السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يكون جميع المسلمين بخير وصحة، أنا معلمة تربية فكرية منذ عاما، أفتقد كثيرا للرفق مع تلميذاتي اللاتي لا يتجاوز عددهن العشر طالبات في الفصل، أحبهن يشهد الله وأدعو الله كثيرا أن أكون رحيمة بهن، ولكن دون جدوى، فأنا قاسية أحيانا كثيرة، أتضجر من عدم إستيعابهن مع علمي بأن قدراتهن محدودة، واستيعابهم بسيط وتجاوبهم معي قليل، ولكن مع ذلك ألح عليهن ليفهمن الدروس، وأغضب لكونهن لا يتجاوبن معي.
أشعر بحزن شديد فيما بعد ولكن بعد فوات الأوان، أعتذر لهن بعد أن أصرخ عليهن وأعاقبهن بالوقوف أحيانا.
أعلم أنني شريرة، لكني أسأل الله دائما أن يحن قلبي عليهن، ويرزقني الرفق بهن وتفهم عقلياتهن اللاتي لا ذنب لهن في تدنيها، وأحيانا كثيرة أبكي عندما أستلقي لأنام ضميري يؤنبني.
أحاول أن أغير من طباعي ولا أستطيع فأنا إنفعالية مع الجميع وخاصة الأطفال لا أتحمل تصرفاتهم.
كثيرا ما أفكر في الفصل من مهنة التعليم فأنا أرى أنني معلمة عنيفة وغير صالحة، أرجوكم أسدوا لي النصيحة، أنا أحب طالباتي ولكني لا أستطيع التعامل معهن كذوات احتياجات خاصة مع العلم أن لدي أخا معاقا عقليا ودائما ما أضعه أمام عيني حينما أتعامل مع تلميذاتي، وأتخيل أن أستاذه قد يقسو عليه مثلما أنا أقسو على تلميذاتي ولكن لا جدوى مني، حينما أتضجر أصنع ما أندم عليهن.
يا رب لا تنزع الرفق من قلوبنا وارزقنا إياه في الأمور كلها، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
جزاكم الله خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الأسيفة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك.
وبخصوص ما ورد في رسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أنك تعملين مدرسة في مدرسة خاصة، وتتعاملين مع ذوي الإعاقات، وأن ذلك تم منذ عامين، ولكنك بدأت تلاحظين على نفسك قلة الرحمة وعدم مراعاة ظروف هؤلاء الأطفال الصغار، وبالتالي قد تستعملين معهم بعض الأساليب الوحشية أو العنيفة أو القاسية، رغم أنك تعلمين أن مستوى التفكير لديهم متدني، إلا أنك مع شدة الغضب والانفعال تنسين هذه الحقيقة، وتقومين بإنزال بعض العقوبات عليهم، وبعد انتهاء موجة الغضب والثورة تشعرين بتأنيب الضمير وتحاولين أن تصححي ذلك إلا أن الأمر لا يلبث أن يعود مرة أخرى، مما سبب لك مشكلة نفسية، وأصبحت تفكرين بترك العمل، لعدم قدرتك على التأقلم مع هذا الجو، وعدم القدرة على ضبط أعصابك نتيجة التصرفات التي أحيانا قد تكون غير معقولة، وذلك نتيجة تدني التفكير لدى هؤلاء الأطفال الصغار.
أقول لك أختي الكريمة: أن هذا أمر صعب وأن الإنسان كونه يتعامل مع أطفال بهذا التدني من التفكير العلمي ولا يتمتع بقدر كبير من الحلم والأناة سوف يعاني معاناة كبيرة وذلك نتيجة للتجاوزات التي قد تحدث بين الحين والآخر رغم حرصه على عدم وقوعها، وهذا ألاحظه فيك فعلا، فإن لديك كم كبير من الشعور بالمسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال، ولديك كم من إدراكك فيما هم عليه من التخلف، والتدني الفكري السلوكي، ولديك أيضا قدر كبير من الرحمة، إلا أن هذه المساحات التي لديك أقل بكثير من المطلوب، فالمطلوب قدر أكبر من الصبر والحنان والحلم والعاطفة، أنت لا تملكين هذا القدر المناسب مع هذا القدر من التحدي، أنت تملكين كم لا بأس به، ولكنه دون المستوى المطلوب بمراحل والدليل على ذلك، تلك التصرفات التي أصبحت تؤنب ضميرك والتي أصبحت تزعجك إزعاجا شديدا، وبت عرضة لأمراض كثيرة من الأمراض النفسية كالتوتر والاكتئاب وغير ذلك، وذلك نتيجة هذا التمزق بين ما أنت عليه وما الذي يجب أن تكوني عليه؟.
وعليه فستظلين في دوامة داخلية قد تكلفك الكثير في المستقبل.
ومن هنا فإني أقول لك أنا قد لا أؤيدك بترك العمل كلية، ولكن قد تطالبي الجهة المسئولة بنقلك إلى مجال آخر من مجالات العمل، بمعنى إذا كنت عاجزة عن العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، فمن الممكن أن تتحولي إلى مدرسة عادية في مدرسة من المدارس العادية وأن تتعاملي مع الطلاب الأسوياء، لأن هؤلاء يقاسمونك شيئا كبيرا من الإدراك والمسؤولية، حتى وإن كانوا أطفال، ولكن ستشعرين أن التحدي أصغر من ذلك، فأتمنى بارك الله فيك أن تقدمي طلبا للجهات المسئولة بنقلك من هذا العمل.
ولا مانع حقيقة أن تظهري الحقيقة لأنك جزاك الله خيرا لا تريدين هروبا من المشكلة وإنما تريدين حلا للمشكلة، الحل الذي طرحتيه هو إنهاء خدماتك هذا هو هروب من المسؤولية وليست مواجهة لها.
الحل الثاني: أتمنى أن تجتهدي في قراءة كتب تتعلق بالحلم والرفق والشفقة والرحمة، وهذه توجد حقيقة بكميات كبيرة في أماكن كثيرة، وكذلك في المؤسسات التربوية يضعون نماذج لكيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
فأقول بارك الله فيك وهو مسألة البحث عن عمل بديل في نفس مجال التعليم حتى لا تحرمي الأمة من عطائك، وقطعا ستكونين متميزة لأنك تعاملت مع أطفال غير أسوياء، وإن لم تكوني قد وفقت مائة بالمائة إلا أنك قد وفقت بنسبة إلا إنها بنسبة ليست بالمستوى المطلوب.
ثانيا: كما ذكرت لك لا بد من الاجتهاد في قراءة سيرة من اتصفوا بالحلم عبر التاريخ، وكيف أنهم يتعاملون مع من يشين إليهم ومع من يمتهنونهم وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وخاصة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
أتمنى أن تقرئي مساحة واسعة في ذلك لعل ذلك أن يفيد في كبح الجماح الموجود الآن حتى يتسنى لك البحث عن مجال آخر ليس فيه تلك التحديات، أو أخذ إجازة حتى ولو إجازة غير مدفوعة الأجر، وأن تحاولي أن تغيري الجو الذي تعيشين فيه، أو تذهبي إلى أماكن أكثر أريحية وأكثر جمالا وسكينة لعل ذلك أن يؤثر فيك نفسيا.
ـ عليك بالدعاء والإلحاح على الله به، أن يخلصك الله تعالى من هذه التصرفات المزعجة بالنسبة لك.
والله الموفق.