العمل ولم يعد يطرق بابنا أحد، وكلي حزن وكأن هموم الدنيا على عاتقي، تعبت كثيرا والله، لجأت إلى الله بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، لكن حالي كما هو، كل يوم يزداد حزني لتقدم عمري ولبواري وقعودي بلا أي هدف في الحياة، أصبحت أسهر طوال الليل ولا أنام إلا بعد أن أصلي الفجر، وأحيانا أنام على الـ7 أو الـ8 صباحا، ومشكلة النوم تجعلني أبقى في نومي حتى العصر أو نهاية العصر أحيانا، بل دائما أصبحت صلاة الظهر تفوتني وأكاد ألحق على صلاة العصر، فأقضي الظهر وأصلي العصر.

مشكلة النوم زاد حالها وسببت لي توترا فوق توتري، لأنني أصبحت عندما أستيقظ أشعر أني لم أقدم ليومي شيئا ولا لحياتي شيئا، لا أدري كيف أضبط نومي، علما أن هناك من يشاركني السهر من أهلي ووالدي، كنت أيام الوظيفة نوعا ما أنام على الـ 3 الفجر أو قبلها بقليل.

أنا متعبة جدا، وما دعاني لكتابة هذه الاستشارة إلا التعب النفسي وحزني، أرجوكم وجهوني ماذا أفعل بحياتي؟ كيف أتوظف؟ كيف أتعلم؟ كيف أتزوج؟ كيف أنام مرتاحة البال؟

أنا مفوضة أمري لله ومتوكلة عليه، ولكني لست مرتاحة من كلام الناس، فعمري يكبر ومشكلتي بدأت منذ أن كان عمري 24، كل سنة أقول السنة التي بعدها سأكون متزوجة وأؤمل نفسي وأهلي بذلك، لكن!! صار عمري 27 وأنا لم أتزوج، كل شيء نصيب، ولكن أشعر أن هناك ما يعطل أموري ولا أعلم ما هو، أريد أن أنام واضبط نومي، كيف أعيش إنسانة طبيعية بلا هموم، متعبة من ظلم وأذى الناس ومما أنا فيه ولست راضية عن وضعي، جلوسي وكثرة تفكيري جعلني آكل كثيرا إلى أن سمنت وساء وضعي، والله المستعان.

هذا مختصر همي ومشكلتي، وأنتظر ما تجود به أقلامكم من كلمات تفرج همومي، ودعوات أسأل الله أن يستجيب لها، شاكرة لكم الجهود القيمة التي تقومون بها، أختكم في الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أخت لكم في الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يفرج همك ويقضي حاجتك، ويقدر لك الخير حيث كان.

لقد قرأت رسالتك كلمة كلمة أيتها الكريمة، وشعرت بما تحسين به من ضيق وهم وكدر، وقبل أن أقدم لك النصائح التي ينبغي أن تتبعيها لتغيير حالك، أحب أن أذكرك أولا بثلاث حقائق مهمة، إذا داومت على استحضارها فإنها ستكون كفيلة - بإذن الله تعالى - لبعثك على التغيير مما أنت فيه.

أول هذه الحقائق أيتها الكريمة: أن تكوني دائما متيقنة أن الله عز وجل لطيف بعباده، وأنه سبحانه وتعالى رحيم بهم، وأنه أرحم بك من أمك، بل ومن نفسك، ومن ثم فما يقضيه الله عز وجل للإنسان من عطاء أو منع فإنما هو مقتضى الحكمة الإلهية، وهو مقتضى اللطف والرحمة، وليس بالضرورة أن يقضي الله عز وجل لنا ما نريده نحن ونتمناه، فربما كان الخير لنا في خلاف ما نتمناه، وهذه هي الحقيقة الثانية، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

فنحن لا نعلم كل ما يصلحنا، وقد نتمنى الشيء ونحرص عليه لظننا أن في مصلحتنا، والله عز وجل يصرفه عنا ولا يقدره لنا، لعلمه سبحانه وتعالى خلاف ذلك، فقري عينا وطيبي نفسا بقضاء الله سبحانه وتعالى وتقديره، واعلمي أن هذا التقدير هو عين الرحمة وعين اللطف والحكمة، فاختيار الله عز وجل لنا خير مما نختاره لأنفسنا.

ثم الحقيقة الثالثة أيتها الكريمة: تذكري دائما أن الدنيا دار عبور وأيام زراعة وليست دار استقرار، وعن قريب سنغادرها جميعا، وإنما خلقها الله عز وجل لنزرع فيها ما نحصده في الدار الآخرة، وكما قال الشاعر:

إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق

فأغلى ما أعطاك الله -عز وجل- في هذه الدنيا العمر والوقت والليل والنهار، فإذا ضاع منك هذا فقد ضاع رأس المال.

اعلمي جيدا أيتها الكريمة أن السعادة الحقيقية والنعيم المقيم الدائم إنما هو جنة عرضها السموات والأرض، وهذه الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، ليس بيننا وبينها إلا أن نموت فينتقل الإنسان إلى جزء من نعيمها في القبر، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الخلود فيها. هذه الجنة أعد الله عز وجل فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لأوليائه وعباده المؤمنين، وهذه الدنيا التي نحن فيها هي أيام العمل الذي يؤهلنا للوصول لتلك الجنات، فكيف يليق بعد ذلك بالمؤمن أو المؤمنة أن يضيع أيام هذه الدنيا من بين يديه دون أن يستغلها فيما يوصله إلى ذلك النعيم المقيم؟

هذه الحقائق الثلاث أيتها الكريمة هي أعظم ما يطرد عنك الهم ويزيح عنك القلق، لتعملي في ضوء هذه الحقائق، ولذا نحن سنقول لك بعض النصائح:

أول هذه النصائح: أحسني الظن بالله تعالى، واعلمي أنه سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) فهو سبحانه وتعالى يعمل بعبده ما يظن عبده به.

النصيحة الثانية: لا تيأسي من روح الله ولا من رحمته، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فلا تسمحي للشيطان أن يتسرب أو يسرب اليأس والقنوط إلى قلبك فتتقيدي عن العمل والإنتاج واستثمار عمرك فيما ينفعك، فإن الله عز وجل يغير الأمور بين غمضة عين وانتباهتها.

الوصية الثالثة: حاولي جاهدة استغلال عمرك فيما يسعدك، فاستغلي هذا العمر بالإكثار من الصلوات، بالإكثار من الاستغفار، فما دمت تسهرين الليل فحاولي أولا أن تغيري هذا السهر بسهر فراغ بلا عمل إلى سهر في صلاة قيام الليل، وحاولي أن تتهجدي فيه وأن تقومي فيه بما تستطيعين، وبهذا تكسبين خيرا عظيما وتعودين نفسك على الطاعة، وكلما أنس قلبك واستنار في طاعة الله سبحانه وتعالى فتحت أمامه أبواب الأرزاق، ثم طرد عنه اليأس والقنوط، فكم من إنسان سجين في غياهب السجون يشعر بالسعادة التي لو علم بها غيره لنافسه عليها، وما ذاك إلا لأنسه بالله سبحانه وتعالى.

الوصية الرابعة: غيري برنامجك اليومي، وحاولي أن تتعرفي على الصالحات من النساء وحضور مجالسهن والاستفادة من خبراتهن، وحاولي أن تضعي لنفسك برنامجا تستغلين فيه عمرك في حفظ شيء من كتاب الله تعالى، وتعلم دينه، وأكثري من الاستغفار والصلاة، وكوني على ثقة بأن هذا من أعظم أسباب التغيير في حياتك، ومن أعظم أسباب جلب الرزق.

نحن لا نملك أيتها الأخت أن نغير حياتك ولو كنا نستطيع ذلك لفعلنا، لأننا حريصون على إيصال الخير لك ولغيرك ومحبون له، ولكن نتمنى أن تأخذي هذه النصائح بجد وحزم، وتسارعي إلى تغيير حالك، وحينها ستجدين السعادة تفتح أمامك أبوابها، وكوني على ثقة بأن قضاء الله سبحانه وتعالى خير لك مما تختارينه لنفسك، وإذا أراد الله عز وجل لك خيرا فسيجريه.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

مواد ذات صلة

الاستشارات