السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,
قد أكون في المكان غير الصحيح لطلب المساعدة, لكني أحتاج المساعدة بشكل ضروري.
أنا طالب عمري 18 سنة, سافرت لأمريكا لأكمل دراستي, أنا من عائلة ثرية -الحمد لله-, أشعر أني غير قادر على الراحة في الحياة, وأحس أني غير واثق من نفسي, وأحس أني سلبي, وغير قادر على فهم نفسي, حتى عندما أخرج مع أصحابي أحس أني أجامل كثيرا, وليس لي رأي, وخائف, وأفكر كثيرا في نظرة الناس لي, وأنا لست اجتماعيا, وكنت أرى الناس الذين من طبقتي, ولا أرى من هم أقل مني, لكني –والحمد لله- تحسنت كثيرا, وأصبح هذا الشيء ماضيا, لكني لا أعرف نفسي, أحس أني ضعيف, رغم أني أصلي –والحمد لله-, ولي أحلام وطموح, لكني تعبت من هذا التفكير, حتى صرت لا أستطيع الدراسة جيدا في المعهد, ما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ تركي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إن هذا النوع من المشاعر المهتزة, والتي تشكك الإنسان في نفسه وفي مقدراته هي جزء من المرحلة التطورية التي تمر بها أنت الآن، ففي مثل عمرك هنالك الكثير من المتغيرات النفسية, والوجدانية, والعاطفية, والاجتماعية, والفسيولوجية, والهرمونية, التي تطرأ على الإنسان.
قد يتغلب جانب على آخر، مثلا: البعض تجد أن الجانب الفسيولوجي لديه يكون هو الأقوى، والبعض الآخر تجد أن الجانب النفسي -والذي يتمثل في القلق وعدم الاستقرار وتقلب الأفكار- قد يكون هو الأقوى في هذه المرحلة, لكن يعرف تماما أن هذه المراحل مراحل عابرة في حياة الإنسان، وعلى ضوء ذلك أنا أقول لك إن كل ما تشعر به -إن شاء الله- هو أمر مؤقت، لا تنزعج له أبدا، حاول أن تقلل من أهميته، وأن تضع لنفسك خططا عملية, وليست نظرية، أقصد بذلك: أن تكون لك برامج يومية تنتفع فيها بإدارة الوقت بصورة جيدة، تخصص وقتا لدراستك، وقتا للرياضة، ووقتا للراحة، ووقتا للعبادة، ووقتا للتواصل الاجتماعي، وهكذا, هذه سوف تفيدك كثيرا.
أما إذا تركت لنفسك الأمور دون تحديد لمهام وواجبات معينة, ومحاولة إنجازها, وتفرغت لتقبل الفراغ, والتفكير فيه, وما يترتب عليه, ويتبلور منه من أفكار متناقضة، أفكار تؤدي إلى ما نسميه باضطراب الأنية، الإنسان لا يعرف حدود نفسه, ولا حدود من حوله, ولا حدود العالم الذي حوله، لا يعرف أهدافه، يرى الحاضر بشيء من التوجس والتشكك، والماضي بظلامية، والمستقبل بفقدان الأمل والرجاء, هذا كثيرا ما ينتج عن الفراغ, وعدم استثمار الوقت، وأن يحكم الإنسان على نفسه بمشاعره, ويتجاهل تماما أفعاله، فالحكم من خلال الأفعال, والأداء, والإنجاز, هو الذي يفيد الإنسان كثيرا, أرجو أن تنتهج هذا المنهج.
شخصيتك ليست ضعيفة، يجب أن لا تحكم على نفسك سلبا، وأرجع مرة أخرى, وأقول لك: أنجز، افعل، خطط، وضع الآليات التي توصلك إلى ما تريد أن تصل إليه, هذه كلها -إن شاء الله تعالى- سوف تساعدك على الاستقرار النفسي, وتجاوز هذه المرحلة.
أنت -الحمد لله تعالى- شاب, وصاحب نعم, ومن أسرة ثرية، لك أشياء إيجابية جميلة جدا في حياتك، وظف هذا النوع من الفكر, واجعله يسيطر على كيانك، هذه أفضل وسيلة لاستبدال الأفكار السالبة, بأفكار إيجابية.
أنا سعيد أن أعرف أنك تصلي, وأنك -الحمد لله- ملتزم، ولك آمال، أنت أسميتها أحلاما، ونحن نقول إنها آمال وطموحات، وهذه جيدة جدا، ويجب أن تحسن الدافعية لديك.
أخلص مرة أخرى إلى أن هذه المرحلة مرحلة عابرة -إن شاء الله تعالى- ساعد نفسك من خلال إدارة وقتك بصورة فاعلة، واحكم على نفسك بأفعالك, وليس بمشاعرك، وأنصحك بأن تكون لك القدوة, والنموذج الطيب في الحياة, وذلك من خلال تطوير علاقاتك الاجتماعية, وأن تخالل الطيبين والصالحين, وأصحاب الأخلاق الرفيعة، وأرجو أن تعرف أنك أنت الآن في مهمة دراسية, والأهل في انتظارك، والإنسان لابد أن يسلح نفسه في هذا الزمان، وأفضل سلاح هو سلاح الدين والعلم، فكن حريصا على ذلك، وإن شاء الله تعالى لن تجد أبدا أي مجال أو فراغ لهذه التوجسات, لتسيطر عليك، هي مؤقتة وعابرة, وسوف تنتهي -إن شاء الله تعالى-، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه توجد نعمتان عظيمتان مغبون فيهما كثير من الناس (الصحة والفراغ) فاستثمر صحتك وفراغك في دراستك, والشيء النافع لك في دينك ودنياك، واغتنم خمسا قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.
بارك الله فيك, وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.