النفاق والكبر وكثرة الوساوس الدينية، كيف أتخلص منها؟

0 505

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله تبت قبل عدة أسابيع، ومن بعد أن تبت إلى الآن تأتيني وساوس كثيرة جدا وتتعبني، وللأسف أتوقع بأن بعضها أخرجني من الإسلام، لأنها وساوس وسوء ظن بالله، لا أعلم كيف أفكر فيها، إنما كل ما أقرأ عن الله تأتيني هذه الأفكار فجأة بدون أن أفكر فيها، وأحاول أن أبعدها من تفكيري ولا أعطيها اهتماما، فهـل علي ذنب بها؟ علما أن الوساوس خطيرة جدا، وأسأل الله أن يبعدني عنها ويهديني ويصلحني.

وأيضا لدي خوف من النفاق، لا أعلم لماذا؟ لكني أشعر بأنني منافق، مع العلم أني محافظ على ديني سواء أمام الناس أم لا، -الحمد لله- أنا أصلي كامل الصلوات، وأذكر الله، ولكن مع كل هذا يبقى لدي شك بأني منافق، فكيف أبعد هذه الشكوك؟

والمشكلة الأكبر بين هذه هي الكبر، أخاف أن أكون متكبرا وينطلق علي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فأنا خائف أشد الخوف من الحديث، وأخاف أن أقع في الكبر دون أن أشعر، فـكيف أبتعد عن التكبر وكيف أصبح متواضعا؟

أرجو الإجابة على الأسئلة الـثلاثة، وجزاكم الله خيرا، وغفر لكم ولي ولسائر المسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله تعالى لك العافية والشفاء من داء الوسوسة، وهو داء عظيم خطره، ومن ثم ينبغي لك أيها الحبيب أن تأخذ بجد بالأسباب التي تجنبك الاسترسال مع هذا الداء العضال، وأهم أدوية هذا الداء -أيها الحبيب- وأكثرها نفعا وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلاصة تجارب المجربين، خير علاج هو الإعراض عن هذه الوساوس كلية، وعدم الالتفات إليها، وشغل النفس عنها، وعدم الاسترسال معها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- شكا إليه الصحابة شيئا من هذه الوساوس، فقد كان الواحد منهم يجد في صدره منها الشيء العظيم، حتى إنهم أخبروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الواحد منهم لو خير بين أن يحرق حتى يصير حممة أو يتكلم بتلك الوسواس التي يجدها في صدره لاختار أن يحرق حتى يصير حممة، لعظيم بشاعة تلك الوساوس التي يحاول الشيطان أن يقذفها في صدر الواحد منهم، ومع هذا أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن كراهتهم لهذه الوساوس ونفورهم منها هو صريح الإيمان، ودليل على أنهم يحملون في قلوبهم إيمانا عظيما.

والشيطان لا يوسوس أيها الحبيب إلا إذا وجد في القلب إيمانا فيسعى حينئذ إلى إفساده وإبطاله بقدر استطاعته، فلا تقلق إذن ولا تهتم بهذه الوساوس ولا تعرها اهتماما ولا تلتفت إليها، واعمل بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (فليستعذ بالله ولينته) فاستعذ بالله، واطلب من الله تعالى الحماية والصون، وأعرض عنها، وانته عنها، وحاول أن تشغل نفسك بغيرها، وإذا أخذت بجد بهذه الوسيلة فإنك -بإذن الله تعالى- ستتخلص من هذا الداء الذي تعاني منه، نسأل الله تعالى أن يجنبك كل مكروه.

ولا تأبه أبدا بعواقب هذه الوساوس، فأنت على الإيمان -بإذن الله تعالى- ولا يضرك في عقيدتك شيء، وكراهتك لها دليل على إيمانك، نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الإيمان حتى نلقاه.

وأما السؤال الثاني: فالخوف من النفاق -أيها الحبيب-، هناك قدر مشروع ينبغي للإنسان أن يكون متسما به متصفا به، فالخوف من النفاق سلوك الصالحين من قبلنا، فقد خافه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولكن هذا الخوف هو الخوف المحمود، الخوف الذي يبعث على العمل وإتقانه وإحسانه وإخلاص النية لله تعالى، ودوام المحاسبة للنفس والمراقبة لأعمالها، فإذا كان الخوف يدفع إلى هذه المقاصد الحسنة فهو خوف مطلوب محمود، وثمرته ثمرة طيبة، أما إذا زاد الخوف عن هذا الحد، بحيث وصل بك إلى اليأس من رحمة الله تعالى أو القنوط من فضله -سبحانه وتعالى- أو التكاسل والتباطؤ عن العمل فهذا ليس هو الخوف الذي يريده الله، إنما هذا من تسويل الشيطان وتزيينه.

علينا -أخي الكريم- أن نحسن بالله تعالى الظن، فإننا ضعاف لا نقدر على كل ما يريده الله -عز وجل- ويحبه، ولكننا حسبنا أن نفعل من الطاعات ما أمرنا وكلفنا به ونستكثر بعد ذلك من المستحبات بقدر استطاعتنا، ونحاول أن نخلص النية لله تعالى في أعمالنا، ونحاول كذلك أن نتعلم شرع الله تعالى لنؤدي هذه الأعمال على الكيفية التي شرعها، وبإخلاصنا ومتابعتنا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، واستكثارنا من العمل، سنصل -بإذن الله تعالى- إلى رضوان الله، فإذا عمل الواحد منا هذا العمل ينبغي له أن يحسن الظن بالله وأنه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يظلم ربك أحدا، وأنه لا يظلم مثقال ذرة، وأنه يتجاوز عن الإنسان كثيرا من السيئات ويمحوها ويثبت له الحسنات ويضاعفها.

وبهذا وهذا -أي بإحسان الظن بالله تعالى والخوف الباعث على العمل وإتقانه وإحسانه- يسير المؤمن إلى الله تعالى، فالخوف والرجاء جناحان لهذا المؤمن في سيره إلى الله تعالى، إذا فرط في أحدهما اختل سيره، فلا تقلق أبدا من خوفك من النفاق، ولكن لا تسمح للشيطان بأن يتجاوز بك الحدود المطلوبة في هذا الخوف، وذكر نفسك دائما بسعة رحمة الله تعالى وعفوه وعظيم فضله، وستجد آيات القرآن وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيرة تحدثك عن هذا الجانب في صفات الله.

أما السؤال الثالث وهو الخوف من الكبر: فالخوف من الكبر أيضا مطلوب ليداوم الإنسان مراقبة أخلاقه، فإن خلق الكبر مذموم، وقد ذكرت أنت في استشارتك هذا الحديث العظيم الذي فيه التخويف من الاتصاف بالكبر، ولكن الكبر أيها الحبيب معناه كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، يعني أن يتكبر الإنسان إذا نصح فلا يقبل النصيحة ويرد النصيحة على قائلها، فهذا كبر، عليه أن يتخلى منه ويتحلى بالتواضع فيقبل الحق ممن جاء به، وغمط الناس: أي ازدراء الناس واحتقارهم.

وعلاج هذا بأن يعلم الإنسان بأنه وجميع الناس من أصل واحد خلقوا من نفس واحدة، وأنه لا فضل لعربي على عجمي، وأن كل وسائل التفضيل التي في الدنيا أمور زائلة لا تدوم، فإذا عرف الإنسان هذه الحقيقة سهل عليه بعد ذلك أن يرفع عن نفسه ازدراء الناس أو احتقارهم.

نسأل الله أن يرزقنا وإياك أحسن الأخلاق، إنه على كل شيء قدير.

مواد ذات صلة

الاستشارات