السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحقيقة هذه ثاني استشارة لي في الموقع.
أنا إلى الآن أعاني من وسواس الموت منذ 3 سنوات، وحصل لي نوبات هلع في أول سنتين، والآن تحول إلى وسواس دائم بالموت، وبأشكال مختلفة يعني مرة يجيء لي وسواس أن هذا أصلا ليس وسواسا، وأنه واقع، ومرة أخرى أتخيل حياة أهلي بعد موتي أصبحت أقرن كل شيء في حياتي بالموت، وبداخلي رعب شديد، مع العلم أني أمارس حياتي بشكل طبيعي جدا مع من حولي، ولكني كثيرة الشكوى في المنزل الآن كأنني في دائرة من الأفكار المغلقة التي تسبب لي الأرق الدائم والتفكير الذي يتحول إلى ضوضاء شديدة أفكر في أي شيء، وكل شيء مما يجعلني لا أنام أحيانا باليومين.
أخذت (افيكسور) لمدة عام، وكنت أعاني من الاكتئاب فترة فأخذت ريميرون والآن أخد سيروكسات 20 وقال لي أحد الأطباء إنه ممكن تكون أعراض انسحابيه للأدوية؛ لأني كنت أنقطع عنها فجأة، هل السيروكسات مفيدة في حالتي، أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء محب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
كثيرا ما تتبدل وتتغير الأعراض النفسية، خاصة ما يسمى بحالات الاضطراب الوجداني، وهي حالات القلق، المخاوف، الوسواس، الاكتئاب من الدرج البسيطة.
كثيرا ما يكون هنالك تلون وتغير في هذه الأعراض، بمعنى أنه قد تظهر أعراض جديدة وتختفي أعراض أخرى، وهكذا.
مثلا أنت حالتك الآن وبالصورة الإكلينيكية، ومن خلال هذا الوصف الدقيق الذي ذكرته أستطيع أن أقول أنه لديك وساوس قهرية ولا شك في ذلك، والإشكال في الوساوس أن أصحابها يكتمونها لفترة طويلة، والوساوس دائما حقيقة في منطقتنا تكون دائرة حول العقيدة والدين والحياة والموت والعقاب والثواب، وهذا إن شاء الله يكون من صريح الإيمان، نسأل الله أن يكون هكذا.
العلاج أيتها الفاضلة الكريمة في مثل حالتك هو فعلا يتطلب عقارا مثل زيروكسات، وأنا لا أعتقد أبدا أن هذا الذي تعانين منه الآن من وساوس له علاقة بانسحاب الأدوية أو التوقف عنها فجأة، ليس هنالك أي علاقة بين هذه الحالة الوجدانية التي تعيشينها الآن والتوقف غير التدريجي عن الدواء، لكن دائما الأحوط والأجمل والأفضل والأحسن جودة في تناول الدواء هو أن يكون هنالك توقف تدريجي، لابد للإنسان أن يمهد لكيمياء الدماغ لتترتب حين يود التوقف من هذه الأدوية، وهذا لن يحصل عليه إلا من خلال التوقف التدريجي.
عموما الآن أنا أؤيد تماما تناولك للزيروكسات، لكن أود أن ألفت نظرك لشيء وهو أن جرعة الزيروكسات تتطلب أن ترفع إلى أربعين مليجراما في اليوم، معظم الوسواس القهرية لا تستجيب إلا لهذه الجرعة، وهذه الجرعة يمكن الوصول إليها بسهولة وذلك من خلال البناء التدريجي للدواء، مثلا بعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى حبة ونصف، ثم بعد أسبوعين ارفعيها إلى حبتين في اليوم، وهذه يجب أن تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، بعد ذلك خفضيها إلى حبة ونصف يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها حبة في اليوم، وهذه يجب أن تستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم يمكن التوقف عن تناول الدواء.
هذا يا أختي الكريمة هو الأفضل وهو الأحوط والأفيد في علاج الوساوس القهرية فيما يخص العلاج الدوائي، وجرعة الحبتين في اليوم من الزيروكسات ليست كبيرة، إنما هي جرعة وسيطة، لأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى ثلاث أو أربع حبات يوميا، لكن لا أعتقد أنك في حاجة لمثل هذه الجرع.
الأمر الآخر هو العلاج السلوكي، العلاج السلوكي: هذا النوع من الوساوس يتطلب التجاهل والتحقير، بالطبع الإنسان لا يمكن أن يتجاهل أمر الموت أو يحقر الموت، فالموت آت ولا شك في ذات، وكل نفس ذائقة الموت، هذه حقائق ثابتة ومحتمة في عقيدتنا، ونحن نؤمن بذلك تماما، لكن الذي يحقر هو الخوف الوسواسي، أن تقولي لنفسك (هذا الخوف خوف وسواسي، وخوفي من الموت لن يزيد في عمري ولن يزيد فيه لحظة واحدة، لأن إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) خذه هذه الحقائق بصلابة، جسميها أمامك، اجعليها تسيطر على وجدانك، وبعد ذلك سوف تجدين أنك بالفعل حريصة على عباداتك في حدود ما هو معقول، لأن الإنسان يجب أن يعمل أيضا لما بعد الموت.
إذن تحقر الفكرة الوسواسية، وهذا يساعدك كثيرا، ولا شك أن الدواء في حد ذاته سيؤدي إلى التغيرات الكيميائية والبيولوجية الخاصة بالناقلات العصبية التي يعتقد أنها المسبب الرئيسي في الأعراض النفسية، وهذا سوف يفيدك كثيرا.
أضف إلى ذلك أن الدواء لا شك أنه محسن للمزاج، فقط أوصيك مرة أخرى بالالتزام التام بالجرعة الدوائية.
أما العلاج على النطاق الاجتماعي مهم أيضا، فأنت الحمد لله مهندسة ولديك وظيفة محترمة، فإذن اشغلي نفسك في عملك، حاولي أن تطوري نفسك، عليك بالمشاركات الاجتماعية، الانضمام إلى مراكز تحفيظ القرآن، الانضواء في العمل الخيري، الاطلاع والقراءة لما هو جيد ومفيد، صلة الأرحام، الترفيه على النفس بما هو متاح ومباح.
هذا يخرجك تماما من القوقعة الوسواسية، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.