السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد الله على أن هداني لمثل هذا المنتدى الذي والله أحسست بسعة علم القائمين عليه، وكثرة عطائهم الفياض دون أجر إنما أجرهم على الله لأن أجرهم لا يمكن أن يقدره بشر.
عندما أريد أن أشرع في قراءة كتب لعلماء أحببتهم وتأثرت بعلمهم، وأحببت أن أسير على نهجهم، وجدت صعوبات كثيرة، منها: كثرة كتبهم وعطائهم، فكيف السبيل إلى تحصيلها ونفع الناس بها، وتطويرها؟ بعضها تتعدى كتبه60 كتابا، والكتاب 800 صفحة!
أجد كثيرا ما يبهرني من الأفكار الجديدة التي لم يسبقه أحد لمثلها، وزيادة معدل تحصيلهم اليومي لدرجة أعجز عن محاكاته.
عندما أبدأ بمحاكاة العلماء أجد نفسي عاجزا عن أشياء كثيرة، كضغط ساعات النوم، والحفاظ على الوقت مثلهم، وصفاء نفوسهم، مما يحزنني كثيرا، ويصيبني بالإحباط واليأس .
أريد أن أكون قدوة مثلهم، والذي يحزنني أكثر هو أن الناس يمجدونني لدرجة لا توصف وينادوني يا دكتور، فأنا عظيم أمام الناس حقير أمام نفسي لأنني أعرف حقيقتها أم الناس فينظرون للظواهر
أحس أن الطريق كان مفتوحا أمام هؤلاء العلماء، أما أنا فمسدود في وجهي.
كما أن عندي مشكلة اجتماعية عند التعامل مع النساء عموما، فأمجدهن كثيرا، وألبي ما يطلبنه من مصالح وخدمات، وأخجل منهن، ولا أستطيع أن أتكلم إلا كلاما قليلا جدا، وأبلع ريقي كثيرا، وأناديهن بالألقاب حتى وإن كن أصغر مني سنا، فأحس بأنني عبد وهن سيدات.
أحس بأنني بلا شخصية تماما، حتى مع أقاربي، ولا أعرف منشأ هذه المشكلة! لدرجة أن أحد زملائي لاحظ ذلك، فقال لي كيف ستتزوج وأنت بهذا الحال؟!
أخيرا: أرجو أن تفيدوني، ولا تنزعجوا من أسئلتي، فلقد وثقت فيكم، وأحببتكم وجوابكم حجة علي يوم القيامة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك من فضله، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك –أخي الكريم الفاضل– أقول: إن الحل في مثل هذه الحالة كما ذكرت إنما هو أن تبدأ بصغار الكتب قبل كبارها، فإن الأمة قد أكرمها الله تبارك وتعالى بعلماء أفذاذ وعباقرة كبار عبر تاريخها الطويل، منهم من سجل كتبا كثيرة، ومنهم من كتب دون ذلك، ومنهم المتوسط، إلى غير ذلك، وهذه رحمة من الله تعالى بهذه الأمة، لأن الأمة التي تقوم حياتها على العلم أمة لا تعرف الهزيمة ولا الضياع ولا تموت أبدا، والأمة التي تقوم حياتها على غير العلم وإنما تقوم على بناية الحجارة وعلى حضارة الحديد والمواد الخام وغير ذلك، فإنها أمة لا تلبث أن تنهار بعد فترة وجيزة من الزمن، أما الأمة التي تقوم على حضارة الإنسان وتطوير الإنسان والرقي بالإنسان وتثقيف الإنسان وتعليمه فهي الأمة الدائمة الباقية.
لهذا نجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يبن صرحا واحدا من صروح الدنيا، وإنما كل الذي بناه إنما هو المسجد الذي كان عبارة عن الجامع والجامعة، ثم كرس جهده في بناء نفوس الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - حتى أصبحوا عظماء العالم، وأصبحوا سادة الدنيا، وخرجوا من عمق الجزيرة العربية إلى العالم ينشرون الفضل والإحسان والرحمة والسلامة والإسلام، وبهذا تكون الحضارة ولدي الفاضل (عماد).
هؤلاء العلماء العباقرة شاء الله تبارك وتعالى أن يوجدهم في الأمة حفظا لهذه الثروة العلمية الهائلة التي خلفها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، ولذلك إذا أردنا أن ننهل من هذه العلوم فلا بد أن نتدرج، لأن العلوم كثيرة، والمعارف متعددة متنوعة، والعلماء كتبوا في فنون شتى ومعارف مختلفة.
لذلك أقول لك أخي الكريم: ابدأ أولا بالكتب الصغيرة كما قالوا: (من أراد أن يتعلم وأن يصل فعليه أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره) فابدأ بالكتب الصغيرة، ثم ارتقي كما يرتقي الإنسان الدرج أو يصعد على السلم خطوة خطوة، واترك الكتب الكبيرة لوقتها.
فعلى سبيل المثال: تجد في الفقه أن هناك مختصرات بسيطة جدا في كل مذهب من المذاهب، ثم بعد ذلك تأتي كتب أوسع منها قليلا، ثم أوسع قليلا، حتى تصل إلى ما يعرف بالفقه المقارن.
أنا لا أقرأ على سبيل المثال كتاب المجموع للنووي أو كتاب المغني لابن قدامة، وأنا لم أقرأ مثلا كتاب (سفينة النجاة) في فقه الشافعية، أو مثلا كتاب (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع) أو (كفاية الأخيار) وإنما لا بد أن أبدأ بالشيء الصغير قبل الكبير حتى أصل من الصغير إلى الكبير.
بهذه الطريقة سوف تتدرج، وبما أنك في كلية العلوم، فأنا أنصح أيضا أن تطلع على العلوم والمعارف التي كتبها علماء الإسلام في مجالك، حتى تصبح عالما نابغا.
كم أتمنى – ابني الكريم عماد – أن لا تشغل أيضا بالعلوم الخارجية على حساب مستواك الدراسي والعلمي، لأننا نحتاج أيضا إلى علماء متميزين في مجال العلوم، وأنت تعلم أن حضارة العالم الآن تقوم على العلوم والمعارف، فنحن نريد أيضا أن تجعل وقتا للقراءات الخارجية، وأن تجعل جل الوقت لدراستك العلمية الأكاديمية التي قررت عليك من قبل الكلية التي تدرس بها، لأنك إذا كنت متميزا في مجال دراستك التي تفرغت لها فإنك بذلك ستكون قويا، وإذا كنت قويا تستطيع أن تخدم دينك بصورة أكبر وأفضل.
أتمنى أن لا تنصرف عن دراستك الرسمية إلى قراءة الكتب الخارجية، لأن ذلك سيؤثر على مستواك، بل قد يؤدي ذلك إلى أن تتوقف عن طلب العلم كله لا في الكتب الخارجية ولا في الداخلية، لأن نجاحك في كليتك يترتب عليه شعورك بالقوة والاعتزاز بنفسك وشعورك بالعظمة، وأنك تستطيع بإذن الله تعالى أن تحقق شيئا لخدمة دينك.
عليك أولا بالتركيز على مقرراتك الدراسية، واجعلها في المقام الأول، واجعل المذاكرة لك عادة، وعليك بتنظيم الوقت تنظيما دقيقا، ولا تجامل أحدا على حساب وقتك.
أما بخصوص مسألة التعامل مع النساء، فهذا مرض يعرف بمرض الخجل، لأن هذا ليس هو الحياء، فمرض الخجل يحتاج إلى علاج، وتستطيع بإذن الله تعالى أن تدخل على بعض الاستشارات لتعرف كيفية علاج الخجل، لكن عموما الذي أنت عليه خير، إلا أنك تقول إنك أصبحت كالعبد بين يدي السادة، وهذا لا ينبغي أن يكون بحال.
لذلك أتمنى بارك الله فيك عندما تتعامل مع امرأة أن تتعامل معها كأنها رجل، إلا في الكلام والنظر، فلا تنظر إليها، ولا تتكلم معها كلاما مثيرا أو غير ذلك، ثم بعد ذلك اصرف بصرك عن مسألة أنها امرأة، واعتبرها رجلا أنت تتكلم معه، فكيف ستتكلم معه؟
تكلم معها بالعقل والمنطق، وابتعد عن الكلمات المثيرة، ولا تنظر إلى وجهها حتى لا تشتهيها أو تضعف أمامها، وبذلك أنا واثق أنك ستخرج من هذه المسألة على خير.
حاول بارك الله فيك أن تجعل احتكاكك بالنساء في أضيق الحدود، لأن مسألة النظر لا يسلم الإنسان إذا أطال النظر إلى النساء أن يقع في التعلق بهن، وأن يفسد عليه دينه، وقد تفسد عليه دنياه أيضا.
عليك بغض البصر لأنه من سمات أهل الإيمان، وهو أمر الله تعالى وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل احتكاكك بالنساء في أضيق حدوده، وتصور أن هذه الفتاة التي أمامك كرجل، حتى لا تشتهيها ولا تفكر أن تتكلم معها كلاما يختلف عن كلام الرجال.
ركز على مستواك العلمي والدراسي، وتوجه إلى الله بالدعاء، وحافظ على صلواتك في أوقاتها، واجتهد في المحافظة على ورد القرآن مع أذكار الصباح والمساء.
وفقك الله، وأيدك الله، وحفظك الله، ورعاك الله، وعلمك الله.
هذا وبالله التوفيق.