السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب لكم رسالتي وأنا في أمس الحاجة للحصول على الجواب الشافي والوصول إلى هدفـي.
لم أكن هكذا من قبل! كنت أحفظ القرآن، وحفظت منه 11 جزءا، أما الآن فتأتي في بالي الكثير من التساؤلات التي تجعل قلبي في هم وحزن وضيق، وأكره نفسي بهذا التفكير، ألا وهو كيف الله يعلم الغيب؟
وبما أن الله أعطانا السمع والبصر والشهوة فهو أيضا عنده السمع والبصر والعياذ بالله، وتأتيني أفكار بأنه أيضا. .(لا أستطيع أن أبوح بها).
ولكن أتمنى يا شيخ أنك تفهمني، والله إني في ضيق من أمري، وأيضا تأتيني أمور في وجود الله، وكيف نعلم أن الله موجود؟
وأيضا عن الحور التي في الجنة فهل هن يعبدن الله أم لا؟
أعلم بأنك ستتعجب من أسئلتي، ولكن والله إن هذه الأسئلة سببت لي الكثير من الألم وأبعدتني عن ربي.
أريد الإجابة الكافية حتى أرجع لربي لأقوم الليل وأحفظ القرآن.
أنا على يقين بأن ربي منزه عن كل نقص، وقادر على كل شيء.
وأيضا: أريد أن أعلم كيف خلق الله عيسى بدون أب؟ فالوساوس في هذا الموضوع قد زادت علي.
وأخيرا: والله لا أريد شيئا أكثر من أني أكون بالقرب من ربي، خالية من أي وساوس، وأن أعيش في راحة بدون دموع وحزن.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنة الفردوس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله الجليل جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يرزقك حسن الظن به وصدق التوكل عليه، وأن يعافيك من هذه الوساوس المدمرة التي أزعجتك في حياتك وجعلتك في غاية من الحزن والكآبة وعدم الراحة والرضى.
كما نسأله تبارك وتعالى أن يمن عليك باليقين الصادق والإيمان الصحيح السليم، وأن يجعلك أيضا من أصحاب القلب السليم ومن أهل الفردوس الأعلى.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فمما لا شك فيه أن هذه الوساوس وتلك الأفكار السلبية تؤثر في علاقة الإنسان بربه، وتجعله في غاية من الكدر والحزن وعدم الراحة، بل إن بعض الناس من شدة هذه الوساوس يتمنى الموت، لأنه يرى تصورات غير طبيعية عن مولانا جل جلاله سبحانه.
وتأتي هذه الوساوس الشيطانية لتشوه هذه الصورة الجميلة عن مولاه سبحانه وتعالى في رأسه، ولتصف الله تبارك وتعالى بغير ما وصف به نفسه، فيعيش الإنسان في دوامة من الحزن والألم والكدر وسوء الظن والشك، حتى إنه ليتوقف أحيانا عن عبادات عظيمة كان يؤديها، بل ويفقد الرغبة في الحياة، بل وفي الطعام والشراب معا.
أقول لك: إن هذا الأمر موجود، وهو يوجد غالبا عند كثير من الحريصين على أن يكونوا أصحاب علاقة متميزة مع الله جل جلاله سبحانه، وأن يكونوا حريصين على القرب من الله تبارك وتعالى والأنس به، فيستغل الشيطان هذه الرغبة القوية ويبدأ ينفث سمومه في نفس الإنسان حتى يعكر عليه صفوه، وحتى يفسد العلاقة التي بينه وبين ربه ومولاه.
فالذي ذكرته أنت في رسالتك إنما هو نوع من الوساوس الشيطانية، بعضها يسمى وسواسا قهريا، وهذا الوسواس القهري كلما حاول الإنسان أن يتخلص منه كلما اشتدت قبضته عليه، وهناك وساوس تسمى وساوس شيطانية خفيفة، وهي نزغات الشيطان التي تأتي للقلب، ثم يقاوم الإنسان هذه النزغات ويحاول أن يأخذ بالأسباب العادية الحركية فيتخلص من هذه المسائل بإذن الله تعالى.
أنا أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إن هذه الوساوس من الشيطان، وما دامت من الشيطان فلم ولن يدفعها عنك إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك تركك لقراءة القرآن وقيام الليل هو نوع من الانهزام، لأنك بذلك تقربين كثيرا من الشيطان وتبتعدين عن الله جل جلاله سبحانه، فليكن الأمر الأول الذي أركز عليه: ضرورة أن تعودي إلى ما كنت عليه من قراءة القرآن وقيام الليل حتى وإن كنت لم تفهمي شيئا، حتى وإن كنت لم تحفظي شيئا، حتى وإن كنت لم تشعري بحلاوة الصلاة، ولكن عودي، لأن هذا مهم جدا.
فعودي إلى العبادات التي كنت تؤدينها واحرصي عليها وحافظي عليها ولا تتوقفي عنها.
النقطة الثانية من العلاج إنما هو: كم أتمنى أن تقومي بعمل رقية شرعية لنفسك، إن استطعت أن تقومي برقية نفسك فهذا حسن، لأني أتوقع أن هذه المسائل من الشيطان قد تكون نوعا من الحسد أو نوعا من العين أو نوعا من المس الذي قد يصيب الإنسان، فإن الإنسان قد يحسد نفسه وقد يحسده غيره وقد يحسده من حوله إذا وجدوا الإنسان مستقيما وحريصا على طاعة الله تعالى ووجدوه مقبلا على عبادة الله تعالى، وقد يغفل الإنسان يوما أو ليلا عن ذكر الله تعالى فيمسه الشيطان، وعلاج ذلك سهل وبسيط ويكون في الرقية الشرعية.
فأنا أقول: قومي برقية نفسك رقية شرعية إن استطعت ذلك، فإن لم تستطيعي فلا مانع من الاستعانة بأحد أرحامك كالوالدة أو الوالد أو أحد الإخوة والأخوات ليقوم برقيتك، فإن لم يتيسر ذلك فلا مانع من الاستعانة ببعض الرقاة الثقات الذين يعالجون بالكتاب والسنة بعيدا عن أي شبهات أو أي خرافات أو بدع، وبإذن الله تعالى أنا واثق بأنك سوف تتحسنين بالرقية.
والرقية ليست سرا خاصا تحتاج لشخص معين يقوم بها، وإنما هي مجموعة آيات وأحاديث وأدعية توجد في كتيبات وكتب ومطويات وأشرطة، فيها هذا الكم الهائل من آيات وأحاديث الرقية، كذلك أيضا على الإنترنت تستطيعين أن تدخلي على موقع جوجل وتكتبي الرقية الشرعية وستأتيك أشياء كثيرة، وتستطيعين أن تدربي نفسك عليها، وأن تعالجي نفسك، بل وقد تكونين سببا في علاج غيرك من أخواتك المسلمات.
كذلك أيضا أوصيك مع الرقية الشرعية بالدعاء والإلحاح على الله أن يعافيك من هذا البلاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وقال أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) وقال أيضا: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} وقال أيضا مولانا جل جلاله سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} فعليك بالدعاء بأن يعافيك الله من هذه الوساوس.
أيضا أتمنى أن تدخلي إلى المواقع التي تتكلم عن الإعجاز العلمي في القرآن، والإعجاز العلمي في السنة، وحاولي أن تقرئي هذه الأشياء، فإنها أشياء مذهلة تدلك على عظمة الله تبارك وتعالى وقدرته وجلاله، وسوف تعيد لك الثقة التي فقدتها بسبب هذه الوساوس، وسوف تبين لك مدى عظمة الله ومدى قدرة الله ومدى جلال الله ومدى جمال الله.
فادخلي إلى هذه المواقع، وانظري في ملكوت السموات والأرض، حتى تتعمق لديك محبة الله تبارك وتعالى جل جلاله.
كما أوصيك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء خاصة قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحا ومائة مرة مساء. كذلك أيضا قول (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا وثلاث مرات مساء.
وعليك بالمحافظة على الصلاة، والمحافظة على الحجاب، والابتعاد عن المسلسلات والأفلام خاصة الأجنبية المدبلجة أو المترجمة التي فيها عنف وقسوة وغير ذلك، لأن هذه كلها عبارة عن أسلحة يستعملها الشيطان ضدك.
عليك بالدعاء كما ذكرت مع الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعافيك من تلك الوساوس، وأن تعودي إليه عودا حميدا.
هذا وبالله التوفيق.
انتهت إجابة الشيخ/ موافي عزب حفظه الله، تليها إجابة الدكتور النفسي: محمد عبد العليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسأل الله لك الشفاء والعافية.
أريد أن أقدم لك الاسترشاد من الناحية النفسية، وأنا أثمن على كل ما ذكره الشيخ موافي عزب - حفظه الله - وأود أن أقول لك: إن الوساوس تتسلط على الإنسان وتكون في شكل فكرة أو دفعات أو صورا ذهنية أو أفعالا طقوسية أو مخاوف تتسلط على الإنسان ، وتستحوذ على فكره ويعرف سخفها، لكنه يجد صعوبة كبيرة جدا في صدها أو طردها.
الوساوس الدينية كثيرة ومنتشرة، ومن طبيعة الوساوس أن تصيب الناس في أعز ما يملكون، والدين هو أعز ما نملك، فأنت إن شاء الله تعالى على خير وفي خير وعلى المحجة البيضاء.
من الأمور المهمة جدا أن نعرف أن الوساوس فيها الجانب الشيطاني وفيها الجانب الطبي، هذه قضية مهمة جدا وأصبحت الآن مثبتة، والوساوس من هذا النوع يجب أن لا تناقش مع الذات، هذا مهم جدا.
كثير من الأخوة المتدينين حين يصابون بمثل هذه الوساوس تجدهم يلجؤون إلى التحليل وإلى محاولة تفكيك هذه الوساوس وإخضاعها للمنطق وتشريحها والرد عليها، وهذا يزيد من حدة هذه الوساوس، لذا ورد في الحديث الشريف أو فيما معناه: (يأتي الشيطان إلى أحدكم ويقول: من خلق هذا من خلق هذا، حتى يقول من خلق ربك) فإذا كان هكذا فلتستعذ بالله ولتنته. ليس أكثر من ذلك.
وهذا الكلام النبوي الشريف قيل قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، وقد توصل علماء السلوك في السنوات الأخيرة أن أفضل طريق لكبح جماح هذا النوع من الوساوس هي فعلا أن ينتهي الإنسان وأن ينتبه وأن يقول لهذه الوساوس (أنت وسواس حقير، لن أناقشك) فقط يقول هذا (أنت وسواس حقير، أنت وسواس حقير) وهكذا يكررها مع نفسه، ولا تخضع نوعية هذا الوسواس أبدا لأي نوع من التفكيك أو الشرح أو محاولة أن يقنع الإنسان نفسه بأن هذه الوساوس غير صحيحة، هذه طريقة ليست جيدة في العلاج. الطريقة الجيدة في العلاج هي أن يغلق عليها إغلاقا تاما.
ثانيا: هذا النوع من الوساوس أيضا يربط بما نسميه بالمنفرات. وقد وجد علماء السلوك أيضا أنه من خلال الربط الشرطي تتأصل الوساوس، ومن خلال فك الارتباط الشرطي يمكن القضاء على الوساوس. هذا يتطلب أن تفكري في هذه الوساوس وتقومي في نفس الوقت بإدخال استشعار مضاد على نفسك، مثلا قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة شديدة حتى تحسين بالألم، فكري في الوسواس وأوقعي الألم على نفسك. كرري هذا عشر مرات متتالية.
الألم منفر للإنسان بطيعته، وهو لا يتوافق مع هذه الوساوس، لذا يحدث ما يسمى بفك الارتباط الشرطي، وهذه أحد الحيل النفسية البسيطة جدا والمفيدة.
العلاج المهم أيضا - وهذه بشرى كبيرة لك إن شاء الله تعالى - هو العلاج الدوائي، والسؤال الذي سوف يطرح مباشرة: ما علاقة الدواء بمثل هذا النوع من الوساوس؟
هنالك نظرية أنا شخصيا أعتبرها محترمة جدا، وهو أن الشيطان يقذف بهذه الوساوس في الإنسان وحين يستعيذ الإنسان بالله تعالى من الشيطان الرجيم سوف يخنس الشيطان، وهذا بنص القرآن، الشيطان يخنس متى ما تذكرنا أن الفعل منه واستعذنا بالله تعالى منه، لكن الدفعة الأولى أو القذفة الأولى التي قام بها في عقل الإنسان تؤدي إلى تغيرات كيميائية وبيولوجية، وهناك مادة تسمى بالسيروتونين وجد أنها تضطرب في إفرازها، وهذه لا يمكن أن تصحح إلا من خلال الأدوية.
فإذن أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أبشرك تماما بأنك سوف تستجيبين للأدوية، وإن ذهبت إلى طبيب نفسي فهذا هو الأفضل وهذا هو الأحسن، وإن لم تستطيعي ذلك فهنالك دواء يعرف تجاريا باسم (بروزاك) ويعرف علميا باسم (فلوكستين) فعال وممتاز، لكن يتطلب الالتزام ويتطلب أن تتناولي الجرعة كاملة.
تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراما، تناوليها بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعليها كبسولتين في اليوم، تناولي كبسولة في الصباح وكبسولة في المساء، ثم بعد شهر اجعليها ثلاث كبسولات في اليوم - أي ستين مليجراما - تناولي كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلا، استمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى.
هذا الدواء فعال، مفيد، ويقضي على هذا النوع من الوسواس إن شاء الله تعالى، ويسهل لك كثيرا أن تطبقي الممارسات السلوكية التي تحدث عنها الشيخ موافي عزب والتي ذكرت لك بعضها.
هذا الوسواس سوف يقتل وينهار تماما، فلا تناقشيه، ولا تفاوضيه، ولا تخضعيه للمنطق، وإنما حقريه، وأغلقي عليه، واربطيه بالمنفرات، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتناولي الدواء، وإن شاء الله تعالى سوف تكونين بخير.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.