السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أنا فتاة عمري 21 سنة كرهت الحياة ولا أحس بطعمها أو هنائها الذي يقولون عنه.
كنت إنسانة طبيعية جدا أقرأ الورد اليومي وأحافظ على الأذكار ولا أنسى صلاة الوتر. لكن بنفس الوقت فأنا ممن يماشي العصر يعني أتابع مسلسلات وأحب مشاهدة الأفلام التي تحكي واقعا ولا أحب تلك التي تكشف عورات أو غيره، وكنت وقتها موازنة بين النوعين، من أهم النقاط أني في قرارة نفسي أكره الأغاني كرها شديدا، ولم أكن أعيرها اهتماما، ولكن هيهات الفرار منها الآن، أنا لا أبحث عنها أو أهتم بالجديد إلا في بعض الأحيان، وإن كان فسرعان ما ألغيها، لكن إن كانت هناك أغنية تمر على أذني فإني فعلا لا أتركها حتى أنهيها واستمتع كثيرا بها.
الآن مدة 6 أشهر تقريبا أهملت ذلك كله، ولم أعد كما كنت، تمر الليالي والأيام ولا أفتح المصحف أو أذكر الله حتى الصلوات أجمعها، حتى بر والدي فلا أقوم به كما يجب!
إن تبت لله فلا تكاد تمر دقائق حتى أعود للذنب وهكذا، ولا أحس بلذة الذكر الذي كنت أشعر به سابقا.
إن أردت أن ألتزم فلا أجد في عائلتي والمقربين لي من يحثني على الطاعة، بل وجدت نفسي أني أمشي مع ركبهم فهم يستمعون للأغاني التي هي السبب في كل ما أنا فيه. لا أخفيك سرا فأنا أكتب هذه الرسالة على صوتها!
الآن ضميري يكاد يقتلني، عيشتي إن قلت لك أنها أصبحت ضنكا فهذا أقل تعبير ممكن أن يقاس على حالتي ولا يعد ذلك غريبا فهذا وعد ربي الذي جاء به محكم تنزيله.
أصبحت طوال اليوم متضايقة، كلامي قليل لاشيء يسعدني حتى أهلي لاحظوا ذلك الفرق الكبير والتحول العظيم الذي طرأ علي.
كل ما أتمناه الآن أن يبلغني الله رمضان وأن أجتهد فيه بالطاعة ولكن كيف ذلك وهذا حالي الآن، أتمنى أن أبدأ من جديد بتوبة نصوح.
أجهل ما علي فعله لأني أحس بغضب الله علي وأريد أن أتوب، ولكن أخاف أن تكون توبتي كاذبة كما كانت أسلافها.
أريد إرشادا عاجلا وعلاجا شافيا لما أنا فيه؟ فلا تبخلوا علي بنصحكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ اميرة الذوق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك أيتها العزيزة في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يأخذ بيدك للخير، وأن لا يخذلك ويكلك إلى نفسك.
أنت أدركت الطريق أيتها الكريمة وعرفت الحقيقة، فقد أصبت حين أدركت أن ما تعانينه من كدر وهم وضيق سببه المعصية، فإن المعصية هذا شأنها، فإنها تورث في نفس صاحبها وفي قلبه أنواعا من الظلمات كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وهو ترجمان القرآن وحبر الأمة، فإنه قال: (إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب، وضعفا في البدن، وقلة في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق) والمعصية أيتها الكريمة من آثارها بلا شك الوحشة التي يجدها الإنسان في قلبه من كل شيء صالح، ولذلك قال الشاعر: (إذا كنت قد أوحشتك الذنوب، فدعها إذا شئت واستأنس) وهذه الوحشة لن تقضي عليها أبدا إلا بالرجوع إلى الله عز وجل والتوبة إليه، والأمر هين سهل أيتها الكريمة، فإن الله عز وجل من رحمته أن فتح لعباده باب التوبة، وبشرهم بأنه يقبل التوبة عن عباده، وأنه يغفر الذنوب جميعا بالتوبة، فإنه لا يتعاظمه ذنب، فقال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأن الله عز وجل يفرح بتوبة التائب من عباده ليجزيه أحسن الجزاء.
فهذه المبشرات كلها أيتها الكريمة ينبغي أن تدفعك دفعا للمسارعة بالتوبة، واعلمي يقينا أن الفرص لا تتكرر، وأن الله عز وجل إذا فتح أمامك فرصة وهيأ لك الأسباب وحبب إليك التوبة في وقت ولم تفعلي ولم تستجيبي لنداء الله ودعائه فإنه سبحانه وتعالى قد يقلب قلبك فلا يمكنك بعد ذلك من التوبة، كما قال الله في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} وكثير من الناس تسنح أمامهم الفرصة وتهيأ أمامهم أسباب الطاعة فلم يستغل هذه الفرصة ثم لا يوفق بعد ذلك، وقد يموت الإنسان على الذنوب والمعاصي فيندم لكن حين لا ينفعه الندم.
فنحن نوصيك أيتها الكريمة، وفي كلامك ما يدل على رجاحة في عقلك وعلى إيمان في قلبك، فإن تأذي الإنسان وتألمه بسبب معاصيه دليل على الخير الموجود في نفسه، ونتمنى أن يكون هذا كله دافعا لك للمبادرة وللمسارعة بالتوبة، ولا تسمحي أبدا للشيطان لييئسك من رحمة الله ويقنطك من عفو الله تحت مبرر أن هذه التوبة قد تكون كاذبة، فإن الله عز وجل يقبل التوبة من التائب كلما أذنب، فأنت بادري الآن بالتوبة من ذنوبك وابدئي صفحة جديدة مع الله عز وجل، وإذا قدر أنك وقعت مرة أخرى في الذنب فإن المطلوب منك أن تتوبي مرة ثانية، وهكذا، وقد جاء في هذا حديث صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى يتوب على عبده في المرة الأولى ويقول، ويقول العبد: أي رب أذنبت ذنبا، فيقول الله عز وجل: (علم عبدي أن له ربا يأخذ بالذنب ويعاقب على الذنب، غفرت لعبدي) ثم يقع الإنسان مرة أخرى في الذنب فيقول: أي رب أذنبت ذنبا، فيقول الله عز وجل: (علم عبدي أن له ربا يأخذ بالذنب ويعاقب بالذنب، غفرت لعبدي) ثم يفعل مرة ثالثة ويتوب، فيقول الله عز وجل: (اعمل ما شئت فإني قد غفرت لك) يعني ما دمت على هذه الحال إذا أذنبت تبت إلى الله تعالى توبة صادقة بأن تندم على ذنبك وتعزم في قلبك عزما أكيدا أنك لن ترجع إليه مرة ثانية وتتوب في نفس الحال، فإذا فعل الإنسان هذه التوبة وقدر عليه أنه أذنب مرة أخرى فإن المطلوب منه أن يتوب ثانية، والله عز وجل يغفر له الذنب السابق والذنب التالي.
فلا تسمحي أبدا للشيطان لييئسك من رحمة الله ويحول بينك وبين التوبة، فإن التوبة تمحو ما كان من ذنبك. وخذي أيتها الكريمة بالأسباب التي تعينك على الثبات على الطاعة وعدم الرجوع إلى المعصية مرة أخرى، ومن أعظم هذه الأسباب الرفقة الصالحة، فحاولي أن تتعرفي على النساء الصالحات، والفتيات الطيبات، فتقضي معهن بعض وقتك، وتحضري مجالس الذكر ومجالس العلم، وتتبادلي معهن أنواع المنافع، وتشغلي وقتك بالنافع في دينك ودنياك، فإن الصاحب ساحب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله) وأنت ما دمت تعيشين في بيئة قد أشربت المعصية فأنت أحوج ما تكونين إلى الرفقة الصالحة، وإذا بحثت عن هذه الرفقة فستجدينها فأنت في بلد مملوء بالخير مشغولة مساجدها بالدعوة، وستجدين برامج نافعة للنساء، فحاولي أن تشغلي نفسك وأن تتعرفي على الطيبات، وأنت بذلك تقدمين خيرا كبيرا لنفسك، نسأل الله تعالى أن يتولى عونك وأن ييسر أمرك.
كوني على ثقة أيتها الكريمة بأن سماع المعازف حرام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر في الحديث وعيدا شديدا لمن يتعاطونها، ولا سيما إذا أضافوا إلى ذلك استحلالها وعدوها حلالا، والغناء والسماع إليه من مفسدات القلب بلا شك، فإن الغناء رقية الشيطان، ولا يجتمع في القلب الواحد حب الغناء وحب القرآن، بل إما أن يثبت في القلب وينتعش به القلب بكلام الله عز وجل وتوجيهه، وإما أن ينشغل القلب بكلام الشيطان ورقيته فيعمل بمقتضى ذلك، فأنت خذي بالأسباب وأكثري من دعاء الله سبحانه وتعالى، واسأليه العون والسداد لا سيما في أوقات الإجابة، وسييسر الله لك أسباب الهداية.
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث ما كان ويرضيك به.