السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أود أن أشكر إسلام ويب، والدكتور محمد عبد العليم لتخصيص هذا الفضاء النفسي الاستشاري لكل من يواجه مشكلة نفسية –شفانا الله جميعا- وأسأل المولى عز وجل أن يجعلها في ميزان حسناتكم.
أنا طالبة جامعية, أعاني من الإحباط والاكتئاب والتردد، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالدراسة، حيث أني أشعر بالخوف كلما اقتربت من كل ما له علاقة بدراستي.
الآن قد يئست من المحاولة، وكل من في المنزل يرى حالتي، فأصبحت أميل إلى الانطواء, قلة الكلام، وخاصة النوم والكسل وعدم المبالاة بكل ما يدور حولي، وصرت أبدي برودة قلب غير عادية، وعدم الرغبة بالاحتكاك بكل ما له علاقة بالدراسة، أو بعامل الوقت، وإذا ما نويت كتابة أي شيء فتراني أؤجل ذلك وأحتج بحجج كثيرة.
أظن أنني اعتدت على الكسل والأفكار السلبية، وأخاف كثيرا من التغيير في هذا الأمر.
هذه ليست المرة الأولى التي أمر بمثل هذه الحالة النفسية لكن هذه المرة الأعراض مختلفة، ففي المرات السابقة ( قرابة الست سنوات على فترات متقطعة) تمكنت من تخطي مخاوفي بالاستعانة بقراءة وتدبر القرءان، وكذلك بعض الأدوية المضادة للاكتئاب مثل زولفت، وخصوصا أني كنت أعاني من الخوف الشديد، التوتر وقلة الشهية، والأفكار السوداوية، لكنني تناولت هذه الأدوية لفترة قصيرة، وبعد ذلك تركتها دون استشارة طبية.
أنا جد يائسة! وأعلم أني عدت إلى نفس الحالة ولو اختلفت الأعراض, ولا أرغب بالعودة إلى تناول هذه الأدوية التي تشعرني بعجزي، وعدم مقدرتي على تخطي حالتي إلا باللجوء لها.
أرجوكم ساعدوني للخروج من هذه الحالة التي دامت أكثر من تسعة أشهر كاملة, فأنا خائفة كثيرا من أن الأوان قد فات.
أرشدوني لكي أخرج من هذه الحالة دون أي تدخل دوائي!
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بشرى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن حالتك تعالج أولا من خلال إعادة النظر في وضعك النفسي، بمعنى أن تقومي أنت بتقييم كامل لنفسك، وتنسي الماضي تماما، أو على الأقل الماضي، وما عانيت منه في السابق يجب أن لا يكون هو المحرك الأساسي لك في تقييمك الآن على نفسك، ولابد أن يكون هذا التقييم تقييما دقيقا، وبشيء من الحياد والموضوعية.
تقييم الذات هو أفضل وسيلة لأن يكتشف الإنسان مقدراته، بحيث لا يؤخذ الأمر المأخذ السطحي، انظري إلى ذاتك بعمق، ما هي مقدراتك الحقيقية؟ ما هي أوجه القصور الحقيقية؟ وبعد ذلك اعرفي أن التغيير هو مسئوليتك أنت مسئولية شخصية.
نحن دائما نقول في حالات الاضطرابات السلوكية والوجدانية وكثير من الحالات النفسية: أن المرض ليس مسئولية الإنسان، لكن العلاج والتغيير هي مسئوليتنا.
فقيمي نفسك، انظري إلى مصادر قوتك، وهي واضحة جدا: أولا أنت صغيرة جدا، بدايات الشباب، لديك أسرة، لديك طاقات نفسية، لديك طاقات جسدية، وعلى ضوء هذا تستطيعين أن تقيمي نفسك.
لا تجحفي في حق نفسك بأن تقللي من مقدراتك، ولا تعظميها حتى لا يكون هنالك النوع من خداع النفس، واعرفي مقدراتك الحقيقية، وبعد ذلك افهمي نفسك فهما صحيحا، وتذكري أن مسئولية التغيير عندك.
الآية القرآنية إذا وضعها الإنسان كشعار له من أجل التغيير سوف يتغير، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
اتبعي هذا المنهج، واعرفي تماما أنه لديك الطاقات المختبئة، الطاقات الكامنة المتجسدة في داخل نفسك، والطاقة التي أعنيها هي طاقة الفكر وطاقة المشاعر، طاقة الفكر هي التي تحرك الإنسان وتجعله يجدد المشاعر إذا كانت سالبة يجب أن أتجاهلها تماما وأحكم على نفسي بأفعالي وليس بمشاعري.
هذا يعني أن تكون لك نية التغير، أن تكون لك إرادة التغير، وبعد ذلك يجب أن تضعي برامج يومية تدير من خلالها وقتك بصورة صحيحة، وتلزمي نفسك الإلزام الصارم بتطبيق هذه البرامج اليومية.
اليوم يمكن أن يوزع إلى ثلاثة أجزاء: جزء للغرائز (الأكل، الشرب، النوم ... إلخ). والجزء الثاني للواجبات الاجتماعية، والواجبات الأكاديمية أو الوظيفية، وهنا يجب أن تعطيها حقها التام.
والجزء الثالث: هو للأمور الإبداعية، الإنسان الذي يريد أن يضيف، أن يطلع، أن يقرأ، أن تكون له هواية جيدة ومحترمة يطورها.
الوقت يدار من خلال هذه الأسس الثلاثة وليس أكثر من ذلك، ويجب أن لا نعطي أيا من هذه المكونات وقت على حساب الثاني، أن لا أتبع غرائزي وأعطيها وقتا أكثر مما تستحق، لأن هذا سوف يكون على حساب الواجبات أيا كانت، أو على حساب الإبداع والإضافات الجديدة.
ضعي هذا المنهج كمنهج أساسي، تحركي من خلاله، احكمي على نفسك بالأفعال، لا تحكمي عليها بالمشاعر، والأفعال دائما تقاس وتوزن في آخر اليوم، ما الذي قمت بإنجازه اليوم؟ وبعد ذلك تصححين مسارك، وفي حالتك حتى يكون الأمر ملزما.
أرجو أن تكتبي كيفية استغلال الوقت وتوزيع المهام في أثناء اليوم، وتكوني كالتاجر تحاسبين نفسك أين الربح وأين الخسارة، ويجب أن تكوني صارمة مع ذاتك.
هذه هي الطريقة المعروفة والطريقة الجيدة والطريقة التي تنجح مع كثير من الناس، وفي بداية الأمر يكون هناك شيء من التردد، لكن لا تساومي نفسك كثيرا، أصري وجدي واجتهدي.
هنالك أيضا أمور تساعد الإنسان لأن يضيف إلى صحته النفسية: المشاركة في الأعمال الاجتماعية، المشاركة في الأنشطة الثقافية، أعمال البر والإحسان، الذهاب إلى مراكز تحفيظ القرآن، التواصل الاجتماعي، وأخذ النماذج والقدوة الحسنة، هذا كله يحسن من دافعية الإنسان.
هذا هو الذي أرجو أن تنفذيه، وإن شاء الله تعالى تجدين أن الأمور قد تغيرت، ولن أقوم بوصف أي دواء لك، لأنك لديك تحفظات حول الأدوية، وإن كنت على قناعة تامة أن الأدوية تمثل أربعين إلى خمسين بالمائة مساهمة في علاج الاكتئاب النفسي والأعراض المصاحبة، لكن أيضا العلاج السلوكي له قيمته بشرط أن يكون هنالك نوع من الالتزام والتغيير المعرفي الإيجابي، هذا هو الأساس لنجاح العلاج السلوكي المعرفي.
ولمزيد الفائدة يراجع علاج الإحباط سلوكيا (234086 - 259784 - 264411 - 267822).
العلاج السلوكي للاكتئاب: (237889 - 241190 - 262031 - 265121).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.