السؤال
السلام عليكم
أشكركم جزيل الشكر مقدما على النصح, وسرعة الاستجابة لأسئلتنا.
أنا كثيرا ما أفكر في والداي -برغم قسوتهم علي- ولكني لا أنسى أقل الأشياء الجميلة التي فعلوها لي ولإخوتي, وهم كبيران في السن الآن, وأبي لا يعمل حاليا, ويصرف على العائلة: إخواني الشباب وأخواتي البنات.
أنا تزوجت بعد عملي بمدة قصيرة لا تصل لسنتين, وأمي وأبي يفكرون بالمادة كثيرا, ويقدرون إخوتي على حسب ما يعطونهم ويصرفون, وأنا الآن سافرت لزوجي إلى دولة أجنبية, وأعيش معه بعيدا عنهم, ولا أعرف كيف أبرهم, أنا كثيرا ما أتصل بهم, وأسأل عن حالهم, ولكني لا أعمل كي أعطيهم بعضا من المال, وزوجي عليه ديون؛ لأننا في بداية حياتنا الزوجية, فعليه ديون السيارة, وديون أثاث المنزل, ولكن حالي مع زوجي جيد جدا, ولكننا في بداية حياتنا, فنحتاج القليل من الوقت لنرتب حياتنا من الناحية المادية, وأنا أحتاج الكثير من الوقت لتعلم لغتهم, والدراسة الجامعية -إن أمكن-.
المشكلة هي أني عندما أتصل على أمي أو أبي لأسلم عليهم أشعر بأني مقصرة؛ لأني لا أبعث لهم المال, حتى وإن كانا ليسا محتاجين, فإخوتي يكفون من هذا الجانب, ولكني أعرف والداي وأنهم يهتمون بالمادة, حتى أن أمي كثيرا ما تذكر أن أخي أو أختي يعطونها –والحمد لله- وأنها تدعو لهم بالخير كثيرا, لذا أشعر بالتقصير, أمي وأبي كثيرا ما أسألهم هل أنتم راضون عني ويجيبونني: نعم كل الرضا, ولكني لا أعرف لماذا أشعر بالتقصير من الناحية المادية؟!
أعمارهم كبيرة, وأنا أريد أن أكسب خيرا وأجرا, وأفرحهم, ولكن لا يوجد عندي ما يكفي, ولا أعرف ما أفعل!؟
إخوتي وأخواني كلهم يعملون في وظائف مرموقة, ويعطون أمي وأبي كل شهر, إضافة إلى وقت الأعياد ورمضان, حتى إن أخي الأصغر أخذهم للعمرة أكثر من مرة, واشترى لأبي سيارة, ولأمي الكثير من الذهب, وكلهم بدون استثناء يحضرون الهدايا الغالية لأمي وأبي إلا أنا, لا أعرف ماذا أفعل؟ فكرت أن أبيع ذهبي لأشتري لهم الهدايا, ولكني خفت أن تعلم أمي إذا ذهبت لها في زيارة ورأت يدي خاليتان من الذهب أن تسألني وأدخل في متاهات كذب وغيره.
كيف أبرهم وليس عندي مال؟ هل الكلام والسؤال يكفي؟ أريد أن أبعث لهم بعض الهدايا العادية من هنا, ولكني أفكر إذا ما قارنوها بهدايا إخوتي, وأنا الآن صار لي سنة وشهر بعيدة عنهم.
أتمنى أن أجد عندكم الرد؛ لأني لا أنام من التفكير وتأنيب الضمير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ mona حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك بر والديك، وأن يوسع رزقك حتى تحسنين إليهما، وأن تدخلي السرور عليهما.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - والتي سألت فيها: ماذا أفعل؟ أقول لك: لا تفعلي شيئا -بارك الله فيك- فأنت غير مكلفة بأي شيء مطلقا تجاه والديك ما دمت لا تستطيعين، فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} فأنت الآن لا تملكين شيئا، وزوجك الآن ليست لديه الوفرة المادية حتى يعطيك لترسلي لوالديك، وبيعك أيضا للذهب أيضا هذا خطأ؛ لأن هذا الأمر قد يرتب عليه مشكلة مع والدتك -كما ذكرت- عندما تدخلين عليها ويداك خاليتان من الذهب.
فأنا أقول -بارك الله فيك-: يكفي جدا السؤال والاطمئنان عليهم، أما المسألة المادية فأرى أن تصرفي النظر عنها نهائيا، ولا تحملي همها؛ لأن أهلك يعرفون ذلك، فوالدك يعرف, ووالدتك تعرف، وهما أخبراك بأنهما راضيان عنك كل الرضا، وهذه الحساسية التي عندك أرى أنها نتيجة علمك بحب والديك للمال، إلا أن الواقع أنك غير مطالبة, وهم قد عذروك في ذلك, وهم قطعا يقدرون ظروفك، فأرى أن لا تشغلي بالك -بارك الله فيك- في هذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد.
اتركي الأمر لله تعالى، ويكفيك السؤال المتواصل عنهما، ويكفيك الدعاء لهما، فإن هذا -بإذن الله تعالى- سيؤدي إلى رضاهما عنك؛ لأن الله يعلم أنك ما قصرت من سعة، ولكنك امتنعت لقلة ذات اليد.
وفي المستقبل -بإذن الله تعالى- إذا يسر الله لكم ووسع أرزاقكم لا تمنعوهم من الفضل، فإذا كانوا أحياء فأنت ستمدينهم بالهدايا, وتزودينهم بالأموال اللازمة كما يفعل إخوانك، وإن كانا ليسا في حاجة لذلك -كما ورد في رسالتك-.
فأرى -بارك الله فيك- أن لا تشغلي بالك بهذه المسألة، وأن لا تعطيها مساحة أو حجما أكبر مما هي عليه، ويكفيك جدا مسألة السؤال والتواصل بالاتصالات، وهذا يكفي؛ لأن الله تبارك وتعالى كما ذكرت لك أخبرنا: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}, وإذا يسر الله عليك ففي المستقبل افعلي ذلك.
وأنصح أيضا بأن لا تدخلي نفسك في إرسال الهدايا المتواضعة التي قد تجعل المقارنة أيضا مؤلمة، اتركي هذا الأمر نهائيا الآن, وانشغلي بالتوجه إلى الله عز وجل, والاستعداد بأخذ أسباب الحياة الجديدة من مسألة تعلم اللغة، وإذا كانت هناك فرصة لدراسات متقدمة مع الضوابط الشرعية المعتبرة، فلا مانع من الاستفادة من ذلك حتى يتيسر لك -إن شاء الله- في المستقبل أن ترسلي لهم ما يمكن إرساله، ولكن الوضع الآن لا يوجد فيه أي حرج بالنسبة لك لا شرعا ولا عرفا؛ لأن الشرع يطالب الإنسان بما يقدر عليه, وبما يستطيعه، والناس أيضا في الأعراف يقولون بأن الإنسان ما دام لا يستطيع فهو غير مطالب أيضا بأن يدفع شيئا، ووالداك -كما ذكرت- يعيشان في بحبوحة, وسعة من الرزق, ورغد في العيش، وهما لا ينتظران منك شيئا -خاصة وأن إخوانك قد قاموا بذلك كله-.
نسأل الله أن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يرزقك بر والديك, ورضاهما عنك، وأن يجعلك وزوجك وأولادك وأهلك من سعداء الدنيا والآخرة.
هذا وبالله التوفيق.