السؤال
السلام عليكم.
أنا آنسة عمري 27، وسأصبح 28 بعد عدة أيام، لقد أصبحت يائسة من الحياة، وليس عندي أمل في الغد، أصبحت إنسانة متشائمة، وليس عندي إيمان في أي شيء.
أنا كنت أدرس في تخصص كنت أتمناه طول عمري، وكان أهم شيء عندي كيف أصل للتخصص هذا والحمد لله وصلت، ولكن فرحتي لم تكتمل حيث أني بقيت لمدة ثلاث سنوات أعيد في نفس السنة، ولم يكن ذلك بسبب تقصير مني، ولكن كانت عندي مشاكل في أوراقي.
ومن أجل هذا السبب اختباراتي لم تصحح لمدة ثلاث سنوات، وبالرغم من ذلك لم أستسلم، بالعكس كنت أقول السنة القادمة سأنجح، وكنت أدخل الامتحانات دور أول ودور ثاني وإلى الآن لم أفقد الأمل، ولكني عندما رسبت للمرة الثالثة تغيرت وأصبحت إنسانة ثانية، أي شيء كنت أعمله في الماضي وكنت أعتقد أنه صحيح أصبحت أرى أنه غير صحيح.
أصبحت أعمل العكس، وأي شيء كنت أقول هذا حرام أصبحت الآن أعمله، فلقد تركت الصلاة، وصرت أسمع الأغاني كثيرا صرت إنسانة ثانية، تغيرت للأسوأ، الدنيا مظلمة، كل شيء أراه أسود، لا شهادة ولا وظيفة ولا شيء، إنسانة بلا هدف ولا حياة، والله تعبت من البكاء والحزن.
أنا آسفة على الإطالة.
هل من الممكن أن تقول لي ماذا أفعل؟
أتمنى أن أرجع كما كنت في الماضي إنسانة متفائلة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكرك على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، وإن شاء الله تعالى سنعينك على الخروج من أزمتك التي تعانين منها.
لما قرأت مشكلتك عرفت من خلالها أنك تريدين أن تحققي النجاح وتصعدي سلم المجد، ولكن المشاكل التي تواجهك من كل مكان هي التي تقف عائقا في وجهك.
أرجو منك أن تتمسكي بحبل الله تعالى، فهو الركن المتين إن خانتك أركان، فأنت شابة في مقتبل العمر، عندك طموح وأهداف، فلا تيأسي ولا تعجزي، حاولي أن ترمي المشاكل وراء ظهرك وتسيري نحو الأمام.
إنك لو قرأت سير الناجحين والناجحات لوجدتهم تعبوا في حياتهم وواجهوا المخاطر والمشاكل حتى وصلوا إلى درجة النجاح والعلو.
أنصحك -أختي الفاضلة- أن تلتزمي الذكر والدعاء والاستغفار، وأبشرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب".
واحذري أخية من الذين يريدون أن يسلبوا منك حب العمل وحب النجاح وحب الترقي وحب الصعود إلى المجد، ومن بين هؤلاء اللصوص: تشتت الذهن، وهذه هي المشكلة الأساسية التي تعانين منها.
لا تشغلي نفسك بما ليس مفيدا لك، وتذكري دائما قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".
حاولي أن تعززي الثقة بالله تعالى أولا ثم بنفسك، فأنت لديك من القدرات والمهارات ما تستطيعين أن تقدمي الكثير لنفسك ولأسرتك ولوطنك ولأمتك، ولكن بشرط أن تبتعدي عن اليأس والقنوط، وكذلك التمني، فالتمني والخيال والحلم لا يمكن أن يأتي بشيء بدون عمل.
وما نـيل المطـالـب بالـتمنـي ... ولكن تؤخـذ الدنـيا غلابـا
وما استعصى على قوم منال... إذا الإقدام كان لهم ركابــا
واسمعي أختي الفاضلة إلى قول ابن القيم رحمة الله عليه: "النفس فيها قوتان : قوة الإقدام، وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكا عما يضره".
وأنا أريدك أختي الفاضلة أن تتقدمي، فتقوية العزيمة والإرادة بالحركة وليس بالجمود.
وهذه بعض الخطوات تعينك -بإذن الله تعالى- على الخروج من أزمتك:
- عليك بالتوجه بالدعاء الخالص بأن يوفقك الله تعالى ويعينك على تخطي الصعاب.
- عليك بإيقاظ ضميرك فهو جهازك الذي يحركك إلى النجاح.
- عليك بصحبة الأخيار الناجحين ذوي العزيمة والإرادة القوية.
- لا تبني حياتك على التسويف، ولكن تعلمي أن تنجزي العمل في وقته.
- حاولي أن تواجهي ضعف الإرادة بقوة العزيمة والشجاعة.
- رتبي أولوياتك، وأعطي الأولوية للأمور حسب الأهمية.
- إضافة لما سبق فإننا نحب أن نؤكد لك بأنك إنسانة خيرة، وتحملين في نفسك الإيمان الكبير بالله تعالى، ولكن هي سحابة صيف كما يقال.
أما تركك للصلاة وعودتك لبعض المخالفات فهي خطأ بلا شك، لكننا نحب أن نؤكد لك أيضا بأنك لست تلك الإنسانة التي تتعمد الخطأ، ولا تريد أن تعصي ربها عمدا، بل ما حصل لك إنما هو ردة فعل تجاه حياتك السلبية، وتقدم العمر بك، وعدم حصولك على ما تتمنين، وردة الفعل هذه وإن كانت مفهومة لنا، إلا أنه لا ينبغي أن تكون مبررة، بمعنى أنه لا ينبغي أن توهمي نفسك بأن هذا جائز ومنطقي في حقك، بل عليك السعي لمقاومة الوقوع في التقصير والمخالفات أولا، ثم بالبناء والالتفات لترتيب مستقبلك ثانيا.
والمؤمنة إن أصباتها ضراء صبرت فكان خيرا لها، وإن أصابتها سراء شكرت فكان خيرا لها، فالخير موجود على كل حال، وما هذا إلا ابتلاء من الله تعالى يوجب الصبر عليه، وامتحان ينبغي أن تنجحي فيه، والنجاح لا يكون إلا بطاعة الله تعالى والقرب منه، ولا تجعلي حياتك كلها في هدف واحد إذا فات انتهت هذه الحياة!
ولكن ليكن هدفك العام هو رضا الله عز وجل، وما الوظيفة والزواج إلا أسباب مادية معينة، فإن توفرت وإلا فيمكن بلوغ الهدف بغيرها من الوسائل.
وفقك الله، ويسر الله لك وظيفتك وبقية أهدافك السامية في هذه الحياة.