السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي أنني أرى دائما الأكثر مني جمالا أكثر مني فضلا، هذا متعب جدا، ويضطرني أحيانا إلى أن أهتم بمظهري خارج البيت، لأنني أحب أن أكون متميزة في الأشياء التي أحبها وأستطيع التميز بها، ولكني أريد أن أقنع نفسي أن الجمال ليس جمال الشكل ولكن جمال الروح.
الجزء الآخر من المشكلة أني أعجب بالأولاد الطيبين المظهر، لا أريد أن يكون الحل غض البصر، هذا تستر على مرض القلب، أريد أن أغسل قلبي ولا أكترث بالشكل، الأمر جدا مريع ويجعلني أفكر تفكيرا حيوانيا، لأنني أحب ان أتزوج بشاب وسيم لذلك لكي أحظى بشيء مثل هذا يجب أن أكون جميلة في عينيه قلبا وقالبا.
أنا الحمد لله جميلة قلبا، وأيضا قالبا، ولكن مقارنة بالفتيات في الشارع أنا قبيحة، لأنهن يرتدين ثيابا أنيقة، ويهتممن بمظهرهن، ولا أريد أن أتصرف على تلك الشاكلة، أريد أن أكون عفيفة ومحترمة ولا أتطرق للإغواء مثل الحيوانات، ما الذي هو أفضل للقضاء على تلك الأفكار الشاردة؟
رجاء ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يوية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك، وأن يرزقك الثقة في نفسك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات العفيفات الفاضلات.
بخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أنك دائما تنظرين إلى قضية الجمال على أنها كل شيء في الحياة وأن الأكثر منك جمالا أكثر منك فضلا، مما يضطرك إلى أن تهتمي بمنظرك خارج البيت حتى تتجاوزين حدود الشرع، لأنك تحبين أن تكوني متميزة في الأشياء التي تحبينها وتستطيعين التميز بها، ولكنك ترغبين في إقناع نفسك أن الجمال ليس جمال الشكل ولكنه جمال الروح.
كذلك أيضا تعجبين بالشباب الذين يتمتعون بمظهر طيب وحسن، وتقولين بأن المشكلة ليست في غض البصر، ولكنه في القلب الذي يرغب ويتمنى ويشتهي هذه المناظر الجميلة، وتقولين بأن مثل هؤلاء الشباب لا يمكن أن يقبلوا عليك؛ لأن الجميل يبحث عن الجميلة في عينه قلبا وقالبا، وإذا قارنت بينك وبين الفتيات الأخريات وجد أنك لست في المستوى المطلوب من الجمال، وهذه المشكلة تسبب لك أزمة نفسية حقيقة، لأنك تصارعين الآن ما بين رغباتك الخاصة وشهواتك البشرية، وما بين حرصك على أن تكوني عفيفة تحبين الله تعالى ولا تفعلين ما يغضبه جل جلاله سبحانه.
أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إنه مما لا شك فيه أن كل إنسان يطمع أن يكون صاحب أوفر حظ في كل شيء، فالمرأة تتمنى أن تكون أجمل النساء وأن تكون أكثرهن أدبا ورشاقة، وفي نفس الوقت أيضا أن تكون صاحبة خلق رفيع، وأن تكون محل إعجاب الناس جميعا، وتريد أيضا في نفس الوقت أن تتزوج رجلا كما يقولون كالقمر، وأن يكون أبناؤها كذلك وأن تكون في صحة وعافية، وأن تتزوج برجل ثري غني يغدق عليها الهدايا والنعم.
هذه أمور مع الأسف الشديد ليست لك وحدك، وإنما هي أمور تتنازع السواد الأعظم من خلق الله تعالى الذين فاتهم الضابط الشرعي الدقيق، وأقصد بالضابط الشرعي أن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق وقدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ومن هذه المقادير مسألة الجمال ومسألة المال ومسألة الصحة و مسألة الأزواج أيضا، وكذلك حتى العمل والوظائف، حتى المستوى العلمي، حتى المستوى الاجتماعي، حتى الصحة والعافية، كل هذه أمور فرغ منها مولانا وانتهى منها قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
الذي لا يعرف المعيار الشرعي يتعب نفسه ويتعب من حوله، والدليل على ذلك أنك الآن تتعبين نفسك تعبا شديدا لأنك لا تعرفين أن هذا الأمر قد انتهى، أنه أمر قد قدره الله تبارك وتعالى وفرغ منه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وتتعاملين مع الأمر كما لو كان مشكلة، وإنما في الواقع هو مشكلة في نفسك وليست مشكلة فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا وسيلة للعلاج جميلة ورائعة بقوله: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) ومعنى (انظروا إلى من هو دونكم) إذا كنت الآن تتمتعين بنسبة جمال تصل إلى خمسين أو إلى ستين بالمائة، فانظري، ستجدين أن هناك نساء لا يتمتعون بأي قدر من الجمال ورغم ذلك يعشن في قمة السعادة، ولعلهن محل احترام وتقدير من أزواجهن والمجتمع، ولهن أسر مستقرة ولهن أبناء وأبنائهن يتباهون بهن ويفرحون بهن ولا يجدون غضاضة أبدا في أن أمهم متواضعة الجمال.
أتنمى أن تتأملي أختي الكريمة، ستجدين أن نسبة الجمال في الناس قليلة، والسواد الأعظم من الناس جمالهم عادي، ويوسف عليه السلام أخذ خمسين بالمائة من جمال العالم، وبقية المليارات هذه في هذه الخمسين بالمائة، ولذلك لماذا يقولون أن نسبة الجمال قليلة في الناس، ذلك لأنها ليست كثيرة، ولكن المقبول نعم، فإذا أنت مقبولة فإذن أنت في الممتاز، أما إذا كنت دميمة فمن حقك أن تقولي أن توجه إلى الله بالدعاء أقول لك نعم، أن يجملك الله تعالى في عين من يتعامل معك، ولكن أنت قلت الحمد لله بفضل الله أنك جميلة قلبا وقالبا، ولكنك تقارين نفسك بالمتبرجات السافرات اللواتي يسرفن في مسألة التجمل، وهذا خطأ، أنت ستتعبين تعبا شديدا، صدقيني ستتعبين نفسك ومن معك، لأنك لست مقتنعة، لست راضية بقضاء الله وقدره.
ينبغي عليك -بارك الله فيك- إذا ما وجدت هذه الحالة في نفسك أن تنظري إلى من هو أقل منك، انظري من شباك المنزل عندك في الشارع، وانظري كم نسبة الجمال في الناس؟ وهل الجمال جمال ثياب أختي الكريمة وجمال الديكور؟ الجمال جمال النفس فعلا، الجمال جمال الأخلاق، جمال القيم، جمال المبادئ، ولا مانع أن يكون هناك جمال خلقي إذا أراد الله تعالى لنا ذلك ونحن نرضى به، لأن الذي خلق الجميلة جميلة إنما هو الله، والذي خلق واضعة الجمال كذلك إنما هو الله.
إذن حل مشكلتك بارك الله فيك في الرضى بما قدره الله تبارك وتعالى لك وقدره لك، وأن تنظري دائما إلى من هو دونك، وإذا كنت ترغبين في شاب وسيم فانظري ستجدين أباك ليس وسيما في الغالب، وستجدين إخوانك عاديين، وخالاتك وعماتك وجاراتك من الشرق والغرب يتزوجن برجال عاديين جدا وسعداء جدا. إذن لا تفكري في أن السعادة بأن يكون الرجل بطل الأفلام أو نشرة أخبار وملك جمال، لأن هذا قد يكون فعلا وباء على زوجته، فإن المرأة إذا تزوجت برجل جميل فائق الجمال تصاب بأمراض عصبية عظيمة نتيجة الغيرة الشديدة عليه، ولكن إذا كان متوسط الجمال فإنها تستريح لأنها ستعلم أنه كغيره، وأنه لن تطارده النساء، فارضي بما قسم الله لك واقعني بما رزقك الله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه)، وقولي (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عن من سواك).
هذا وبالله التوفيق.