السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابني يدرس هندسة طيران، ويرغب في تخصص التصميم، وأنتم تعلمون أن التصميم غير موجود في الوطن العربي، وهو يرغب فيه بشدة، وقال لي إن هناك فرصة في السودان، ولكن حسب معلوماتي البسيطة أنه يحتاج في التصميم لواحد أو ربما اثنين.
وسؤالي:
هل أشجعه على ما يريده أم أوجهه إلى ما يريد سوق العمل كالتخصص في المحركات؟
مع العلم أن العدد في تخصصه قليل، وفي التخصصات الثانية كثير، وابني ولله الحمد متفوق، ووالده يريده أن يدخل محركات.
من منظور شرعي أيهم أفضل لابني: التخصص النادر أم ما يتطلبه سوق العمل؟
ابني أكمل ثلاث سنوات في الكلية، وبقيت له سنتان تخصص (لا أدري إن كانت هذه المعلومات مفيدة أم لا في إجابتكم نحن من السودان).
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيك وفي أولادك، وأن يوفق ولدك لاتخاذ القرار المناسب واختيار التخصص المفيد والنافع له ولأمته.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: أولا ينبغي أن نعلم أن الله -جل جلاله- قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن هذه المسائل فرغ منها مولانا سبحانه وتعالى جل جلاله، وهي الواقع الذي يحكم العالم الآن كله، وقضية الأرزاق ليست من القضايا التي يتحكم فيها الإنسان بأي صورة من الصور، وإنما إذا أراد أن يغير منظومة الأرزاق فلا بد أن يتوجه إلى الرزاق -جل جلاله-.
وكون سوق العمل يريد شيئا أو لا يريده، قد يريد سوق العمل شيئا معينا ولكنه ليس مربحا، وقد يكون هناك تخصص في قمة الندرة ولكنه ليس مطلوبا فيعاني صاحبه من شظف العيش وقلة ذات اليد رغم ندرة التخصص الذي درسه أو تخصص فيه.. هذا كله وارد.
ولكن ينبغي علينا تربويا أن نراعي ميول أبنائنا؛ لأن هذه الميول هي التي سوف تدفع بهم إلى الأمام وتجعل منهم عباقرة متميزين في تلك المجالات التي يحبونها، ولا ينبغي لنا أن نتدخل في مستقبل أبنائنا إلا في صورة النصح والتوجيه والإرشاد فقط.
أما إذا كان الولد يميل بفطرته أو برغبته الخاصة إلى شيء معين ويرى بأنه سيبدع فيه، فأنا أرى أن ذلك أفضل؛ وذلك لأن الأسرة أحيانا قد تتدخل في تحديد تخصص معين، لأنها ترى أنه أكثر فائدة وأكثر نفعا وأنه أكبر دخلا، ولكن الولد قد يستجيب لرغبة والديه، إلا أنه لا يحب هذا التخصص ويظل يعاني منه معاناة ولا يقتنع به، رغم أنه يعمل فيه، وهذه عبارة عن نوع من العقوبة المؤدبة اللطيفة التي يدفع ثمنها من داخله وإن كان لا يبوح بذلك ظاهرا.
من هنا فإني أقول: لا مانع حقيقة من إلحاق ولدك بالتخصص الذي يريده، ومسألة أنهم يأخذون واحدا أو اثنين، فأعتقد أن هذه مسألة سهلة باعتبار أن الجامعة في السودان وأنتم من السودان، ومن السهل أن يدخل ولدك -إن شاء الله تعالى-، وأن يكون أحد المقبولين، أو على الأقل حاولوا معه هذه المحاولة لإثبات أنكم معه ولستم ضده، فإن أتيحت الفرصة بإقناعه بهذا التخصص فلعله أن يكون مبرزا ومتميزا فيه، ولعله يقدم فيه إنجازات جديدة لم يسبق إليها أحد، فيكون بذلك قد أعطى دفعة لهذا التخصص وحقق إنجازا في مجال نادر، لأن الأبناء إذا دخلوا مجالات دراسية يحبونها فقد يبدعون فيها، وقد لا يكون مجرد مهندس، لأن الغاية التي تريدونها منه أن يكون مهندس محركات، ولكن هذا التخصص بما أنه يحبه وأنه يعشقه وأنه مقتنع به، قد يكون فيه أستاذا جامعيا كبيرا، بل قد يسجل فيه أكثر من براءة اختراع بما أنه يحبه.
ولذا فإني أقول: توكلوا على الله، واتركوا الأمر لهذا الشاب المبارك، ما دمتم تثقون بأنه عبد صالح وأنه على طاعة مع الله تعالى، وأنه سيذهب إلى بلدكم، وقطعا البلد الأصلي لن يكون غريبا فيها كما يعيش في بلد آخر، نعم ستقولين بأنه قد ولد في قطر مثلا أو عاش شبابه فيها، ولكن يبقى أيضا أن الحنين إلى الأوطان جزء من مكونات الإنسان.
ولذا فإني أقول: رجاء أن ترفعي يدك أنت وزوجك بعد أن قدمتم النصيحة والمشورة، ولا مانع من تكرارها كمحاولة أخيرة، وبيان الفوائد في التخصص الذي يدرس فيه الآن، والتخصص الذي يرغب في دراسته، فإن أصر على ما هو عليه فحاولوا مساعدته في الالتحاق بهذا التخصص، لعله أن يكون مبرزا فيه، وهذا الذي حقيقة أميل إليه، لأن الإنسان إذا دخل تخصصا يحبه فإنه عادة سيكون فيه مبدعا، وكما ذكرت قد لا يكون شخصا تقليديا في هذا التخصص وإنما يكون إنسانا متميزا، وكم أناس دخلوا تخصصات أحبوها فأصبحوا من عمالقة العالم في هذا المجال؛ لأنهم يحبونها ويأنسون بها ويعطونها كل وقتهم وكل جهدهم وكل عقلهم.
فأرى أن تتوكلوا على الله بعد محاولة أخيرة لبيان الفارق ما بين الذي هو فيه والذي يرغب أن يكون فيه أو عليه، فإن أصر على ما هو عليه فتوكلوا على الله، وعليكم أن تؤيدونه بالدعاء وأن تقفوا وراءه بالثناء والمدح لإمكاناته وقدراته وأنه قادر على أن يحقق إنجازا، ومن الممكن تشترطون عليه إن دخل هذا التخصص أن يكون من المتميزين فيه، وأنكم لن تقبلوا أبدا نتيجة عادية، لأنه قد ضحى بشيء كان في يده خاصة وأنه قطع مسافة في الدراسة وبقيت له لعلها ساعات معدودة أو لعلها أيام قلائل ويتخرج ويصبح مهندسا كبيرا.
أسأل الله أن يبارك فيه، وأن يكثر من أمثاله، وأن يوفقه وإياكم لاتخاذ القرار الصائب الموفق، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.