السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
أشكركم جزيل الشكر على جهودكم الجبارة, وأتمنى لكم مزيدا من التقدم.
قبل فترة بدأت بالانزعاج من كوني أنثى، لا أعلم ما الذي ولد لدي هذا الشعور؟! هل هو المجتمع أم أنه شيء نفسي .
مع أنني أعتبر نفسي أسعد إنسانة إن تكلمنا عن معاملة أهلي لي، فلا أشكو منها بتاتا, لكن ما يجعلني أضيق هو انحصار ما أستطيع فعله، وأنني لم أجد تاريخا حافلا للمسلمات من النساء, وفكرة أغلب الناس أن المرأة مكانها المنزل والمطبخ، وأنها عورة, وعار على الرجل ذكر اسمها, حتى إنها ليست بقادرة على فعل شيء من دون الرجل، وإن خرجت تعتبر متبرجة, حتى إن كان ذلك للعمل, أو أي شيء آخر مباح، وينسون الدين كله, ويتمسكون بتقاليدهم، وينسبونها إليه، ولا يعرفون من الدين سوى "وقرن في بيوتكن" و"مثنى وثلاث ورباع" وينسون حقها عليهم المبين بالكتاب والسنة!
فمثلا قبل فترة حدث حوار بين خالي الاثنين، يطلب فيه أحدهما من الآخر أن يحضر خالتي أو جدتي -التي تصير أمهما- ويركب هو بالمقعد الخلفي, فقال الآخر: " هل أنا مجنون لأركب امرأة في الأمام وأجعل الرجل في الخلف! سيستهزئ بي الناس"
لم يذكر أي شيء بتحريم ذلك، أو أن ذلك امتهان لكرامة المرأة, بالإضافة إلى صعوبة أحلامي التي أتمنى تحقيقها فهي تزداد صعوبة لكوني فتاة، فأنا شغوفة بالسفر مثلا، وأريد أن أشارك برحلة إلى القطب الجنوبي، لكن المشكلة من أين أحضر رجلا يأتي معي، وينفذ معي فكرتي المجنونة؟!
أيضا رغبتي بإنشاء وكالة فضاء عربية مستقبلا -إن شاء الله- طموحاتي كلها مجنونة, وتحتاج أن أكون ممسكة بزمام الأمور، ولا أظن أن هذا سيحدث.
أخيرا: هل هذا اعتراض على قضائه سبحانه؟ علما أن مشكلتي ليست مع كوني فتاة، لكن مشكلتي مع ما تستطيع الفتاة فعله، فقط أتمنى منهم أن يرجعوا إلى الدين الحنيف، وأن ينسوا بعض التقاليد المهلكة.
جزاكم الله خيرا, وأعتذر للإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أشكرك -أختي الفاضلة- على تواصلك معنا، كما أنني أحيي فيك هذه الغيرة الأنثوية على المرأة، وهذه الجرأة في طرح السؤال.
قبل أن أجيبك عن تساؤلاتك واستفساراتك أريدك أن تكوني صاحبة عزيمة وإرادة قوية، كما ينبغي أن تعلمي أن الذي يريد أن يضع بصماته في الحياة لا بد أن يكون قويا، ولا أقصد قوة العضلات, ولكن أقصد قوة اليقين في الله تعالى, وقوة التوكل عليه سبحانه, وعدم الاستسلام إلى الهزيمة والفشل والإحباط.
لا بد لك أن تعتزي بأنوثتك، فأنت امرأة، كرمها الإسلام، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل منها أغلى من الجوهرة.
اقرئي في سير الناجحات، وابدئي بالرعيل الأول، فقد ذكر القرآن الكريم نماذج كثيرة من النساء من بينهن آسيا بنت مزاحم عليها السلام -زوجة فرعون- وكيف كان دورها في خدمة دين الله تعالى، كذلك بلقيس ملكة سبأ، ومريم بنت عمران، عليها السلام، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، كم كان لهن من فضل في نصرة النبي عليه الصلاة والسلام ونصرة الدين، وهناك أيضا كثير من النساء اللواتي اشتهرن بالأدب والعلم والشعر، من بينهن ولادة بنت المستكفي، والخنساء، وفي العصر الحاضر كم من النساء تركن بصمات في العلم والأدب والأخلاق، فهذه الحاجة زينب الغزالي رحمة الله عليها كم ضحت من أجل دين الله تعالى، وهذه بيان بنت الشيخ علي الطنطاوي الأديبة والكاتبة البارعة، ولو ذكرت لك نماذج من النساء لطال بنا الحديث.
ينبغي أن نفرق بين شرع الله وعادات الناس وأعرافها، فشرع الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وعادات الناس معتبرة إن لم تتعارض مع الشرع.
أختي الفاضلة: اعتزي بأنوثتك, وفكري في المساهمة في بناء النهضة بما يتوافق مع دينك وطبيعتك كأنثى، وليكن الشرع ميزانك الذي تزنين به أقوالك وأفعالك، وكوني لبنة من لبنات الأمة، ولا تتركي فرصة للشيطان أن يضيع عليك نجاحك، وحافظي على أخلاقك، فكرامتك مصونة -بإذن الله تعالى-، ولا تجزعي فأمامك مشوار طويل, عليك بالعمل والجد والاجتهاد، والتوكل على الله, والاستعانة به, وطلب العون والنصرة والتوفيق منه سبحانه.
وبالله التوفيق .