السؤال
السلام عليكم.
أولا: أشكركم على هذا الجهد المبذول من قبلكم، أنا شاب في الثامنة عشرة من العمر، أعيش في قرية صغيرة، أعاني من عدة مشاكل نفسية: من هم وغم، وقلة العلاقات الاجتماعية، وصولا إلى العزلة.
منذ صغري اشتريت حاسوبا، وأصبحت مدمنا عليه، وأصبح جل اهتمامي له، الشيء الذي سبب لي العزلة والابتعاد عن الناس، وقلة مخالطتهم، وأريد الآن التخلص منه، ولم أستطع، فعندما أحاول أن أتخلص من عزلتي أخرج من البيت، ثم أنظر يمنة ويسرة فلا أجد شيئا فأعود للمنزل، وهذا سبب لي عقدة أخرى.
فإذا رأيت أحدا له أصحاب يجلسون معه ويحبونه، أشعر بضيق شديد، وأتمنى أن يكون لي أصدقاء مثله، ومن جهة أخرى الأصحاب القلة المزيفون الذين لا يبحثون عني إلا إذا كانت عندهم مصلحة عندي، هذا أدى إلى شيء آخر هو: الشك، وعدم الثقة، فإذا جاءني أحد لا أثق فيه، وأقول في نفسي: إنه يبحث عن... وهذا الشك له وجه آخر ففي الليل لا أرتاح حتى أتأكد أن الأبواب مقفلة والنوافذ، وأقول في نفسي: لن أخسر شيئا، والمشكلة الأخطر -وأظنها هي الذي تنفر الناس مني- عدم تحدثي عن أي أمر شخصي، وحتى لو كان صغيرا فكأنني كالحصن المنيع.
ومن جهة أخرى إذا جلست مع أحد لا أجد ما أقول، حتى إنني إذا علمت أن أحدا قادم، أو أني ذاهب إليه أجلس ساعة أو ساعين أو أكثر، أفكر ماذا أقول؟ وأما إن كان يحب التحدث عن القضايا الفلسفية، أو الجدالية، والأمور العلمية فأغوص معه، وإن كان قليل الكلام وقليل الرد علي، فتصبح الجلسة صامتة كأننا أموات.
مشكلة أخرى قد تكون ذات صلة وهي: مشكلة الذاكرة، وعدم تذكر أمور كثيرة، وهذا أرجعته إلى مشكلة التركيز، وعدم الانتباه فتجدني دائما ساهيا أفكر في شيء ما وخاصة في الأمور التي حدثت لي، وكيف يمكنني تجنبها مستقبلا، ولكن لا أطبق الكثير مما فكرت فيه، وأحيانا يضيق صدري من هذه المشاكل، فأريد البكاء، أنا في انتظار ردكم علي.
بارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عصام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن إدمان الكمبيوتر الآن هي من أخطر المشاكل التي تواجه بعض الشباب، ونحن نريد من الشباب أن يأخذوا هذا الأمر بجدية كبيرة، وإدمان الكمبيوتر الآن اتضح أنه أحد الإدمانات المعطلة لتطوير الذات، يؤدي إلى الانعزال، يؤدي إلى الانحسار الفكري، يؤدي إلى الانطوائية في الشخصية، وينقص كثيرا من الكفاءة النفسية والشخصية، ولا يوصل الإنسان إلى درجة التطور الاجتماعي والنفسي المطلوب.
قرارك يجب أن يكون واضحا حتى وإن كان قاسيا عليك في بداية الأمر، والقرار هو أن لا تتعامل مع الكمبيوتر أبدا لمدة شهر، لا تتعامل معه أبدا لا من قريب ولا من بعيد، هذا هو المنهج الذي درب في الصين, ووجد أنه ناجح تماما.
في الصين أخذ أربعة مليون شاب وشابة مدمنون على الكمبيوتر، ووضعوا في معسكرات عسكرية، كل واحد منهم يكون له نصيب من التمرين العسكري الشاق حسب عدد الساعات التي كان يقضيها جالسا أمام الكمبيوتر، من كان يجلس عشر ساعات فتمارينه العسكرية عشر ساعات، من كان يجلس ساعتين فتمارينه ساعتين، ومنع عنهم الكمبيوتر تماما، وأعطوا بعض المحاضرات، هذه المحاضرات ركزت على الأضرار البليغة التي قد يسببها الكمبيوتر -أي إدمانه- ولا نقول الاستعمال الراشد للكمبيوتر، ومن أخطر ما يمكن أن يحدث هو الاضمحلال والانحسار الفكري، الذي يحدث بالنسبة للذين يدمنون الكمبيوتر.
أيها الفاضل الكريم نحن حين نحرمك من الكمبيوتر لهذه الفترة نريدك أن تتعالج، وأنا أعرف أنك سوف تصاب بقلق، بتوترات، خاصة في الأيام الأولى، لأن إدمان الكمبيوتر يعمل من خلال ما يسمى بالمردود الإيجابي على كيمياء الدماغ، هنالك مادة تسمى بالدوبامين، وهذه المادة هي إكسير الإدمان، كل السلوك الإدماني يتمركز حول هذه المادة والتي يتم إفرازها عند تعاطي المخدرات، وشرب الدخان، إدمان الكمبيوتر، كل هذا بفعل هذه المادة، ويزداد إفرازها، والإفراز الزائد يؤدي إلى الشعور بالراحة واللذة لذا يتمادى الإنسان في إدمانه.
فالثوابت العلمية واضحة، تأثيرها على كيمياء الدماغ، تأثيرها على النفس، تأثيرها على أعضاء الجسد، التواء الظهر، اعوجاج العمود الفقري أصبح مشكلة كبيرة جدا تواجه الشباب الذين يجلسون أمام الكمبيوتر لساعات طويلة، الفراغ الذهني كما ذكرنا، مشاكل البصر، مشاكل غير محدودة، كثيرة جدا.
فأنت -الحمد لله تعالى- الآن تواصلت معنا، ويجب أن تأخذ بهذه النصائح وتأخذ الأمر بجدية، وسوف تتعالج -من وجهة نظري- تماما، ما هي البدائل حين تقف عن التعاطي مع الكمبيوتر لمدة شهر؟ بعد انقضاء الشهر يمكن أن ترجع إلى الكمبيوتر وتتعامل معه لمدة لا تزيد عن نصف ساعة في الشهر الأول، ثم بعد ذلك اجعلها ساعة واحدة، ثم استعمل الكمبيوتر حسب الحاجة, هذا هو النمط العلمي الصحيح الذي سوف يفيدك.
البدائل الأخرى:
- اقطع هذا الانعزال بأن تذهب وتصلي الصلوات الخمس في المسجد، أنت في قرية صغيرة، وأهل القرية يعرفون بعضهم البعض، وهذه فرصة عظيمة لك بأن تذهب وتتفاعل مع المصلين.
- كون مع زملائك فريقا رياضيا صغيرا، لممارسة كرة القدم أو السلة مثلا، هذا أمر جيد جدا.
- حاول أن تذاكر دروسك مع مجموعة من الأصدقاء مرتين أو ثلاثة في الأسبوع.
- اجلس لمشاهدة بعض البرامج المفيدة في التلفزيون.
- إذا كانت هنالك حلقات لتلاوة القرآن اذهب وانضم لهذه الحلقات.
- ساعد في أعمال المنزل.
- ابحث عن كل طريق يوصلك إلى بر والديك، فهذا يؤدي إلى بناء نفسي صحيح، يطور مهاراتك، ويفيدك فائدة كبيرة جدا.
ومن جانبي أسأل الله لك التوفيق والسداد، وليس هنالك ما يبكيك أو يحزنك، اتبع ما ذكرناه لك من إرشاد، وسوف تجد -إن شاء الله تعالى- أنك على خير وفي خير.