السؤال
السلام عليكم..
لدي ابنه ستتم ست سنوات بعد أربعة أشهر، كانت متفوقة في المراحل الأولى من الحضانة النورانية، فمثلا دخلت الحضانة، وهي أقل من ثلاث سنوات بشهرين، وكانت حافظة لبعض قصار السور، وأذكار الصباح والمساء مع أن أمها كانت تعترض علي في تلقينها الأذكار، وكانت تلقنها بمحض رغبتها، وبدأت الحضانة، ولم تكن تفعل مثل بعض الأولاد من التعلق بالوالدين والبكاء بل كانت تحب الحضانة، إلا أن القائمين على الحضانة كانوا دائمي التغيير للمدرسات بحجة حتى لا يتعود التلميذ على مدرسة، ويرتبط بالمنهج.
وأتقنت عائشة قواعد الفتح، والضم، والكسر، وتعلمت القراءة في المصحف، وانتقلت إلى المكتب، وهو يهتم بحفظ القرآن الكريم، وبدأت تحفظ، أمها كانت تريدها أن تسبق، وغير راضية عن البطء الذي تراه من المكتب على اعتبار أن توقف البنت أحيانا من قبل معلمة المكتب بحجة التثبيت لا يفيد، فكان عند البنت لوح للمكتب، ولوح لأمها وكانت الأم تقول لوح المكتب يعتبر ماضيا، وبدأت الشكوى من عدم انتباه عائشة، وعدم إتقانها الحفظ، وعدم رغبتها فيه، وبدأت المدرسة في الضرب والكلمات السيئة فضلا عن تعصب الأم عند رؤية ضعف المستوى، وعدم الانتباه فتضرب، وتظهر استيائها لدرجة أنني سألت البنت، ونحن نائمين بجوار بعضنا في هدوء اقرئي يا بنيتي السورة التي تحبينها فقالت: أنا أكره كل السور إلا من العصر للناس، أمها ترى أن الشدة تنجز الأمر، وأما أنا فأرى ترك الشدة بعض الوقت، فتقول الأم: ابدئي معها بلين فإن لم يجدي بسرعة استخدم الشدة.
الأم كانت من المتفوقات، وكانت تحدد لنفسها وقت لتنجز كل عمل تريده هذا كان قبل الزواج، ومن الله عليها بالإجازة في العشر الصغرى والكبرى، وتدرس النساء، الزوج كان من المتوسطين، ويعمل مدرسا في التعليم الابتدائي كمدرس لغة انجليزية، ماذا أفعل المدرسة في الحضانة تريد التسميع السريع المتقن، وكذلك الأم، والبنت بدأت تكره دراسة القرآن بعدما كانت تقبل عليها بدون دعوة فقد كنت أقول الأذكار، ولا ألزمها معي، ولكن أحملها على رجلي، البنت تصف السور بالكبيرة، وهى الآن في سورة الزخرف كيف أعيد الثقة لها في نفسها فهي عندما تسمع تتوقف خوفا من الخطأ، وتسمع بصوت واضح، فإذا أخطأت، وظهر غيظ من أمامها ترى صوتها يخفت، ولو ضربت لرفعه ما رفعته.
كيف أميز بين الشدة المناسبة، وبين التشجيع، وكيف أعرف مفتاح ابنتي فهي أحيانا تشجع، وتأتى بنتيجة، وأخاف أن تكون تفهمني فتضحك علي لتنال ما تريد ثم لا تنجز، أريد أن أكون علاقة طيبه معها.
كيف أنقذ ابنتي من كره القرآن، وكيف أعطيها الثقة في نفسها، وكيف أعرف قدرتها على الحفظ الأخير بقلم، وما هي الطريقة المثلى لتحفيظ هذه الفئة العمرية، وكيف أقنع أمها بما تنصحون به أرجو سرعة الرد؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم بن عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمن المعلوم والمعروف أن الطفل دائما انتمائه للشخص الذي يشعر أنه يعطيه الأمان، ويحس أنه مصدر طمأنينته، وأنه يحبه حبا حقيقيا، والطفل يجب أن لا يجبر على فعل شيء ما حتى وإن كان حفظ القرآن الكريم.
الطفل تبنى لديه رغبات، ويكون لديه أشياء يحبها وأخرى يكرهها، وهذا ينبثق من مبدأ التحفيز والترغيب ومدى نجاح الكبار في تطبيق هذا المنهج.
هذه الطفلة بفضل الله تعالى كانت متميزة، ولا أعتقد أنها قد فقدت ذاك التميز، لكن يجب أن نبحث ما هو سبب هذا التغير المفاجئ، كان دراسة القرآن لها محببا، وكانت متميزة، والأحداث الحياتية التي نستطيع أن نقول أنها قد حدثت هي الإكثار من تغيير المدرسات، فربما يكون هذا حدث هام، لكني أيضا لا أجده سببا كافيا لتفسير افتقادها الرغبة في تحفيظ القرآن، ربما يكون الأمر كان فوق طاقتها، كانت تعطى جرعات مكثفة للحفظ، ولا يكون هنالك اهتمام بمناحي الحياة الأخرى، لأن الطفل من حقه أن يلعب، من حقه أن يستمتع بوقته، من حقه أن يعيش حياة الأطفال الحقيقية ويكون مع الأطفال.
والتغيير الأساسي بكل أسف دعمه أيضا بعملية الضرب التي كانت تتلقاها من هنا وهناك، وهذا بالطبع أضعف من رغبتها، وزاد من كراهيتها لموضوع الحفظ.
أعتقد أن الطفلة بفضل الله تعالى ممتازة، لها مقدرات معرفية جيدة، فقط المطلوب منا نحن الكبار – وأقصد بذلك الذين حولها – أن يحفزوها، أن يشجعوها، أن لا ينتقدوها، أن تشعر بأهميتها، وأن نجعلها تعيش حياة الطفولة وتستمع بها، وذلك من خلال اللعب، مشاهدة أفلام الأطفال المفيدة، وذلك يكون بحضور الكبار وهذا أفضل، فالشخص الذي بجانبها يمكن أن يتحكم في مدة المشاهدة، وكذلك يشرح لها بعض الأمور البسيطة، هنالك قنوات إسلامية جيدة للأطفال، والألعاب ذات الصفة التعليمية أيضا تفيد الطفلة كثيرا، أن نجعلها تخصص وقتا أيضا لتقضيه مع البنات من عمرها، ويخصص بعد ذلك وقتا للتحفيظ وذلك من خلال التحفيز والتشجيع، ويمكن أيضا أن يطبق معها طريقة النجوم التي تعتمد على إثابة الطفل حين يقوم بعمل إيجابي: تعطى لها نجوم ويخصم منها نجوم حين تقوم بما هو سلبي، دون أن يكون هنالك انتقاد أو انتقاص، وفي نهاية الأسبوع مثلا يتم استبدال ما اكتسبته من نجوم بهدية بسيطة معقولة من الأشياء المحببة إليها.
أعتقد هذه هي الأطر التربوية العامة التي يجب أن يتم التعامل مع هذه الطفلة من خلالها.
أما الطرق المثلى لتحفيظ هذه الفئة العمرية إن شاء الله تعالى سوف يقوم أحد الأخوة المشايخ الأفاضل بالإجابة على هذه الجزئية للمزيد من التوضيح أو التفسير.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يقر عينكم بأبنائكم.
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم ، ويليه إجابة الشيخ موافي عزب
____________________________________
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
وبخصوص ما ورد برسالتك أخي الكريم الفاضل: فإنا نحمد الله تبارك وتعالى أن من عليك بهذه الأسرة المباركة المتميزة، زوجة حافظة لكتاب الله تعالى بالقراءات، وأنت رجل تقوم أيضا على تربية الأجيال، ومن الله تبارك وتعالى عليك بتلك الفتاة الرائعة الجميلة المباركة الموفقة، فأتمنى أن تحمد الله تبارك وتعالى على تلك النعمة، وأن تشكره شكرا جزيلا على ما أكرمك به من فضل، وأسأل الله أن يتم عليك نعمه ظاهرة وباطنة.
وأما عن مسألة الظروف التي مرت بابنتك، فأنا أقول بأنه يبدو أن حرصكم الشديد على تميز ابنتكم دفعكم إلى أن تحملوها فوق طاقتها، فالطريقة التي تسلكها والدتها مع المعلمة أو دار الحضانة طريقة مرهقة جدا، لأن هذه الطفلة لها قدرة على التحمل، وهذا الذي تفعلونه يفوق طاقتها، ولذلك بدأت تتوقف عن الإنجاز، وبالتالي بدأت تتعسر، وبدأت تكره القرآن وبدأت تكره الحفظ، وأنتم حقيقة الذين يتحلمون هذا الوزر أنت وأمها، لأن حرص أمها الشديد، واستعمالها لوسيلة الضرب، هذه الأشياء أدت إلى نفرة البنت من الحفظ، لأنكم استعملت وسيلة واحدة ولم تستعملوا وسيلة أخرى.
نحن مع الأسف الشديد أخي الفاضل الكريم نستعمل أسلوبا خاطئا فيما يتعلق بأسلوب العقاب، ولا نستعمل أسلوب التحفيز والثواب، فنعاقب الطفل إذا خطأ أو أخفق، ولكننا لا نكرمه ولا نشجعه أو نكافئه إذا أحسن، ولذلك تموت لدى الطفل الرغبة في التميز، لأن كل الذي يحرص عليه الآن أن يتحاشى الضرب، وأن يتحاشى التأنيب والتوبيخ والعقاب، وينسى تماما مسألة التميز، ولذلك أنت ذكرت بأنها بدأت الآن تخفض صوتها في القراءة حتى لو ضربت، كل ذلك من شدة الخوف الذي أوجدته أنت وأمها في نفسها مع المدرسة أيضا، وإن كنت أنت حقيقة دورك قليل في مسألة العقاب، إلا أنك أيضا لم تقم بالدور الإيجابي الكامل، باعتبار أنك معلم وتعرف أساليب التعليم، وكان ينبغي عليك حقيقة أن تبين لزوجتك بأن هذا الأسلوب ليس هو الأسلوب الأمثل، وأن الله خلق للناس قدرات وخلق لهم إمكانات وطاقات، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها.
ولذلك فإني أقول لك أخي الكريم الفاضل: الذي أتمناه أولا أن تقوم بعمل رقية شرعية لابنتك، وهذه الرقية إما أن تقوم بها أمها، أو تقوم أنت بها، وأفضل أن تقوم أنت بها، لأني أتصور أن العلاقة التي بينك وبين ابنتك الآن أقرب من العلاقة التي بينها وبين أمها، فمسألة الضرب هذه تجعلها حقيقة لا تطمئن إلى أمها، ولعلها بدأت تفقد الثقة فيها نتيجة هذه الشدة، وهذا العنف الذي تستعملها معها.
إذن هذه الرقية مطلوبة جدا، بعد ذلك ابدأ في التوقف الآن عن مسألة الحفظ، وأن تكتفوا بالحضانة الآن لفترة من الزمن، فإن وجدنا أن البنت بدأت تستريح نفسيا، وبدأت نفسيتها تهدأ، وبدأت مشاعرها تستقر، خاصة وأنها كانت في أول أمرها تقبل برغبة وإرادة، بل إنها كانت تقلدك دون أن تطلب منها أنت إلزاما أن تحفظ الأذكار مثلا وغير ذلك، فأسلوبكم هذا ثبت أنه أسلوب فاشل، وأنه أسلوب مدمر، ولذلك أتمنى أن تقرأ رسالة الأخ الفاضل الدكتور محمد عبد العليم، وأن تستفيد منها في هذا الجانب.
ثم بعد ذلك كما ذكرت نوقف الآن إحدى الجهتين: إما أن تتوقف الأم عن التحفيظ لفترة من الزمن حتى تسترد البنت عافيتها ونفسيتها وثقتها في نفسها، وإما أن تتوقف المدرسة عن ذلك، وبذلك تكون هناك جهة واحدة، ثم بعد ذلك نجرب مع البنت مقاطع صغيرة، فإذا ما بدأت الآن بحفظ المقاطع الصغيرة، ولو بمقدار آيتين أو ثلاث يوميا فإنها سوف تتشجع، إذا حفظت الآيتين أعطيناها آية ثالثة، ولكن لا نعطيها كما كبيرا، لأنها الآن مصدومة صدمة نفسية، وبدأت تكره الحفظ نتيجة الضغط الشديد لأنها تخاف من العقاب.
فنحن نريد أن نعطيها شيئا تقدر عليه ولو آية واحدة، لأنك بذلك سوف تعيد ثقتها إلى نفسها، لأنها إن حفظت هذه الآية ستقرؤها بصوت مسموع مرتفع، ثم نقول لها بعد ذلك ما رأيك في آية ثانية، وإن شاء الله تعالى بهذا الأسلوب الهادئ ومع الرقية الشرعية والدعاء، والإلحاح على الله تعالى أن يشرح صدرها لحفظ كتابه، وأن يجعلها من الحافظات القانتات، إن شاء الله تعالى سوف تتعافى وسوف تعود سيرتها الأولى بل وتتحسن بإذن الله تعالى.
هذا الذي أتمناه أخي الكريم بارك الله فيك، وأنت رجل مربي، وأتمنى حقيقة أن تطبق في ابنتك ما ينبغي أن يكون، لا على أنها ابنتك، ولكنها على أنها إنسانة نريد أن نحفظها القرآن الكريم، لأن مما نقع فيه مع الأسف نحن معاشر المدرسين أننا نريد من أبنائنا أن يكونوا متميزين مثلنا، وهذا الأمر ليس صحيحا، فإن الله تبارك وتعالى خلق اليد الواحدة بها خمسة أصابع كل أصبع له دور، فأنت قد ميزك الله في جانب، وميز زوجتك في جانب آخر، وميز أخاك في جانب آخر، فلماذا نريد من أبناءنا أن يكونوا مثلنا، والله تبارك وتعالى لو شاء ذلك لفعله، ولكن الله قال: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} فالاختلاف هذا سنة كونية، فينبغي علينا أن لا نحرص أن يكون أبناؤنا مثلنا لأن هذا أولا هضم لسنة الله الكونية، وثانيا تدمير للطاقات والإمكانات التي توجد لدى الأفراد.
فأنا أقول بارك الله فيك: الآن جهة واحدة تتولى مسألة التحفيظ، سواء كانت أمها أو كانت المدرسة أو الحضانة، ثم بعد ذلك أن يكون حفظها بمقدار آية أو آيتين يوميا، حتى تبدأ تستعيد ثقتها بنفسها، لأنها قطعا ستحفظ هذه الآية بسهولة، وبالتالي ستقبل على غيرها، وتستعيد إن شاء الله في أقرب فرصة لياقتها، ونفسيتها بإذن الله تعالى تتحسن، وتقبل على القرآن الكريم بالطريقة التي تريدها وأفضل بإذن الله جل جلاله.
أسأل الله أن يبارك لك فيها، وأن يجعلها من أهل القرآن العظيم، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.