السؤال
أنا أم متعلمة، لدي ثلاث بنات وولدان، أعاني مع ابنتي الكبرى وعمرها (23) سنة، والمفترض أنها في الجامعة، ولكنها الآن في المنزل، لا تدرس منذ سنتين، وليست هذه مشكلتي، فأنا أعاني من شخصيتها التي لا أستطيع التعايش معها، ليس أنا فقط، بل كل من حولها، حتى والدها الذي أراه هادئا وبارد الأعصاب، يعاني من هذا الموضوع، أفكر في أمرها في كل لحظة، أتساءل كيف سيكون مستقبلها وهي بهذه الطباع؟
ابنتي - يا سيدي - هي الكبرى، وهي هادئة منذ صغرها، لم تتعرض لأي ضغوط، فمدرستها خاصة، ولقيت فيها كل الاهتمام، كان يضايقني وهي صغيرة أنها شديدة التعلق بممتلكاتها، ولازال فيها هذا الطبع للآن، ولكن لم أتوقع أن تصبح شخصيتها على ما هي عليه الآن، تفكيرها وردود أفعالها تجاه الآخرين غريبة، ولا تتناسب مع سنها، هي مترددة جدا، أشعر أنها تفكر كثيرا في أشياء تافهة تخص الآخرين، وهذه أكبر مشكلة أراها في شخصيتها، فمثلا أحادثها في موضوع معين وينتهي الحديث، تأتي بعد ساعة فتستطرد، وغالبا ما يكون الموضوع بسيطا ولا يستحق، وتميل دائما لتحليل الموضوع وتستنتج أشياء لم تخطر على بالي، وربما أعادت الحديث في نفس الموضوع بعد مضي أيام أو ساعات، حتى أنني أمل منها وأعنفها وأدعوها للتفكير فيما يعود عليها بالنفع، ولكن عبثا، فهي تشغل بالها بمن حولها وتتشكك كثيرا بتصرفاتهم.
أنا أشفق عليها من كل هذه الأفكار، وأحس أنها تشعر بالنقص، فإخوتها يتجنبون الحديث معها لحساسيتها العالية وكثرة مجادلتها في أمور بسيطة، وقد حاولنا بشتى الطرق إقناعها بالعرض على طبيب نفسي، ولكنها ترفض تماما، وتعتبر ذلك انتقاصا منها، وقد ذهبت أنا مع أختي وابنتي الأخرى لطبيب وشرحت له حالتها وسأل الجميع عن كل شيء، ولكن في النهاية لم أستفد شيئا، فقد كتب لنا أدوية للقلق لم تتناولها، وطلب إقناعها بالمجيء لتحديد حالتها، فلم أستطع إقناعها.
أنا أتألم كل لحظة بسبب ذلك، أريد مشورتك، جعلها الله في موازين حسناتك، وأثابك عنا كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى رسالتك المفصلة حول طباع ابنتك التي أسأل الله تعالى لها العافية والهداية.
الذي أستطيع أن أستنبطه من خلال رسالتك أن ابنتك لا تعاني من علة نفسية شديدة، ومن حيث المقدرات المعرفية ووضعها العقلي أعتقد أنها سليمة تماما، كل الذي بها من ترددات، ومن بحث في التفاصيل، ومن حب للتملك – إذا جاز التعبير – هذه هي السمات الوسواسية التي تميز الشخصية الوسواسية، وكثيرا ما يحدث لهم شيء من الإحباط، وهذا يؤدي إلى شعور بالكدر وعسر في المزاج، وينتج عنه عدم المقدرة على التطبع بما هو مقبول في المجتمع، حتى على نطاق الأسرة، نحن نقول إن الذي يحمل السمات الوسواسية تجده دائما يتعب نفسه ويتعب من حوله.
هذه الحالات أيتها الفاضلة الكريمة أصبحت الآن في متناول العلاج تماما، وهذه الفتاة – حفظها الله – يشرح لها بصورة مبسطة أن حالتها بسيطة، وهي نوع من الوسواس القهري المرتبط بشخصيتها أكثر من أنه متلازمة مرضية، وأنتم مطالبون بأشياء أساسية، أن تركزوا على إيجابياتها، وأن يكون هنالك نوع من التحفيز والإثابة لتوطيد وتعضيد وتطوير هذه الإيجابيات، هذا أولا.
ثانيا: أشركوها في قرارات الأسرة، هي الكبرى، ويجب أن تعامل كذلك، أنا أعرف أنك لا تقصرين - أيتها الفاضلة الكريمة - في هذا الجانب، لكنها تحتاج لعناية خاصة في هذا المجال، يجب أن لا نهمشها مطلقا.
ثالثا: العلاج الدوائي، فهنالك أدوية ممتازة، الأدوية المضادة للوساوس تساعد هؤلاء الناس تماما، عقار بروزاك، عقار فافرين، هي أدوية سليمة وليس لها آثار سلبية، ولا تؤثر على الهرمونات النسائية بالنسبة للبنات.
أعتقد أن الذهاب للطبيب مرة أخرى وطرح هذه الأفكار عليه ربما يساعد لإقناعها بتناول الدواء، وإن شئتم أن تتحصلوا على أحد هذه الأدوية فهي أدوية بسيطة جدا ولا تحتاج لوصفة طبية، فيمكن أن تحاولوا هذا، اذهبوا إلى الصيدلي واطلبوا مثلا عقار بروزاك، والذي يعرف علميا باسم (فلوكستين) والجرعة العلاجية هي أن تبدأ بكبسولة واحدة، وقوة الكبسولة هي (20) مليجراما، تستمر عليها لمدة شهر، يفضل تناول هذا الدواء بعد الأكل، وبعد انقضاء الشهر ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، تتناولها لمدة أربعة أشهر، بعدها تخفض إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء، والدواء - كما ذكرت لك - فاعل وسليم.
هذه الفتاة أيضا أعتقد أنها إذا طبقت تمارين الاسترخاء سوف تفيدها، ولتعلم هذه التمارين يمكن أن يكون هذا من خلال الأخصائية النفسية، أو أن تتصفح أحد المواقع على الإنترنت، أو تتحصل على كتيب أو شريط يوضح تلك التمارين.
يجب أن نعلمها أيضا كيف تدير وقتها، بشرط أن لا نشعرها أننا نعمل بصفة موجه لها، فدائما أصحاب السمات الوسواسية تجد أن التردد وتشريح الأشياء البسيطة وتحليلها بصورة مملة جدا كثيرا ما يعوقهم عن إدارة وقتهم، وهذا يجعلهم يحسون أكثر بالإحباط من دون أن يعلنوا ذلك للناس، ولكن العين الخبيرة التي تلاحظ تستطيع أن تقول إن هذا الشخص لديه فعلا مشكلة في صحته النفسية، كذلك علموها الاستخارة في الأمور، فالاستخارة تقلل من درجة التردد والتحفز السلبي لدى الإنسان.
بارك الله فيك أختي الكريمة، وأتمنى من الله تعالى أن ينفعكم بما ذكرته، وأن يعافيها ويشفيها ويحفظها، وبالله التوفيق والسداد.