السؤال
أعاني منذ سن السادسة عشرة من عمري من نوبة من الحزن، وعدم الاستمتاع بالحياة، وأحس أني قد فقدت الذاكرة من كثرة النسيان، وقلة التركيز.
علما أني موظف، وقد أثرت كثرة النسيان وقلة التركيز في عملي، لدرجة أني أتلعثم أثناء الكلام، وقد تغيبت عن عملي هروبا من الإحراج ومقابلة الجمهور؛ لأن عملي يتطلب ذلك، وحتى أتفه الأمور لا أفقهها بسبب هذه النوبة التي تأتيني في كل سنة مرة.
علما أني حساس وسريع الغضب، وقد ذهبت إلى دكتور نفسي، وصرف لي مضادا للاكتئاب يسمى (سليباكس)، ولم أستمر عليه سوى شهرين، وتحسنت حالتي ولله الحمد، وتركت العلاج من تلقاء نفسي دون الرجوع إلى الطبيب، وعادت لي الحالة من جديد، ولكن بعد سنة، وأنا في حالة أزعجتني حتى أني نسيت كل شيء، ولم أعد أتذكر أي شيء، وأصبت بالخوف من الذهاب للعمل، وعدم مقابلة الناس، حتى الصلاة أشعر أني أؤدي ركوع وسجود فقط دون الإحساس بلذة الصلاة.
والآن أنا أستخدم كبسولات تسمى سان جونز أو حشيشة القلب، وهي من علاجات الطب البديل؛ لأن عندي عدم ثقة في العلاجات الكيميائية، نأمل من الدكتور إجابتنا إجابة مقنعة؟
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبورند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر لك التواصل مع إسلام ويب.
وأوكد لك أن رسالتك قد وجدت كل الاهتمام من جانبنا، ونسأل الله تعالى أن نجيبك الإجابة المقنعة.
أنت كما ذكرت منذ حوالي 15 سنة، تعاني من عسر في المزاج، وشعور بالكدر، وهذا من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى تشتت الأفكار، وعدم القدرة على التذكر والتركيز، وهذه لا تعتبر علة في الذاكرة، وإنما هي حالة نفسية تقلل من الاستيعاب، لكن لا شك أنها مزعجة.
بعد ذلك أصبح مسار الحالة النفسية معك يتجه نحو المخاوف، خاصة ما يسمى بالمخاوف الاجتماعية؛ لأن الاكتئاب والقلق حتى وإن كان في درجة بسيطة حين يأتي في سن يافعة وبدايات الشباب يجعل الإنسان يفقد الإنسان ثقته بنفسه، ويجعله يقلل من مقدراته، أو لا يعطي له أي نوع من الاعتبار، وهذا يؤدي إلى الكثير من الانعزالية والخجل الاجتماعي، وهذا بدورة يؤدي إلى مزيد من الاكتئاب.
إذا أصبحت الأمور تقريبا تدور في حلقة مفرغة، كما يقولون، فالذي أراه أنك تعاني من القلق الاكتئابي مع وجود مخاوف ذات طابع اجتماعي، أرجو أن يكون هذا التشخيص مقنعا بالنسبة لك.
أخي الكريم العلاج أولا: يجب أن تعلم أن مشاكل الاكتئاب دائما تؤدي إلى شعور سلبي لدى الناس، فالإنسان ينظر إلى حاضره ومستقبله وماضيه وإلى ذاته وإلى من حوله بصورة سلبية جدا، وعلماء السلوك وعلى رأسهم العالم المشهور (أرون بك) يرون أن تصحيح هذه النوع من الفكر المتسلط هو نوع من الفكر التطفلي نوع من الفكر المستحوذ، ومتى استطاع الإنسان أن يقهره ويصده فهذا يساعد كثيرا في العلاج، وهذا ما يعرف بالتغيير المعرفي، فأريد أن تنظر إلى ماضيك بشيء من الإيجابية، وإن لم تجد فيه إيجابية ضعه في خزانة النسيان.
حاضرك من الواضح أنه إيجابي، أنت الحمد لله أكملت تعليمك ولديك وظيفة، هذه إنجازات كبيرة وكبيرة جدا بالنسبة لشخص أصيب بالاكتئاب منذ السادسة عشر من عمره، هذه الإنجازات يجب أن تكون محفزة لك لمزيد من التفكير الإيجابي.
المستقبل لا شك أنه بيد الله تعالى أولا، وما دمت أن تعيش حاضرا جيدا، فمن المفترض أن تعيش المستقبل على الأمل والرجاء، فأرجو أن تطور نفسك في المجالات الاجتماعية ومهارات العمل والتواصل الاجتماعي، هذه مهمة جدا.
ثالثا: نظرتك نحو نفسك يجب أن تكون إيجابية، يجب أن تعتز بنفسك، وتعطي نفسك القيمة الحقيقية، وهذا دائما يكون من خلال محاورة الذات بصورة منطقية، ويجب أن لا تقسو على نفسك.
العالم الخارجي بما فيه من المساوئ الكثيرة، لكن يجب علينا أن نحسن الظن، أنت مضطر وأنا مضطر لأن نتفاعل مع محيطنا.
وبالنسبة للصلاة كن حريصا على الصلاة في المسجد فيها خير كثير، خاصة في مثل هذه الأوضاع سوف تحس بالتعاضد والتأزر، وبصورة غير مباشرة.
ممارسة الرياضة مهمة جدا؛ لأنها تزيل الشوائب النفسية السلبية، وتعطي للإنسان مجالا للتواصل الاجتماعي بصورة مباشرة وغير مباشرة، ويتضح وبما لا يدع مجالا للشك، أن هناك بعض المركبات الكيمائية في الجسم، وهي مركبات مفيدة للإنسان لتتحسن صحته، وهي لا تفرز إلا بممارسة الرياضة.
إدارة الوقت بصورة صحيحة فيها منفعة كبيرة، إذا تغيير نمط الحياة مفيد جدا في حالتك، مع أهمية التفكير الإيجابي.
العلاج الدوائي لا شك أنه مهم؛ لأن الشيء المؤكد أن بعض التغييرات التي تحدث في الدماغ خاصة بالنسبة للموصلات العصيبة أو الناقلات التي تعرف باسم (سيروتونين serotonin)، و (النورأدرينالين Noraderanaline)، ربما يكون لها تدخل واضح في استمرارية مثل هذه الحالات، ولا شك أنك مطلع على مثل هذا الأمر.
وهذه المسارات الكيمائية الغير منضبطة تصحح من خلال تناول الأدوية، والأدوية الآن متوفرة وهي سليمة وممتازة.
بالنسبة (لعشبة القلب) لا بأس بها لكنها بالطبع أضعف بكثير من الأدوية المشابه لها.
إذا أردت أن تتناول عشبة القلب لا بد أن تكون الجرعة 500 مليجراما صباحا ومساء، أعطها فرصة 3 أشهر.
فإذا لم تتحسن -أخي الكريم-، فانتقل لدواء آخر، وأنا أرى أن (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، سوف يكون مناسبا لحالتك، مع ضرورة الالتزام بالجرعة العلاجية المطلوبة.
أسأل الله لك العافية والشفاء.