السؤال
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
قالوا: (ما خاب من استشار) كنت أبحث عن فتاة صاحبة دين وخلق، ومن بيت صالح ومتعلمة وجميلة، وأرشدتني أختي إلى فتاة معينة، وسألت عنها وعن أهلها، فوجدت فيهم الصفات التي أبحث عنها، وتقدمت لهم وخطبتها، ونظرت إليها النظرة الشرعية.
استشارتي هنا: أني عندما رأيتها لم أجد ذاك الانشراح لها والإثارة ولم أعجب بجمالها بالتحديد وطولها، وإن أعجبتني فيها بعض الصفات، لكني أحسست بقلق وتوتر، وأنا الآن خائف من هذا القلق والتوتر، هل هو بسبب أنها لم تعجبني؟ أم بسبب أني رأيتها في زينتها فنفرت منها؟ (شعور بأنها ترغبني في نفسها) أو بسبب شعوري أنها ستكون عنيدة؟ أم أني صنعت في بالي صورة معينة عن جمالها فجاءت أقل من ذلك، أم أن هذا قلق وتوتر عادي يحصل لكل شخص؟ مع أني شديد الحياء، وبدأت أشعر بالارتياح لها، لكن خوفي أن يكون هذا الارتياح بسبب رضوخي للأمر الواقع، والذي أخاف أن يزول غدا، فماذا تشيرون علي ما دام الأمر في يدي؟
الأمر الثاني الذي أريد السؤال عنه، هل الأفضل أن تكون ربة بيت أم أسمح لها بالعمل، وأتنازل عن هذا الشرط؟ وهل صحيح أن المرأة العاملة ترى نفسها على زوجها وأنها مستغنية عنه، وأنها لا تقوم بحق زوجها كما تقوم ربة البيت بسبب ضغط العمل؟
ودمتم سالمين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يمن عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
بخصوص ما ورد برسالتك أخي الكريم الفاضل: إنه مما لا شك فيه بما أن هذه التجربة جديدة، وأنك رجل شديد الحياء - كما ذكرت - وأن هذه أول مرة تنظر فيها إلى امرأة بهذا القدر، وأيضا وجودها بين أهلها وأقاربها، فلم تكن أنت وحدك معها، غالبا ما يؤدي هذا الموقف إلى نوع من التوتر والقلق فعلا، ولكن أقول لك ما دامت فيها الصفات الشرعية المطلوبة والأخلاق الراقية والصفات الأخرى التي رغبت فيها، وكذلك أيضا موصوفة بأنها على قدر من الجمال، لأن الرجل يجوز أن ينظر بنفسه ويجوز أيضا أن يرسل امرأة لتصفها له، وأعتقد أن أختك لن تغشك يقينا وقطعا، وإنما هي أخذت الصفات التي علمت أنك تريدها فيمن تريد أن ترتبط بها، وأن تكون زوجة لك، ووجدت أن هذه الفتاة أنسب فتاة لك، وأن فيها الصفات التي تريدها بشهادتك أنت، فلا داعي لهذا القلق وهذا التوتر، وإنما هو نتيجة الموقف، ولكن ما دام فيها دين وخلق وحسب ونسب، وما دام فيها قدر من الجمال - بشهادة أختك - حتى وإن كنت أنت لم تتأكد من ذلك أو لم يحدث لديك انشراح صدري بالنسبة لها، فأرى أن هذا يعتبر كافيا في حد ذاته، وأرى أن تتوكل على الله، لأن الجمال الفائق قد يتعذر وجوده وقد يندر، فإنك ترى أن معظم نساء الدنيا ورجالها أيضا متوسطو الجمال، وأن الجمال الباهر قلة في الناس، لأنه لا يخفى عليك أن يوسف عليه السلام أخذ خمسين بالمائة من جمال بني آدم، ونحن نعيش في هذه الخمسين الأخرى، ولذلك تجد من كل ألف امرأة امرأة تتمتع بقدر من الجمال المبهر مثلا، ولكن هل هي مقبولة أو ليست مقبولة؟ هذا هو الذي نقف عنده، فأنت تبحث عن الجمال المتميز، وهذه الأخت قد رشحتها لك أختك على أنها جميلة وأنها متميزة أيضا، وإن كنت أنت لم تنشرح لها فليس معنا ذلك أنها ليست جميلة.
لكن أقول: إذا كنت ترى فعلا ذلك والقلق لديك شديد، فلا مانع من تكرار الرؤية مرة أخرى، لأن العلماء أجازوا تكرار النظر إذا كان في النفس شيء، لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل النظر في حالة الخطبة من الأمور التي لها دورها الفاعل في دوام المحبة والمودة ما بين الطرفين وفي انشراح صدر الرجل، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال للصحابي: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، وجمهور العلماء على استحباب النظر وأنه مستحب، إذن لا مانع أن تطلب رؤيتها مرة أخرى إذا كان ذلك ممكنا، وإذا لم يكن ممكنا فأرى أن تتوكل على الله، خاصة وأنها قد وصفتها لك أختك بأنها جميلة، وهي كما ذكرت لك في بداية الحديث يستحيل أن تغشك ما دامت تتوافر فيها الصفات الرائعة والراقية الأخرى.
أما فيما يتعلق بمسألة العمل أو أنها ربة منزل أو غير ذلك، فهذا أمر يتوقف أولا على شخصيتك أنت، وعلى مدى حرصك، أو على ستر أهلك وبيتك، وكذلك أيضا على مدى حرصك على أن لا تختلط امرأتك بأحد، حتى ولو بنساء أخريات اختلاطا موسعا.
كذلك أيضا متوقف على ظروفك المادية، وهل أنت في حاجة إلى أن تعمل المرأة أو لا تعمل، لأن خروجها من البيت يسبب فراغا، وكذلك أيضا يسبب لها نوعا من الإرهاق، فإني أتمنى أن تضع نفسك مكانها حيث إنها ستعمل دواما كاملا مثل دوامك، ثم بعد ذلك ستأتي إلى البيت لتطالب مرة أخرى بضرورة إعداد الطعام وإعداد الشراب، وتهيئة البيت وتربية الأولاد، كل ذلك سيلقي بظلاله على نفسها يقينا، وأنها لن تكون كالمرأة التي كالملكة في بيتها لا تفعل إلا الأشياء القليلة وهي القيام بخدمة نفسها وخدمة زوجها وعيالها، هذه امرأة تعمل عملا مضاعفا، وهذا بلا شك يترك أثرا كبيرا على صحتها، وعلى بدنها وعلى نفسيتها أيضا.
فإذا كنت ممن أغناك الله تبارك وتعالى وبسط لك في الرزق، أو أنك لست في حاجة إلى راتبها أو إلى تعاونها معك أو في متطلبات الحياة فأرى فعلا أن تبقى في البيت، حتى تكون مهيأة أولا لاستقبالك بنفسية مستريحة مطمئنة، وكذلك أيضا حتى تكون متفرغة لتربية أبنائك في المستقبل، حيث إنها لن تكون مرهقة بالقدر الذي يجعلها تتأفف من طلبات الأولاد أو تعجز عن إجابة رغباتهم.
المرأة المثقفة في البيت نعمة حقيقة على زوجها وأولادها، لأنها على الأقل سوف تكفيك مؤونة دفع مصاريف أو دفع أجور المدرسين الذين سيدرسون أبناءك على الأقل في المرحلة الأولى، مرحلة الروضة ومرحلة الابتدائي، لأني أعلم أن كثيرا من الأخوات الجامعيات والمثقفات يقمن بهذا الدور، ويوفرن قدرا كبيرا من ميزانية البيت، بدلا من أن تذهب إلى المدرسين الخصوصيين، فإنها توفرها لنفقات أخرى.
فهذا الأمر متوقف على ظروفك، وعلى طبيعة العمل وعلى شروط العمل، وعلى حاجة العمل إليها وحاجتك أنت أيضا، وقوفوها معك أمام ظروف الحياة ومتطلباتها المادية، وأحب أن أختم بقولي: إن العمل في الإسلام جائز للمرأة، ولكنه عند توافر الضوابط الشرعية التي أسأل الله تعالى أن تكون في عمل زوجتك إن كنت تريدها أن تعمل.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يمن عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة.
هذا وبالله التوفيق.