أختي ستتركني وتدخل الجامعة وسأكون بلا رفيق، فما مشورتكم؟

0 172

السؤال

لا أعرف ماذا أعمل؟ أعيش في عمان وكل إخوتي في مصر إلا أخي وأختي، وأختي الآن ستدخل الجامعة في مصر وتتركني، أحيانا أفكر وأقول – أحسن – لكنه كلام ليس من قلبي لأني أحبها، وهي أختي المفضلة، ودائما نتكلم مع بعض، وقلبها طيب، وتعاملني بحب، ساعدوني فأنا منهارة!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م ن ة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يجمعك بأهلك على خير، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إنه مما لا شك فيه أن إقامة الإنسان بين أهله من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى، خاصة بين الوالدين والأخوة والأخوات، إذا كانت الحياة بينهما مطمئنة مستقرة ويسود التفاهم والوئام جو هذه الأسرة، فالإنسان يشعر فعلا بنوع من الدفء العاطفي، ونوع من الأمن والأمان والاستقرار الداخلي، إذا كان بين أهله وأحب الناس إلى قلبه، ولكن إذا حدث أن تمزقت الأسرة كما هو حال كثير من الأسر العربية والإسلامية اليوم، وذلك نتيجة الهجرة التي فرضت نفسها وألقت بظلالها على كثير من الأسر العربية والإسلامية، فمنهم من هاجر إلى بلاد أوروبا أو بلاد أمريكا أو بلاد الشرق أو الغرب، وترك جزءا عزيزا عليه في وطنه قد يكون أقرب الناس إليه كالوالدين مثلا، والأخوة والأخوات كذلك، ومنهم من هاجر أيضا بحثا عن لقمة العيش الكريمة في بلاد الخليج، وذلك أيضا طمعا في الاستقرار الاقتصادي الذي بالتالي يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي والأسري والأدبي، إلا أن هذه الهجرة لها ثمنها الباهظ التي تدفعه هذه الأسر التي هاجر بعض أطرافها أو أعضائها إلى الشرق أو الغرب، فنجد أن العلاقة تتعرض لنوع من الانهيار والتمزق، فنجد أبا يعيش بعيدا عن أبنائه، وزوجا يعيش بعيدا عن زوجه، وابنا يعيش بعيدا عن والديه، وأخا يعيش بعيدا عن إخوانه، وهذا بالتالي يجعل الأطراف كلها تعاني معاناة ليست بالهينة حقا، خاصة إذا فقد هذا المهاجر أحب الناس إلى قلبه ولم يتمكن حتى من مجرد تشييع جنازته إلى قبره، فيكون الثمن باهظا وتكون التكاليف فادحة.

ولكن هذه هي ظروف الهجرة، وظروف ترك الأوطان، والسعي والضرب في الأرض، وهذه سنة الله الماضية، ومن هنا فإني أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إنك الآن قطعا تعيشين في عمان لهدف أو لغاية، فقد تكونين زوجة لرجل يعمل في هذه البلاد، وقد تكونين موظفة بها أيضا، وقد يكون بها أبناؤك، وقطعا لابد فيها من مصلحة مهمة بالنسبة لك، وإخوانك قد ذهبوا إلى مصر على اعتبار أن ظروف الدراسة أو الإقامة أو أنهم من مصر أصلا، وأنه لابد من هذا الطير المهاجر أن يعود إلى عشه يوما ما، وتسألين ماذا تفعلين؟

أقول لك: لابد من أخذ قرار مكلف، ولا ينبغي أن يظل الإنسان في مرحلة انعدام الوزن هذه، لأن هذا سيلقي أيضا بآثاره المدمرة على الجانب العاطفي والنفسي وعلى الجهاز العصبي، وبالتالي سندخل في دوامة أمراض وعلل لا يعلم بنهايتها وبمقدارها إلا الله جل جلاله.

ومن هنا فإني أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: لابد أن ندرس الواقع الذي نحن فيه بنوع من الروية والتأني والحكمة والتعقل، هل هناك مصلحة من وجودك في عمان تقتضي أن تكوني بعيدة عن أهلك وإخوانك وأخواتك؟ الجواب أنت تعرفينه، فإذا كانت هناك مصلحة كأن تكوني زوجة وكأن تكوني أما، وظروف زوجك تقتضي أن يكون بعيدا عن وطنه فمصلحتك الآن أن تكوني مع زوجك وأبنائك، وتتواصلين مع إخوانك وأخواتك عبر الوسائل الممكنة، وهذا ولله الحمد والمنة أصبح سهلا ميسورا، فأنت بمقدورك الآن أن تتحدثي ساعات طوال مع أهلك عبر الإنترنت بلا مقابل، بل قد تكونين معهم بالصوت والصورة كما لو كنتم في غرفة واحدة، فالأمر أصبح الآن سهلا ميسورا، وأمامكم يقينا الأجازات السنوية الطويلة نوعا ما، من الممكن أن يحدث هناك نوع من التواصل، لأن مصلحتك الآن شرعا وعرفا أن تكوني مع زوجك وأبنائك.

أما إذا لم تكن هناك مصلحة راجحة كأن تكوني زوجة وأما، أو لم تكوني موظفة في عمل أنت في حاجة إليه، فأنا أقترح أن تعودي إلى وطنك للعيش مع إخوانك وأخواتك وتعيشين مع والديك، لأن الغربة مع طول أمدها واستمرارها تؤدي إلى نوع من الجفاف العاطفي – صدقا – فأنت الآن تتفجرين عاطفة ومحبة لأختك، ولكن صدقيني هذا لن يستمر طويلا، لأنه كما يقولون: (إن البعيد عن العين بعيد عن القلب) مع مرور فترة طويلة من الزمن على هذا البعد يحدث هناك نوع من الجفاف العاطفي الطبيعي والتلقائي، فتشعرين بأن هذه العاطفة بدأت تنضب وأن معينها بدأ يجف، وأنها في طريقها إلى أن تكون شكلية أو صورية فقط، وهذا نقوله من واقع أعيشه ويعيش كل من معي من الأخوة المسلمين والعرب الذين هاجروا إلى هذه البلاد الطيبة وعاشوا فيها بين أهليهم وإخوانهم في تلك البلاد، إلا أنهم بدأت فعلا تظهر لديهم بوادر الجفاف العاطفي، سواء من جهتهم أو من جهة إخوانهم الذين يعيشون في أوطانهم الأصلية.

فأنا أقول: انظري بارك الله فيك في مصلحتك، ولابد أن تتأقلمي مع الظروف التي أنت بها، وأن تعلمي أن دوام الحال من المحال، وأن الذي حدث إنما هو شيء طبيعي جدا، وأنك لست وحدك في هذا الأمر، وإنما كل من يقيمون معك سواء أكانوا في دولة عمان أو غيرها من دول الخليج أو غيره يعانون كما تعانين، ولكنهم يستسلمون للأمر الواقع لما يعلمونه من الآثار المترتبة على هذا الأمر من استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي، وأحيانا الأدبي والأخلاقي والديني.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات