السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أعرف من أين أبدأ، فأنا أحس بالضياع، والحمد لله الذي هداني إلى طريقه، ولولا فضله ما كنت من المهتدين. أرجو تفهم ما أقول، منذ عرفت حلاوة الإيمان بدأت أحس بالضياع، وأسأل الله أن يكون إحساسي هذا بداية الطريق إلى درب الصواب.
أتممت دراسة القانون والصحافة، وتزوجت منذ سنتين، وأنا من قبل كنت أعمل، ومنذ تزوجت تركت العمل وتفرغت لإتمام دراستي ولبيتي وزوجي. حياتي انقلبت من الضجة والحركة والنشاط المستمر الذي لا يعرف كللا ولا مللا إلى حالة من الركود، في البداية واجهت مشكلة مع تحمل أعباء الحياة المنزلية، وأحسست أني خادمة، ولكني وبفضل الله تعلمت الصبر - والله المستعان - كأن الجموح في داخلي روضته هاتان السنتان، لكن أنظر فأرى أني لم أنجز شيئا.
أرى الكون كله يدور وأنا في مكاني، في بيتي، لم أقدم شيئا لأمتي أو لنفسي، ولا أرى إلا وأنا أقارن نفسي بالنساء الناجحات، فأجد معظمهن أنانيات، سافرات، لا دين لهن ولا ضابط، ولكني أتشهي نجاحهن وأكره طريقهن، ولا أدري أين الصواب.
منذ بدأت أتفقه في أمور الدين بدأت أكره موضوع دراستي، لأني في إطار الحدود الشرعية من شبه المستحيل أن أجد وظيفه تلائم تخصصي في هذا البلد، وأيضا تكون ضمن الحدود الشرعية، غير أني لا أتقن شيئا آخر، وأحس بالضياع، وأحس أنني أفنيت سنين طوالا من عمري أجمع الهواء. أقبض يدي وأنظر فلا أرى شيئا، لا أرى أين ذاتي، أو كيف يمكن أن أحقق وأؤكد ذاتي، أحس بالفراغ، وإلى الآن لم أرزق بالأولاد، وأشعر كثيرا بالفراغ، وأفتقد الصحبة الصالحة هنا، ولا أدري أصلا أين أجدها، أريد أن أخرج للعمل ضمن المحظورات الاجتماعية لعائلة زوجي المحافظة والمحظورات الشرعية.
لا أدري أين يمكن أجد طريقي، فكرت أن أتعلم تخصصا جديدا فلم أهتد إلى ما يمكن أن أتعلمه، وحتى ظروفي المادية لا تسمح بتحمل أعباء القسط الجامعي الباهظ جدا هنا، وأيضا لا رأس مال لدي للبدء بمشروع صغير، ولا أرغب في أن أستدين، فالدين أرهقني من قبل، ولا أدري هل أعود لنفس الدوامة، وأصلا أنا لا أعرف شيئا عن المشاريع وإدارتها، لا أدري ماذا أفعل أو ما الحل؟
والله كأني لم أعد أعرف من أنا، وما هي قدراتي، وماذا أريد، الدرب إلى الإيمان أدمنني، أخرج بدون مكياج فأسمع ألف انتقاد وانتقاد وألف تجريح وتجريح وأولهم أهلي، وما أن أخرج بمكياج حتى ينهشني مشاعر الندم والرهبة من الله عز وجل، والله إني ضائعة، وأجد أني مرهقة، ونفسي ضعيفة لا تقوى على هذا المجتمع ولا حتى على نفسي.
باختصار: أريد ان أجد ذاتي، ولا أدري أين وكيف، أريد أن أتغير للأفضل ولا أدري كيف أقوي نفسي على نفسي، أريد أن أجد الطريق لأعمل وأقدم وأتقدم، وأيضا أساعد زوجي في أعباء الحياة، ولا أجد الطريق إلى عمل يتناسب قدراتي وشهادتي ويكون مباحا.
لا أستطيع أن أحدث أحدا بالصراع الذي بداخلي، لأني عندها سأصبح موضع سخرية من الناس وأولهم المقربون، فللأسف في محيطي تنعدم الثقافة الدينية، ورغم أنهم يصلون ويصومون إلا إنهم لا يفقهون من أمور دينهم إلا القليل، ولهذا عشت عمرا على ضلال، والآن كأن الهدى أشقاني بدل أن يسعدني، وأعتذر منكم ومن الله جل قدره أولا، وعسى أن يكون هذا الليل مقدمة لفجر جديد في حياتي، ولكن كيف أتجاوزه إلى نهار بهيج سعيد؟ وأي نهار بانتظاري؟ وأي الدروب أعدت لي؟
أرشدوني هداكم الله، ووفقني ووفقكم إلى ما يحب ويرضى.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق والصواب، وأن يبارك لك في نفسك وفي دينك وفي زوجك وفي حياتك، وأن يمن عليك بذرية صالحة طيبة مباركة، وأن يأخذ بيدك إلى الأمن والأمان والاستقرار.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإني بداية أقول لك: إني في غاية الإعجاب بهذا الأسلوب الراقي، هذا الأسلوب الأدبي المتميز الرفيع الرائع حقا، الذي قرأته مرات ومرات لأستمتع بتلك العقلية الطيبة التي أخرجت هذا العسل المصفى، فحياك الله وباركك الله ووفقك الله ورعاك الله وثبتك الله.
أما بخصوص مرحلة التيه والضياع التي ذكرتها، فإنه مما لا شك فيه أن انتقال الإنسان من حياة – كما ذكرت – كان فيها على ضلال، وبدأ يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وجد نفسه أمام جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، يريد أن يسلك السبيل الصواب إلى مرضاة رب الأرباب جل جلاله، فإنه قد يتعذر عليه ذلك بسهولة، خاصة وأنه لا رفيق ولا جليس ولا معين ولا بيئة تعين الإنسان على تقوى الله رب العالمين.
أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إن ما تعانين منه إنما هو فعلا - كما ذكرت – بداية لفجر جديد في حياتك، وسوف تتجاوزينه قريبا إلى النهار بإذن الله، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر وصبر جميل، فاصبري وأبشري.
أما عن مسألة الإنجاب: فأنت تعلمين أن الإنسان من الممكن أن يظل لعدة سنوات قبل أن يرزق بأولاد، فهناك نساء قد تظل المرأة في حياتها الزوجية لسنة أو سنتين أو ثلاث أو أكثر وهي لم ترزق بأولاد، لأن الله تبارك وتعالى سيتفضل عليها ويكرمها بعد ذلك بذرية طيبة مباركة، ومما لا أخفيه عليك أن أسعد لحظاتك الزوجية هذه اللحظات التي أنت فيها، فأنت الآن متفرغة لزوجك كليا، وتستطيعين أن تستمتعي به وأن يستمتع بك إلى أبعد حد، لأنه ما أن تأتي بدايات الحمل إلا وتتغير هذه الخريطة نهائيا، لأن أحوالك سوف تتغير وتتكيف مع القادم الجديد وضيف المستقبل والأمل المنتظر، وبذلك ستفقدين شهيتك لأنواع متعددة من الطعام وتحرمين النوم على الجانب أو الجهة التي كنت تستريحين لها، وستشعرين بنوع من المشقة في قرب زوجك لك، فأنت الآن في عصرك الذهبي – إن صح التعبير – .
فأنا أرى - بارك الله فيك - أن لا تشغلي بالك بذلك، وإنما ليس عليك أو على زوجك إلا الدعاء والتضرع إلى الله أن يكرمكم بذرية صالحة مباركة تكون عونا لكما على طاعة الله، وتقر بها أعينكم، وتكون سببا في نهضة هذه الأمة.
وأما عن مسألة الجانب العلمي والتيه، فكونك تقولين أنك الآن قاعدة في بيتك وبلا عمل ولم تقدمي أي خدمة للمجتمع وتشعرين بأنك أضعت عمرك. أقول: إنه مما شك فيه أن بعض التخصصات تتعذر الاستفادة منها.
بالنسبة للمرأة المسلمة، فدراسة القانون كما ذكرت الاستفادة منها بالنسبة للمرأة محفوفة بكم هائل من المخاطر، لأن القانون معناه المحاكم، والمحاكم معناه المحاماة، والمحاماة معناها أشياء كثيرة متعددة ومتنوعة، لأن هذه المهنة العظيمة الراقية قد شابتها شبهات كثيرة متعددة متنوعة، وأصبح أصحابها يعانون إما بشظف في العيش وقلة في ذات اليد، وإما انحرافا عن منهج الله تعالى والاستعانة بشهود الزور والوثائق المزورة، إلى غير ذلك إلا ما رحم الله.
ففعلا هذا التخصص مما لا شك فيه لا يتناسب مع المرأة المسلمة الصالحة التي تريد أن تحافظ على كيانها الأسري الصحيح وفق ضوابط الإسلام، وفي نفس الوقت تقدم خدمة لأمتها ومجتمعها، وكذلك الصحافة أيضا.
ومن هنا فإني أرى أنك في حاجة إلى اتخاذ قرار صعب، إلا أنه ليس مستحيلا، وهو البحث - كما ذكرت أنت - عن تخصص بديل يتناسب مع قدراتك وإمكاناتك كامرأة مسلمة تعيش في كنف رجل مسلم ومجتمع مسلم، وإن البداية قد تكون صعبة ولكنها ليست مستحيلة، فاستخيري الله تبارك وتعالى، واستشيري من حولك من أهلك من المقربين منك من أهل التخصص والخبرة عن التخصص الذي يتناسب مع إمكاناتك وقدراتك من حيث الوقت ومن حيث الصحة ومن حيث المال، إلى غير ذلك، لأن قضية الاختيار تخضع لعوامل متعددة، فلا بد من دراسة الاختيار في ظل الظروف الحالية التي تعيشينها من جميع الجهات والنواحي التي أشرت إليها.
ثم بعد ذلك ابدئي مستعينة بالله تعالى متوكلة على الله، وأفضل أن تتخيري تخصصا حتى وإن كان دون التخصص الأول، ولكنه يمكن تنفيذه، لأنه ما الذي سأستفيد منه إذا أصبحت أستاذا في القانون ولكن لن أستطيع أن أستفيد من هذه الشهادة، لو أنك كنت مثلا متخصصة في التربية أو متخصصة مثلا في أمور الأسرة، أو متخصصة في أي مجال من المجالات الأسرية التي تحتاجها المجتمعات المسلمة والراقية لاستطعت أن تقدمي خدمة من خلال وجودك في بيتك.
فأرى أن تبحثي عن تخصص يتناسب مع قدراتك ومع كونك امرأة مسلمة تلتزم الضوابط الشرعية ولا تسمح لنفسها أبدا أن تعمل على حساب دينها وعلى حساب قيمها أو مبادئها.
ثم بعد ذلك استعيني بالله واصبري، ومن الممكن أن تكون هناك دراسة عن طريق المراسلة أو عن طريق الجامعات المفتوحة، أو عن طريق الإنترنت، فالأمر ليس صعبا ولا مستحيلا، لكنه يحتاج إلى همة طيبة وترتيب واتخاذ القرار.
أما كونك قاعدة البيت ولا تعملين وهناك نساء ناجحات، فإن هذه رؤيا غير صحيحة، فعمل المرأة في دواوين الحكومة واختلاطها ليس معناه النجاح، وإنما هو عين الفشل، لأنها أخذت مكانا كان لرجل كان من الممكن أن يؤسس لبنة مسلمة في صرح هذه الأمة، و لكنها عندما عملت في أعمال الرجال فوتت على الرجال العمل فتحولوا إلى عاطلين لا عمل لهم.
فعملهن هذا ليس نجاحا وإنما هو فقط تقليد للغرب، وتضييع للأسرة والحياة الزوجية المستقرة وإفساد لأخلاق المرأة وقيمها، وتضحية بالمسئولية الأولى وهي الأسرة والأطفال.
فعمل المرأة المسلمة اليوم خاصة في ظل الفساد الأخلاقي والاختلاط الغير منضبط ما هو إلا نوع من التمرد على الشرع وشيوع الفاحشة والرذيلة في مساحة ليست هينة في بلاد العالم الإسلامي.
والإسلام لم يمنع المرأة من العمل، ولكنه وضع لذلك قيودا وضوابط، حتى لا يكون العمل على حساب مؤسسة الأسرة التي هي اللبنة الأولي في صرح المجتمع المسلم.
وبخصوص الفراغ الذي عندك فأرى أن تقضي عليه بالاستفادة منه في طلب العلم الشرعي، وعلى أن تبدئي مثلا بوضع خطة لحفظ القرآن الكريم والذي هو من أجل القربات وأعظم الطاعات، وكذلك حفظ شيء من السنة النبوية، مع الاطلاع على شيء من كتب العقيدة والفقه، خاصة فقه الأسرة المسلمة، وبذلك - صدقيني - لم ولن تجدي لديك أي وقت فارغ مع هذا البرنامج، وستشعرين بسعادة غامرة وأنس وقرب بالملك جل جلاله سبحانه.
وأقترح أيضا المشاركة في بعض الجمعيات الخيرية خاصة في جانب النساء، ومن خلال هذه المشاركة سوف تفيدين المجتمع فوائد جمة، فاستعيني بالله وخذي بالأسباب الممكنة، وأبشري بفرج من لله قريب، واعلمي أن وسائل التعلم والتواصل الآن أصبحت أسهل من ذي قبل، فلا عذر لك ولا لغيرك من الذين لم يقدموا أي خدمة للإسلام والمسلمين.
وأوصيك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، واعلمي أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، واحرصي على ما ينفعك، هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).
وبالله التوفيق.