السؤال
أنا وأبي نعيش في غرفة واحدة ولا يوجد غيرها، أبي يدقق في كل شيء وفي أي شيء، وفي كل صغيرة وكبيرة، وإن رأى مني أي خطأ - وإن كان صغيرا - يقوم بتوبيخي من الصباح إلى المساء، وهذا هو سبب خلافي الدائم معه، حتى وصل الخلاف إلى أنه قطع مصروفي اليومي، ومنعني من الذهاب إلى المسجد، علما بأنني لم أقصر معه في شيء، أغسل الملابس وأعمل الغداء والعشاء، وأنظف البيت، وأجلب جميع طلبات المنزل وكل ما يحتاجه أبي من دواء وأي شيء آخر، ولم أعيره بهذا يوما.
أرجو إعطائي الحل، مع الشكر الجزيل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله الجليل جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يصلح ما بينك وبين والدك، وأن يرزقك الصبر على تصرفاته، وأن يجعل ذلك سببا في رضى مولاك عنك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة ومن أهل الجنة.
وبخصوص تصرفات والدك فإنه كبير في السن، وبعد هذه السن من الصعب جدا أن نقول له تغير، لأن الإنسان كما ورد في كلام الناس (من شب على شيء شاب عليه) ووالدك وهو منذ نعومة أظفاره وهذا حاله، والآن من المتعذر جدا أن نطلب منه أن يتغير، وإنما أنا أطلب منك أنت أن تتغير، وستقول لي: كيف؟ أقول لك:
حاول أن توسع صدرك، وأن تصبر الصبر الجميل يا ولدي، لأنك ما زلت شابا صغيرا تستطيع أن تغير كثيرا من تصرفاتك، أما والدك بعد هذه السن من الصعب أن يغير من تصرفاته، وليس أمامك إلا الصبر، وليس الصبر العادي وإنما الصبر الجميل، ولا يمنع ذلك من أن تتكلم مع والدك وأن تناقشه في بعض الأمور بهدوء وبرفق، وإذا لم تستطع ذلك فلا مانع من إدخال أحد بينك وبين والدك ليبين له أن هذه التصرفات مزعجة، ويطلب منه أن يخفف عنك من وطأة هذه الأشياء التي يفعلها معك، وكذلك أيضا يطلب منه أن يرد إليك مصروفك اليومي، ولا يحرمك من الذهاب إلى المسجد، لأن هذه أشياء مهمة، وبذلك أعتقد سنستطيع أن نحل المشكلة ولو بنصف حل، لأن والدك بهذه الصفة نوع من الابتلاء لك، والله عز وجل يحبك وسوف تتأكد من ذلك،.
لذلك أقول لك وأكرر كلامي: نحن لا نستطيع أن نغير من تصرفات والدك، بل ولا تستطيع أي قوة في الأرض أن تغير من تصرفات والدك؛ لأنه نشأ هذه النشأة وهو ما زال صغيرا على هذه الصفات التي من الصعب عليه أن يتخلص منها الآن، ولعله إذا لم يفعلها قد يشعر بأنه قد فقد شيئا مهما جدا في حياته، فليس أمامك إلا أن تصبر، وأن تتحمل ابتغاء مرضاة الله، وأن تتوجه إلى الله بالدعاء أن يشرح الله صدرك وأن يوسع صدرك، وأن يرزقك الحلم والأناة والبر بوالدك، حتى لا تفقد رضى الله تبارك وتعالى عنك.
نعم أنت تقوم بأشياء رائعة، كتنظيف البيت وغيره، فأنت رجل بطل وشجاع ولدي محمد، ولكن هذه التصرفات التي تصدر من والدك - كما ذكرت - أقول لك: ثق وتأكد أنه لا يقصدها، وأنه لا يتعمد إيذاءك، ولا يتعمد إذلالك ولا إهانتك، ولكن هذه أخلاقه التي رباها عليها أهله، وهو لا يستطيع أن يغير الآن وإذا حاول أن يغير فسيكون في غاية الصعوبة والمشقة.
احتسب الأجر عند الله تعالى، ولا مانع كما ذكرت لك من أن توسط أحدا بينك وبين والدك ليطلب منه أن يخفف عنك وأن يتراجع عن تلك المواقف الشديدة التي يفعلها، وأنت عليك بالدعاء له أن يصلح الله ما بينك وبينه، وأن يذهب عنه هذه الحدة وتلك الشدة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل) أي ينفع من البلاء الذي نزل، وينفع أيضا في دفع البلاء الذي سوف ينزل.
فعليك بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين والدك، وعليك بالدعاء أيضا أن يحسن الله خلقه، وأن يجعله رحيما بك بارا محسنا إليك، وأسأل الله أن يوفقك في دراستك، وأن يوفقك أيضا في مساعدة والدك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
هذا وبالله التوفيق.