ما هي وسائل الثبات على صراط الله تعالى والصبر على البلاء؟

0 550

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 17 سنة، ومشكلتي هي أنني وحيد في هذه الدنيا، ليس لدي صديق أو رفيق.

أنا لا أستطيع التعامل مع الناس، ولا أستطيع التحدث إليهم، فعندما يأتيني أحد يسألني عن حالي أو عن شيء آخر، ليس على لساني غير كلمة –الحمدلله- فلا أستطيع أن أفتح حوارا أو نقاشا معهم، مما يجعل المتحدث أمامي يعتقد بأنني لا أريد أن أكلمه، لأني أجيبه باختصار شديد.

أنا -والحمدلله- هداني الله بعد أن أضللت، وأريد أن أصبح شخصا ملتزما يعرف جميع الأمور عن دينه، لكن المشكلة في الصعوبات التي أواجهها كل يوم، والاستهزاء الذي أتعرض له من قبل عائلتي وأصدقائي.

عندما أنصحهم لا يسمعون كلامي لأني أصغرهم، بل ويعدون أخطائي واحدة واحدة، وينسون أخطاءهم لكي يقنعوني أنني غير ملتزم، ويستهزئون بي، فعند كل شيء يأتون علي ويقولون لي بكل استهزاء وسخرية ما رأي الإسلام بهذا الأمر يا شيخنا الفاضل؟ وهم يتضاحكون.

كل هذا لأنني أصلي بالمسجد، ولا أسكت عندما أراهم يقعون بالمحرمات، فأنا الآن أشعر بالوحدة الشديدة وحتى أصدقائي ينفرون مني، لأنني بنظرهم -الشاب المحترم الذي لا يكلم البنات- أو (المعقد نفسيا )، حاولت الذهاب إلى المسجد والتعرف على أصدقاء مهتمين بطاعة الله والعلم، لكنني لم أجد، والمسجد عندنا لا يعقد حلقات العلم.

لذلك أضطر أن أسمع المحاضرات على التلفاز والنت، وقد مليت جدا من حياتي، حتى إني أتمنى أحيانا لو كنت بعائلة ملتزمة جدا حتى لا أواجه كل هذا.

أشيروا علي، وجزاكم الله كل خير، كيف يمكنني التعامل مع الناس والتحدث إليهم بطلاقه؟ وماذا أفعل تجاه الإستهزاء الذي أتعرض له؟ وكيف أسير بالطريق الصحيح نحو العلم والتعلم؟ وما هي الطريقة التي أجعل فيها صوتي أجمل في تلاوة القرآن؟ وكيف لي أن أتعلم المقامات والتجويد؟ علما بأنه لا تعقد حلقات مساجد عندنا، وإن عقدت فإن المشايخ لا يعرفون في علم المقامات الكثير.

فهل من الممكن أن أتمكن من التلاوة بصوت جميل وحدي؟ وهل هناك مراكز ثقافية لتعليم هذا الشيء؟

أفيدوني وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى لك الخير كله، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونهنئك أولا بتوبة الله عليك وهدايته لك أن وفقك لسلوك الصراط المستقيم، واجتناب أسباب الغواية والضلال، واجتناب معاصيه، وهذا فضل عظيم من الله -عز وجل- به عليك، ينبغي أن تكثر من شكر الله سبحانه وتعالى عليه.

أما ما تشتكي منه أيها الحبيب فإنه لا يستحق الشكوى، فإن كثيرا مما ذكرت وتتألم منه هي جوانب إيجابية في شخصيتك، ينبغي أن تفرح لوجودها فيك، وتستغل ما أعطاك الله -عز وجل- من ملكات وقدرات، وتحاول توظيفه فيما تقدر عليه.

حياؤك أيها الحبيب وامتناعك من الحديث والإسهاب فيه مع الناس أمر لا يطلب بإطلاق، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل سمعه وهو يعظ أخاه في الحياء، قال له: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، لكن ما تشعر به أنت من عدم الانبساط مع الناس في الحديث نتيجة للبيئة التي نشأت فيها ولانعزالك عن الناس في تربيتك، ومن ثم فإن كثيرا من هذه البيئة والخوض والدخول في بيئات أخرى تساعدك في تحقيق ما ترجوه، وتهدف إليه من إصلاح حياتك، ولا شك سيكون عونا لك في تغيير نمط سلوكك هذا الذي أنت فيه الآن.

أما ما تشعر به أيها الحبيب من الوحدة لتجنبك للمعاصي ومخالطة رفقائك وقرنائك فيما هم فيه من المنكر، فإن هذا أمر لا ينبغي أبدا تستوحش منه، فإن الواحد يعدل عند الله تعالى أمة كاملة، حينما يكون قائما بأمر الله تعالى، واقفا عند حدوده، وعليك أن تتذكر الصالحين ممن قبلك وممن بعدك وممن معك، فهؤلاء جميعا هم إخوانك على نفس الطريقة التي أنت عليها، والله -عز وجل- أرشدنا في سورة الفاتحة أن نقرأ قوله سبحانه وتعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} ثم ذكرنا بأن هؤلاء الذين سلكوا هذا الصراط كثير ممن قبلنا فقال: {صراط الذين أنعمت عليهم} فهو يذكرك بأن الذين أنعم عليهم – وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون – كثر، فلا تظن أبدا بأنك وحدك على هذا الطريق، بل أهل الخير فيمن مضى قبلك ومن هم في زمنك كثير وكثير ولله الحمد، ولكنك بحاجة أن تتعرف عليهم.

أنت أيها الحبيب الآن في أمس الحاجة إلى الرفقة الصالحة والشباب الطيبين الذين تستفيد منهم في دينك ودنياك، وتتقوى بهم أيضا للثبات على هذا الطريق الذي اخترته وهداك الله -عز وجل- إليه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، والله -عز وجل- حكى لنا دعاء موسى عليه السلام حين قال: {واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا}.

الإنسان محتاج إلى إخوة له يؤازرونه، ويعينونه ليثبت على العبادة ويكثر منها، ويستقيم على الطريق الذي يحبه الله -عز وجل-، وأنت في بلد ولله الحمد أهل الخير فيه كثير، ولا ينقصك أبدا إلا الخروج إلى المساجد والتعرف على أهلها الطيبين الصالحين، وحضور مجالس العلماء والوعاظ، وستجد في حلقاتهم ومجالسهم ومساجدهم الكثير ممن تقر عينك برؤيتهم، وتأنس نفسك إلى مجالستهم، وتطرب أذنك بسماع أحاديثهم الطيبة، فإن أهل الخير لا يزالون كثيرين، فابذل وسعك في التعرف عليهم، وهم -ولله الحمد- في بلدك يملؤون كل أصعدة المجتمع، فإنهم في الجامعات وفي المساجد وفي المدارس وفي غير ذلك من مرافق الحياة، فلا تيأس أبدا في الحصول على الرفقة المأمولة المرضية.

أما قراباتك وأهلك وأصدقاؤك فالحيلة في التعامل معهم أيها الحبيب أن تصبر وتحتسب أجرك على الله سبحانه وتعالى، وتحاول إصلاحهم إن كنت تقدر على إصلاحهم باللطف واللين بقدر الاستطاعة، فإن الكلمة الطيبة صدقة، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومن ثم فإذا استطعت أن تقدم لهم النصيحة بالأسلوب الأحسن، ولو بأن تهدي لهم شريطا أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عليهم فذاك أجر عظيم مدخر لك، وإن لم يستجيبوا لك أو حاولوا الاستهزاء بك فلا تنثني أبدا عن هذا الطريق الذي أنت فيه، فإن الله -عز وجل- حكى لنا عن لقمان عليه السلام أنه أمر ولده بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن يصبر على ما قد يصيبه من ذلك، فقال: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} وهذا سبيل الأنبياء والمصلحين والعلماء والدعاة، فإن كل واحد منهم ناله حظه من الأذى والسخرية والاستهزاء، والقرآن ذكر لنا كثيرا من فعل أعداء الرسل من مثل هذا، فلا تبتئس أبدا لهذا ولا تحزن.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يهدينا وإياك وسائر المسلمين إلى صراطه المستقيم.

مواد ذات صلة

الاستشارات