السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
مشكلتي أبعثها بعد أن عجزت عن حلها، وأتمنى أن أجد حلا عمليا لها.
أنا حساسة، ولي ثقافتي، وأحب تذوق الكلمات العذبة والمشاعر الحنونة، متزوجة من أكثر من تسع سنوات، أحب زوجي كثيرا، وهو حسن الأخلاق، ولكن لا يهتم بمشاعري، عندما تزوجنا كنت أكتب له حبي، وتمنيت أن يبادلني المشاعر والكلمات ولكن لا رد.
حزنت وأحسست بأني أكلم نفسي ومشاعري من طرف واحد، ولكن على الأقل كان يسمعني ويعطيني من وقته.
مرت الأيام وبدأ يقل وقت تواجده بالمنزل، كنت أنتظره بكل اهتمام وأقلق من تأخره، إلى أن جاء يوم ولم يعد إلا بعد منتصف الليل فقلقت عليه، وعندما عاد استقبلته بلهفة ظنا مني أن عارضا أصابه، ولكن رد علي ببرود كنت مع أصدقائي، وكانت نهاية السنة الأولى من زواجنا.
صدمت من بروده وكتمت حزني، وسألته لم لم تخبرني بأنك ستسهر فقد قلقت كثيرا؟ فأجابني: نسيت، ثم قال لا يهم أن أخبرك، شعرت بحسرة وغصة في حلقي، وانتابتني موجة بكاء لم أستطع حبسها (لم أناقشه لعلمي أن الرجل لا يحب ذلك).
وبعدها لم أقلق من غيابه إلى أن جاء يوم ولم يعد تلك الليلة، قلقت وفزعت واتصلت بأهلي، وأخبرتهم عن قلقي، ولم أخبرهم من قبل ذلك، ولكن لفزعي من عدم عودته خفت وأخبرت أهلي لينظروا ماذا به؟
فعاد صباحا واستقبلته وأنا أبكي، الحمد لله على السلامة خفت عليك كثيرا، فأجاب ببرود ولماذا؟ كانت كلمته كالسهم في صدري وشعرت بحسرة، ولكن كتمت ولم أعلم ما أقول له، وبعد ذلك لم أعد أهتم لغيابه ولا حضوره إن غاب لم أسأله، وإن حضر لم أهتم أو أفرح لقدومه.
مرت الأيام وزاد البعد بيننا، أصبحت أقضي يومي ببيتي وفي شؤون أبنائي، وهو يقضي وقته ما بين عمله وأنشطته، ولا يعود إلا متأخرا، وغالبا ينام أو يجلس بمكتبه وأحيانا كثيرة ينام بمكتبه، بدأت أشعر بضيق وخمول وعدم رغبة في أداء واجباتي، لم أعد أشعر بشيء يفرحني، ذهبت إليه مرة وهو نائم بمكتبه وأيقظته لينام بغرفته، فلم يهتم، بكيت وكلمته، حاولت أن أشعره بالضيق الذي أشعر به: لم لا تنام بالغرفة؟ لم لا تجلس معي نتحدث؟ أشعر أني أعيش لوحدي؟ فرد أنا متعب، فطلبت منه أن يخصص وقتا ليسمعني فقال أنا مشغول.
تركته وبعد أيام عاد باكرا، انتهزتها فرصه لأتحدث معه عن بعدنا، وعن عدم اهتمامه بالنوم بأي مكان، وعن عدم اهتمامه وشعوره، فاستمع إلي ورد قائلا وأين أنا؟ ألست معك بالبيت؟ وإن نمت بمكتبي فأنا بالبيت! شعرت بأنه لا يفهمني ولم أعرف ماذا أقول، تناول عشاءه ونام بالصالة.
مرت الأيام وبدأت أشعر أني بعالم وهو بعالم آخر، أصبح اليوم الذي يذهب حتى لأهله مساء ينام عندهم، لايعرف الهدايا في المناسبات ولا حتى الأعياد، يمر العيد وأنا أخفي غصتي وحزني حينما أجلس مع قريباتي وهن يذكرن هدايا أزواجهن لهن.
حاولت أن أتجاهل وأشغل نفسي بما ينفعني، وأركز على بيتي وأبنائي، وأترك مشاعري جانبا، ولكني لم أستطع أن أتغلب على الضيق الذي كنت أشعر به والخمول الذي كان ينتابني... هذا جانب.
ومن جانب آخر فهو لا يترك لي حرية التصرف في بيتي وأثاثه، بل يفرض رأيه ولا يسمح لي بالتغيير، كما أنه حريص جدا، ويشتري كل شيء بأرخص الأثمان سواء الأثاث أو الملبوسات، ولا يعطيني مصروفا أصرف منه فيما أحتاج وأحب، ويقول إذا أردت شيئا أخبريني، وإذا طلبت منه لا يعطيني إلا إذا عرف فيما أريده، ويقدر السعر بأرخص الأثمان، ويعطيني وإذا قلت له.... قال ولماذا الإسراف؟ مع أن دخله الشهري فوق المتوسط، وحتى إخوانه وأهله ليسوا مثله فهم يصرفون بسخاء وأثاثهم وملبوساتهم راقية، مع أنهم بنفس دخله وأحد إخوانه أقل دخلا، ولكن بيوتهم أفضل منا.
بدأت أشعر بالإحراج ممن يزورنا لأن مظهرنا لا يتناسب مع دخلنا، ولي بنت تقرب سنها من التاسعة، وبدأت تقارن بين بيت أعمامها وبيتنا حتى إذا ذهبت لبناتهم يحدثونها عما يحضر لهم والدهم سواء من هدايا أو حتى الحلوى البسيطة التي يفرحون بها.
في كثير من الأحيان أضطر للإكمال من مدخراتي ومجوهراتي التي اشتريتها عند زواجنا ولكنها أوشكت أن تنتهي، وإذا كلمته بأن ابنته تحتاج، وسألته لماذا لا تحضر لها ما يفرح به الأطفال من حلوى وهدايا؟ أجاب بأنها توافه!
احترت وعجزت، ولا أملك سوى الغصص أتجرعها ومشاعري أخفيها.
أنتظر ردكم وأشكركم على الموقع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ همسة وفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أختي السائلة أشكرك على تواصلك معنا.
أولا أريدك أن تتمسكي بحبل الله تعالى ولا تجزعي ولا تيأسي ولا تقنطي من رحمة الله تعالى، واعلمي أن لكل مشكلة حل، ولكن لا نستعجل في الحكم ولا في التقدير، فالمشاكل الزوجية والأسرية تحتاج منا إلى صبر وروية.
من خلال قراءتي لاستشارتك تبين لي أنه لا يوجد جسر تواصل بينك وبين زوجك، والحوار الأسري مفقود تماما، رغم أن زواجا عمره تسع سنوات كان من المفروض أن يتعرف فيه كل واحد على الآخر وأن تصحح المفاهيم.
تعلمين أختي أن الحياة الزوجية لا تخلو من المشاكل ولكن الذكي من يتعايش مع المشكلة، إما بحلها في وقتها وعلاجها، وإما بالصبر عليها، وإما بتوظيفها التوظيف الصحيح، وإما أن يهملها ويتركها وراء ظهره إذا كانت لا تؤثر على الحياة الأسرية.
ومشكلة زوجك أختي الفاضلة هو عدم اهتمامه بالبيت بالإضافة إلى البخل، وعدم إنفاقه عليكم، وهذا يحتاج منك إلى فتح قنوات الحوار مع زوجك، وإن اضطر الأمر إلى إدخال أحد من أهله من يثق فيه ويحبه ويسمع منه، فقد يكون سند لك، لأن زوجك محتاج إلى من ينصحه ويوعيه ويذكره بمسؤوليته تجاه أهله وأسرته.
حاولي أن تتقربي من زوجك ولا تتخلي عنه مهما كانت الظروف، فعشرة تسع سنوات لا تتركيها تذهب هباءا، جربي معه أساليب كثيرة حتى يتقرب منك ولا تيأسي، فزوجك محتاج إلى سند، ولا تقولي أنه لا يريدك أو لا يهتم بك فتعاملينه بالمثل، وإياك أن تقابلي السيئة بالسيئة، ولكن قابلي السيئة بالحسنة.
حاولي أن تبني جسر التواصل والثقة من جديد بينك وبين زوجك، فهذا الجسر سيزيد من الألفة والمحبة بينكما، واجعلي مصلحة الأبناء والبقاء على تماسك الأسرة فوق كل المصالح، وإياك والانتقام، فالانتقام لا يرجى من ورائه خير.
أختي الفاضلة الدعاء الدعاء، أكثري من التضرع لله بأن يصلح حال زوجك ويبعد عنكم الشيطان ويجعل بينكم مودة ورحمة وسكينة.
وبالله التوفيق
----------------------------------------------------
إضافة إلى ما ذكره الدكتور حسن البريكي من نصائح سديدة في كيفية التعامل مع زوجك الكريم فإننا نحب أن نضيف إليك بعض هذه التوجيهات النافعة بإذن الله:
- أولا: اعلمي أنك مأجورة على كل هذا التعب النفسي الذي تلاقينه، وأنك بمنزلة المجاهد في سيبل الله، فالمرأة إذا صلت فرضها وصامت شهرها وأطاعت بعلها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) رواه ابن حبان، وورد أيضا في حديث أسماء: (أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك - يعني: الجهاد - ، وقليل منكن من يفعله)، والحديث رغم ضعفه إلا أن له شواهد تدل على معناه.
- ثانيا: من سنة الله عز وجل في خلقه حصول التباين والاختلاف، والحكمة من هذا حصول الابتلاء والاختبار كما قال تعالى: (ليبلو بعضكم ببعض)، لذلك ينبغي فهم هذا التباين والاختلاف الطبيعي في الشخصيات وأنماطها، والفروق بين سلوك الرجل والمرأة، فهذا يقود إلى التعايش مع هذه الفروق وهذه الاختلافات، فالغالب أن المرأة عاطفية والرجل منطقي، وهذا واضح في سلوكه معك، فهو يأخذ الأمور بمنطقية بحتة بعيدا عن العاطفة، ويحسب للأرقام ألف حساب، بينما لا يعنيك ذلك، بل قد يصل إلى إنفاق مدخراتك ومقتنياتك النفسية في سبيل ترتيب أمورك الأدبية، وهذا ليس خطأ، بل المبالغة فيه هي الخطأ، فالأمور إذا أخذت منحى وسطيا فهو الاعتدال المطلوب.
إذا كانت الأمور بهذ الشكل؛ فكيف نتعامل معها؟!
معرفة سبب الظاهرة يمثل نصف المسافة للعلاج، وعليه فالتعايش مع هذه الأنماط، ومحاولة تطويرها للأفضل هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الجمود العاطفي.
وعلى سبيل المثال يمكنك أن تهدي له كتابا أو مادة صوتية تتعلق بالذكاء العاطفي بين الزوجين، أو تحاولي الاستفادة من بعض أقاربكم أو من يتوسم فيه التأثير على الزوج، مع الاحتفاظ بحقك في النفقة المشروعة التي تكفيك بدون تقتير، فهذه حقوق لا ينبغي أن يخل بها، وليس من صفات الكرام أن يحققوا ويدققوا في كل ما ينفقون صغيرها وكبيرها إذا كان ذلك يتعلق بأهل البيت الواحد، اللهم إلا على سبيل معرفة الميزانية وضبطها، وليس على سبيل الحرص الزائد.
نسأل الله أن يؤلف بينكما، وأن يديم عليكما نعمته وأن يسبغ عليكما السكينة والحياة الطيبة.