السؤال
أهلي لا يعرفون معنى التحاور، حتى مع أنفسهم، فهم يعطون الأوامر فقط، وأيضا يعطون العقاب والذم، فلا يوجد هناك تحاور ولا ثواب وشكر، وألاحظ أني وإخوتي أخذنا نفس الطبع، فكل منا في اتجاه، ولا يحاول أن يقنع الآخر، أو يحاول أن يفهمه ماذا يفعل! وهذا يجعلنا أحيانا كثيرة لا نفهم بعضنا، وهذا ما جعلني منطوية إلى حد ما، فأنا أتحدث مع أصدقائي ولا أتحدث مع أهلي، رغم أنه من المفروض أن يكون العكس، لأن الأهل يخافون علي ويحبونني ويعرفون مصلحتي أكثر من الصديق, فأنا أحس أنهم لن يفهموني، ولن يحاولوا أن يتحاوروا معي، فلن آخذ سوى الاستهزاء أو الذم، ولكني قررت أن أحاول أن أغيرهم لما هو أفضل، وأن أجعلهم يتحاورون معي في أي موضوع لدي قبل أن يستهزؤوا أو يذموا, وأحسست بتحسن منهم ولكنه قليل، وأحيانا يرجعون كما كانوا، (فالطبع غلاب) فأتمنى أن يتغيروا تماما، وأنا معهم لأني أخاف أن أغلط نفس الخطأ مع أولادي، في المستقبل، وهذا الموضوع جعلني سريعة الحكم على الناس، مما أبعد أشخاصا كثيرين عني بسبب حكمي عليهم من أول موقف، فأنا أريد أن أغير هذه العادة السيئة.
أريد أن أعرف أفضل طريقة للتعامل مع أهلي وتغييرهم للأفضل، وأنا أيضا أحاول أن أغير نفسي وأخشى أن يصدر من أهلي قول أو فعل يجعلني أكتئب ويجعلني أدخل حجرتي مرة أخرى، فأنا أريد أن أكون إيجابية، ولكن كل منا يحتاج إلى تشجيع ومساندة أقرب الناس له، فإذا كانوا هم لا يعترفون بي أو بأفكاري فكيف سوف أقتنع أنا بنفسي وأثق بها؟! وكيف يقتنع الناس بي ويثقون فيما أقول؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بسمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا أن نرحب بك في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن ييسرك أمرك، وأن يشرح صدرك وأن يعينك على تغيير أنماط السلوك لديك ولدى أسرتك، وأن يوفقك لإكسابهم تلك المهارة المتميزة ألا وهي مهارة التشاور والإقناع والمناقشة والاستماع للطرف الآخر بأدب وإنصاف.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه مما لا يخفى عليك أختي الفاضلة أن المجتمع العربي تعرض لنكبات في مجال التربية ومآس لا تحمد عقباها، وكأن أعداء الإسلام نظروا في هذه الأمور التي تجعل الأمة رائدة راشدة قائدة، فحاولوا أن يسلبوها تلك الميزة حتى تصبح إمعة وذنبا وتابعا، وهذا ما يحدث الآن مع الأسف الشديد لبلداننا الإسلامية على وجه الخصوص.
وحينما حاولت الشعوب أن تثور على هذه الأنظمة ما كان منها كما لا يخفى عليك إلا تلك الأنهار من الدماء، وجبال الأشلاء التي تنتشر شرقا وغربا، لأن هذه النفوس التي حكمت البلدان العربية ربيت تربية خاصة على أنها تئد كل محاولات النقاش والتشاور، وأصبح يصدق فيها قول فرعون: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} ويصدق عليهم ما قاله فرعون لموسى عليه السلام: {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}.
فالمصيبة ليست الأسر فحسب، وإنما مصيبة الأمة برمتها، وحتى يتم تغيير هذا الواقع المأساوي نحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة، وإلى إمكانات ليست بالهينة، وإلى أنفس جبارة وواثبة تتحمل هذه التحديات، وتصمد أمام موجات العنف والاستهزاء والسخرية التي ستصب عليها إن لم يكن أكبر من ذلك، وأنت في هذه الأسرة الصغيرة جزء من هذه المنظومة الكبيرة تعانين من انعدام الحوار داخل الأسرة، وهذا إنما هو إرث تأريخي قديم ورثته أسرتك والأسر التي تعيش حولها، ولكن بنسب متفاوتة.
وحتى تغيري هذا الواقع تحتاجين إلى قدر من العلم الذي به تستطيعين أن تغيري هذا الواقع، فأنت أختي الفاضلة تريدين أن تغيري هذا الواقع وأنت جزء منه في الغالب، ولكن كل الذي لديك إنما هي رغبة في التغيير، هناك وسائل للتغيير، وهناك علوم لا بد أن تكتسبيها، وهناك معارف لا بد أن تتطلعي عليها، كيفية التغيير وآلية التغيير ومنهجية التغيير هذه كلها تدرس في كثير من بلدان العالم.
أريدك أن تقرئي كما كبيرا من وسائل التغيير، وكيفيته وآليته، لأنه لا يكفي فقط مجرد الرغبة في التغيير، وإنما مع الرغبة لابد أن تكون هناك خطوات مدروسة، وأسس يتم التغيير بمقتضاها حتى يشعر الناس أنهم قد تغيروا للأفضل، لأن الرغبة في التغيير تحقق بعض الفوائد، لكنها لا تحقق الهدف المنشود.
فإذن أنصحك أولا: بضرورة الاطلاع على قواعد التغيير وضوابطه، وهذه - ولله الحمد والمنة - متوفرة عبر الانترنت، تستطيعين أن تكتبي هذا في أي موقع بحثى، وستجدين كما هائلا من المعلومات والطرق والوسائل التي ستساعدك على عملية التغيير.
ثانيا: لا مانع من قراءة بعض الكتب المهمة، وأنصحك بكتاب (تعلم التفاؤل) وهذا كتاب من إصدارات مكتبة جرير، ومن إصدارتها أيضا كتاب بعنوان (من يشد خيوطك) وكتاب بعنوان (اعتن بحياتك) وهناك كتاب بعنوان (فن الحوار والإقناع) أتمنى - بارك فيك - أن تطلعي على هذه الكتب، وأعتقد أن مكتبة جرير لديها فروع متعددة في مصر، أو هذه الكتب قد توجد بذاتها، وأيضا كتب الدكتور إبراهيم الفقي ككتاب (الوسائل العشرون لعملية التغيير أو للنجاح) أو غيرها من الكتب التي تتحدث على التنمية البشرية، أقول هذه ضرورة بجوار الرغبة التي أمامك لا بد من وجود آلية وقواعد علمية أصلية من خلالها تنطلقين لعملية التغيير.
الأمر الثالث: أن تعلمي أن قضية التغيير ليست بالقضية السهلة، فهي ليست ثوبا لبسته صباحا وأخلعه مساء، وليست طريقا صار باتجاه معين لمدة عشرين عاما، من الممكن أن يتم تغييره، إن عملية تغيير النفس البشرية من أشد أنواع التغيير، ومن أصعبها حقيقة، ولذلك عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يغير سلوك الناس الذين انحرفوا وانحرفت بهم الفطرة عن الهدي الرباني أرسل لهم عظماء الخلق، وسادة بني آدم لعملية التغيير كالأنبياء والرسل، ورغم ذلك لم يستطع بعض الأنبياء أن يحققوا نجاحا يذكر في مجال التغيير، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي معه الرهط، ويأتي النبي ولا أحد معه).
فتصوري ذلك، ولتعلمي أن عملية التغيير ليست بالأمر الهين، فعليك بالصبر الجميل، وأن تبدئي أنت بعملية التغيير في داخلك، وتكتسبي مهارة التغيير في خاصة نفسك، ثم تبدئين بقراءة الكتب التي تعينك على تطبيق آلية التغيير، وعليك بالصبر الجميل، والدعاء والتوجه إلى الله بإلحاح أن يعينك الله في هذه المهمة الفاضلة.
والله الموفق.