السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في البدء لكم جزيل الشكر على إتاحة الفرصة.
أنا شاب أبلغ من العمر 21 عاما، توفي والدي قبل 8 أشهر فجأة وأنا طالب أدرس خارج الوطن، قبل 20 يوما أصابني ألم وخوف فجأة، وبعدها أصبحت أخاف من الموت خوفا شديد جدا، لدرجة أنني أصبحت لا أنام وحدي، أصابتني هذه الحالة بعد اكتئاب من الدراسة وبعد ارتكابي ذنب.
أصبحت قلقا طوال الوقت، لدرجة أن جميع من حولي لاحظ علي هذا القلق، لا أفكر في شيء غير الموت، أصبحت بعيدا عن الواقع لا أفكر في المستقبل ولا أهتم بالحاضر.
لا أحس بطعم السعادة في حياتي، وكلما أضحك أو تمر علي لحظه سعادة أحس بأنها أخر ضحكه لي في هذه الدنيا، أصبحت أفسر كل ما يحدث حولي على أنها دلالة على قرب موتي، وأحيانا تأتيني أحلام مزعجه، أصبحت كلما أستذكر شيئا من الماضي أقول في نفسي أنا أحتضر.
إذا لماذا أنا أتذكر الماضي؟ أهملت دراستي، وحياتي لم أعد أهتم بشيء سوى التفكير في الموت.
كلما أقابل شخصا لم أقابله منذ فترة أو يتصل بي أحد من بلدي أظن أني سوف أموت.
بعد أسبوعين من الحالة بدأت أحس بآلام في الصدر، وأحيانا في الجهة اليسرى، وأحيانا في الكتف، ذهبت المستشفى، وأجريت كشوفات للصدر، وإيكو للقلب، أخبروني بأنني سليم -والحمد لله-، ولا توجد لدي أي مشكلة، وأعطوني مرهما ومسكن ألم، ولكن ما زلت أحس بهذا الألم في فترات متقطعة من اليوم وبعد الاستيقاظ من النوم.
هل فعلا يحس الإنسان بقرب موته قبل 40 يوما؟ وهل ما أحس به من آلام ممكن أن تكون عضوية أم هي لأسباب نفسية؟
وهل فعلا أن هناك شجرة عند الله -سبحانه وتعالى- عند سقوط ورقة منها دل ذلك على قرب موت صاحب الاسم المكتوب عليها، هل هناك في الدين ما يدل على صحة هذا الكلام، وهل يجوز الدعاء بطول العمر؟
جزاكم الله خيرا، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لوالدك، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجعله من أهل النعيم، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، كما نسأله -تبارك وتعالى- أن يعوضك خيرا، وأحسن الله عزاءك، وغفر الله لأبيك، وتجاوز عن سيئاتك وسيئاته.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- من أن والدك -رحمه الله تعالى- قد توفي منذ ثمانية أشهر تقريبا، وتدرس أنت خارج بلادك، ومن قبل عشرين يوما أصابك ألم وخوف فجأة بدون مقدمات، وبعدها أصبحت تخاف من الموت خوفا شديدا، لدرجة أنك أصبحت لا تنام وحدك، وأصابتك حالة اكتئاب شديدة، وطول الوقت وأنت تفكر في قضية الموت ولاحظ كل من معك القلق عليك، وترى أحلاما مزعجة، وحدثت عندك بعض الآلام العضوية، وبعد الكشف والتحليل تبين أنك لا تعاني من شيء عضوي، وتسأل تقول: هل فعلا يحس الإنسان بقرب موته قبل أربعين يوما؟
الواقع أن هذه المعلومة غير صحيحة مائة بالمائة، وأنه لا يمكن لأحد أبدا أن يعلم موعد موته، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} فإذن هذه مسألة لا أساس لها من الصحة، لا أنت ولا أحد من الناس يستطيع أن يعرف ذلك مطلقا، لأن هذا مما استأثر الله -تبارك وتعالى- بعلمه ولا يطلع عليه أحد من خلقه.
أما سؤالك عما تحس به من الآلام ممكن تكون عضوية أم لأسباب نفسية؟
أنا أرى أنك بما أنك قد أجريت الفحوصات، والتحاليل اللازمة، وتبين سلامتك عضويا، فهو مرض نفسي؛ لأن هذه الحالة من الاكتئاب والتوتر الذي عندك والقلق، هذه من الأمراض النفسية، ولذلك انعكست هذه النفسية المتألمة الآن والمتعبة التي أتعبتها أنت بالتفكير في فكرة الموت، انعكست هذه النفسية المتألمة على بدنك فأصبحت تتألم.
فهي مسألة نفسية، وبمجرد ذهاب هذه الحالة النفسية عنك سوف تكون في حالة جيدة -إن شاء الله تعالى-.
هل هناك شجرة عند الله -سبحانه وتعالى- عند سقوط ورقة منها دل على ذلك قرب موت صاحب الاسم المكتوب؟
حتى لو كانت هناك شجرة ما الذي يترتب على هذا الأمر؟
الإنسان أخي الكريم أسعد يموت في الوقت الذي حدده الله تعالى، سواء أكانت هناك شجرة فعلا -كما ذكرت- مكتوب على أوراقها أسماء الخلائق أم ليست موجودة، لأن هذه المسألة لم يرد فيها حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنا لا أستطيع أن أقول لك بأنها موجودة، لأننا لا نستطيع أن نتكلم عن الغيب إلا بدليل من كتاب الله تعالى أو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقرآن الكريم لم يحدثنا عن مثل هذه الشجرة، ولا نبيك المعصوم -صلى الله عليه وسلم- كلمنا في ذلك، ولذلك احتمال أن تكون موجودة أو لا تكون موجودة، ولكن لا علاقة لها بظروفك التي تتحدث عنها، لأن هذا الأمر لن يقدم ولن يؤخر، لأن هذه الورقة -لو فرضنا وجود هذه الشجرة- فإنها تسقط في الوقت الذي قدره الله تعالى، فإذن لا توجد هناك مشكلة، والشجرة لا علاقة لها بك ولا علاقة لها بي ولا بأحد أبدا، وإنما هي إذا كانت موجودة فهي خاضعة لقدرة الله وإرادته وحكمته -جل جلاله سبحانه-.
أما سؤالك: هل يجوز الدعاء بطول العمر؟ نعم، بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أثنى على من يفعل ذلك، فعليك أن تدعو لنفسك بطول العمر مع حسن العمل، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم من طال عمره وحسن عمله).
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله تبارك وتعالى العافية، وكان يقول (سلوا الله العافية) وكان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا كل يوم أن نقول: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي) إلى غير ذلك.
فإذن من حقك أن تدعو بطول العمر مع حسن العمل، وهذا جائز شرعا، واعلم -أخي الكريم بارك الله فيك- بأنك إن دعوت الله تعالى، وألححت في الدعاء فالله -تبارك وتعالى- قادر على أن يطيل عمرك فعلا إطالة حقيقية، لأن الله -تبارك وتعالى- أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة في أي أمر، ما دام مستوفيا لشروط الإجابة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، ولذلك من الممكن الدعاء مع الإلحاح على الله تعالى بأن يمن عليك بطول العمر مع حسن العمل، الله تبارك وتعالى يتفضل عليك فعلا بإطالة عمرك إطالة حقيقية، أو قد يبارك لك في عمرك فتنجز فيه إنجازات تساوي من عاش ضعف عمرك أو زاد عنه مرات ومرات ومرات.
ومما يزيد في العمر أيضا البر والإحسان وصلة الرحم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) وينسأ له في أثره أي يطال في عمره.
أسأل الله لك ييسر لك ما هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يصرف عنك هذا التوتر، وأتمنى أن تراجع أخصائي نفساني، وكم أتمنى أيضا كذلك أن تقوم بعمل رقية شرعية لنفسك لاحتمال أن تكون قد تعرضت لمس من الجن، لأن حالات المس عادة تكون عند الخوف الشديد، وعند الحزن الشديد، وعند الفرح الشديد، فلعلك تعرضت لاعتداء من الجن، فأنصحك بأن تقوم بعمل رقية شرعية لنفسك، أو أن يقوم بها أحد أقاربك أو المشايخ المتخصصين الثقات الذين يعالجون بعيدا عن الشبهات والخرافات.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مطالعة الاستشارات التالية حول علاج الخوف من الموت سلوكيا (261797 - 272262 - 278081).
أسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يوفقك في دراستك، وأن يعينك على استكمال مشوارك التعليمي حتى تتمكن من العيش الكريم في المستقبل.
هذا وبالله التوفيق.