السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
عمري 18 سنة، وأشعر باضطراب في الهوية الجنسية، بل أقرب إلى الشذوذ، وأصبح هذا الشعور يسبب لي الكثير من القلق، وعدم الثقة بالنفس، ولجأت إلى اعتزال الناس، كيف أتخلص من هذا وأعود للفطرة؟
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يحيى .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد،،،
شكرا لك على السؤال، وعلى صراحتك، وعلى ثقتك بنا في هذا الموقع، وبالرغم من أنك لم توضح كثيرا طبيعة هذا الاضطراب في الهوية الجنسية عندك، أو الشذوذ -كما ذكرت-.
ولكن يمكن أن أفترض أن ما لديك هو ميلك لمثل جنسك من الشباب، أو أنك تحب أن تعامل كفتاة، وقد يكون الأمر هو أحد هذين الأمرين، أو شيء قريب من هذا.
وقد كنت ذكرت سابقا في سؤال آخر مشابه كلاما مفصلا عن الهوية الجنسية، اضطراباتها، وأذكر منه هنا ما يلي.
إن تطور الهوية الجنسية للإنسان لموضوع (أعقد مما يعتقد خطأ) الكثير من الناس؛ فالأمر ليس بمجرد الأعضاء التناسلية التي يلد بها الإنسان؛ فهذا مجرد الشكل الظاهري للأمر، وهناك على الأقل خمسة عناصر للهوية الجنسية "الجندر Gender":
1) الصيغة الوراثية من (الكروموسوم Chromosome) أو (مورثات/الجينات Genes) فهذه إما ذكرية (XY) أو أنثوية (XX)، وهذا أمر يلد معنا، وقطعا غير قابل للتعديل والتغيير.
2) الهرمونات، حيث يغلب عند الذكر هرمون (التستوستيرون Testosterone)، بينما يغلب عند الأنثى هرمون (الإستروجين Estrogen)، وهذا أمر مرتبط بالصيغة الوراثية السابقة الذكر، وهو أمر يمكن تعديله وتغييره، ونحن نفعل هذا أحيانا في علاج بعض الاضطرابات الهرمونية.
3) الأعضاء الداخلية التي تعرف عن طريق الصورة الشعاعية كوجود المبيضين، أو الخصيتين، وهي أيضا متعلقة بالأمرين السابقين.
4) الشكل التشريحي الخارجي للأعضاء الجنسية أو التناسلية كما تسمى أحيانا، وهذه أيضا ولادية، تلد معنا، وهي أيضا مرتبطة بالأمور الثلاثة السابقة.
5) الجانب النفسي والعاطفي للشخص من حيث شعوره بأنه أنثى أو ذكر، وهذا الأمر قد لا يرتبط كثيرا بالأمور الأربعة السابقة، وإنما يظهر هذا الجانب من خلال الظروف النفسية والاجتماعية التي تحيط بالإنسان -خاصة في جو الأسرة وطريقة تربيته- مما يكون عنده شعور "الجندر Gender".
وربما كان هذا الجانب من أصعبها، فقد تكون التربية والتنشئة منسجمة مع الأمور الأربعة السابقة، فيكون الشخص ذكرا أو أنثى، بكل الجوانب الخمسة، مورثات، وهرمونات وأعضاء داخلية، وأعضاء خارجية، ومشاعر نفسية، أو أن يكون غير منسجم بين كل هذه الجوانب الخمسة، وكما هو الحال معك -أيها الأخ السائل- حيث إني أفترض أن الجوانب الأربعة الأولى هي عندك تأخذ الجانب الأنثوي، بينما الجانب النفسي الخامس هو شعور ذكري.
ومن خلال خبرتي السريرية في المشكلات والصعوبات الجنسية أكاد أجزم أن هذه النفسية الأنثوية التي لديك، أو ميلك لمثل جنسك، إنما هي ثمرة من ثمرات التربية والتنشئة وتجارب الحياة التي مررت بها، ومن أهمها طبيعة شخصية والدتك ووالدك، ومدى قربك أو بعدك عن كل منهما، وربما طبيعة عدد إخوتك وأخواتك في الأسرة؛ فكل هذه التجارب الحياتية، ومنذ الصغر، جعلتك تشعر بما أنت عليه.
إن الأطفال، كل الأطفال، يحتاج الواحد منهم للتماهي مع أحد الوالدين؛ فالعادة أن الصبي مع والده، والبنت مع أمها، ولكن ولسبب ما من طبيعة الأب وشخصيته وسلوكه، ولسبب طبيعة الأم وشخصيتها وسلوكها، قد يتماهى الصبي مع أمه؛ فتصبح أمه هي القدوة في حياته، بينما قد تتماهى البنت مع أبيها، فيصبح أبوها هو القدوة، والنموذج التي تتبعه، وتقتدي به، وأفترض أن هذا هو الحال عندك، وكما ورد في سؤالك.
ومن المعروف علميا أيضا أن كل إنسان، سواء كان ذكرا أو أنثى، عنده مزيج من صفات كلا الجنسين، وأن الموضوع موضوع نسبة التوزيع بين هذين الميلين؛ فمن غلبت عنده الصفات الأنثوية كان أقرب للأنثى، ومن غلبت عنده الصفات الذكرية كان أقرب للذكر.
ونلتزم نحن المسلمون في حياتنا بالحلال والحرام، ومدى موافقة الشرع الحنيف لنمط الحياة التي نعيش، وطبيعة سلوكياتنا.
فماذا تفعل الآن بعد كل هذا؟
لا شك أنك تلاحظ أن كلامي هذا يشير إلى ضرورة تكيفك مع ما خلقك الله عليه أنك شاب ورجل، وربما هذا هو الابتلاء الذي عليك أن تعيش معه، على صعوبته، وهكذا هي الابتلاءات ليست وفق اختياراتنا.
والحمد لله أن هناك ما يعين ويساعد، ولربما تستطيع تعديل توجهاتك وميولك بنفسك؛ وإلا فهناك اختصاصيون نفسيون ممن يمكن أن يعينك ويساعدك على هذا التغيير، على صعوبة وجود هذا في بعض بلادنا، ويمكنك أن تتحدث معه عن الأمر، فهذا يعينك على معرفة الأسباب النفسية والاجتماعية التي جعلتك بما أنت عليه، ولا شك أن هذا الحديث سيتعرض لطفولتك الأولى، وطريقة تربيتك في أسرتك.
وقد وجد أن من أهم عناصر نجاح هذه "المعالجة" أو "التصحيح" هو شدة حافزية الشخص، ورغبته في التغيير أو التعديل، ورغبته في العيش على نمط الحياة الذي يريده، محققا بذلك الانسجام المناسب بين الجوانب الخمسة لما يكون جنس الإنسان، و"الجندر Gender" الذي يعيش فيه.
أرجو أن يكون في هذا ما يفيدك ويعينك، وبالله التوفيق.