السؤال
أعاني من حالة خوف لا إرادي غريبة، فعندما آتي لأتخذ قرارا مثل الزواج, أجد نفسي أقول من أين ستنفق لو مرضت الزوجة مرضا شديدا؟ من أين ستنفق لو أنجبت أربعة أولاد؟ هل أنت قادر على إطعامهم؟ حتى أني تركت الخطبة، وأرفض الارتباط بأحد، وكذلك جاءتني فرصة للسفر ففكرت وقلت: لو حدثت مشكلة مع أحد من تلك الدولة سأحبس، وقد أتعرض للتعذيب, أو أعيش ذليلا بها؛ فرفضت السفر، كما ألاحظ أني أكذب كثيرا, وأضخم كل أعمالي، فمثلا لو أنجزت قراءة كتاب من 50 صفحة أقول بأني قرأت كتابا من 1000 صفحة في يوم، ويتكرر هذا الفعل مع كل أعمالي، فأجعل من نفسي فوق العادة، وعندما آتي للنوم أقوم بالتفكير في أمور غريبة، فإذا كان هناك شخص أحمل عليه شيئا في نفسي, فأصنع سيناريو من الأفكار، وكأنني تغلبت عليه.
يا رب أن تكونوا فهمتموني، وأن تجدوا لمشكلتي هذه حلا, أو أن تنصحوني ماذا أفعل, وهل الأمر يحتاج لمراجعة طبيب نفسي أم لا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
شكرا لك على السؤال.
من الطبيعي في هذه الأيام أن يقلق الإنسان من المستقبل وتحدياته، وما يمكن أن يأتي به في قابلات الأيام، وخاصة في الجانب الاقتصادي، وفي مثل هذه الأوقات من الأزمة الاقتصادية التي أنهكت الكثيرين، ولكن لا ننسى ما قاله الله لنا منذ أكثر من 15 قرنا، عندما قال مطمئنا عن نفقة الأولاد, وما يمكن أن يرزقنا به من الذرية، عندما قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)، أي لا تقتلوا أولادكم من فقر وقع بكم قبل وصول الأولاد؛ حيث قال تعالى إنه يرزقنا، نحن الفقراء وأولادنا معنا.
وقال أيضا مشيرا للمستقبل: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم)، أي لا تقتلوا أولادكم خشية أن يأتوا لكم عند ولادتهم بالفقر؛ فالله يرزقنا برزق هؤلاء الأولاد أولا، ونحن معهم، ولعلك تلاحظ الفرق الدقيق بين الآيتين الكريمتين.
لا أدري لماذا أنت تميل إلى توقع أسوء ما يمكن من احتمالات المستقبل، ولعل هذا له علاقة بتربيتك والخبرات الحياتية التي مررت بها في حياتك وطفولتك، وفي بعض هذا التفكير في الاحتمالات السلبية بعض الفائدة؛ حيث تحضر نفسك لكل الاحتمالات، ومنها طبعا الاحتمالات السلبية، ولكن حاول أن تضيف لهذه الاحتمالات الاحتمالات الإيجابية، بحيث تحقق التوازن المطلوب بين الجوانب السلبية والإيجابية، وهذا طبعا من الاعتدال، وخير الأمور الوسط.
ولعل مبالغتك في تعظيم أمورك وإنجازاتك، كما ذكرت أن قراءة 50 صفحة تجعلها 1000 صفحة، فلعل هذا أيضا مرتبط بتاريخ تربيتك، وربما لرغبتك في تحقيق أكثر مما تحققه في حياتك، وهذا ما يعكس طموحاتك وآمالك الكبيرة، وهذا بحد ذاته أمر طيب؛ ولذلك فأنت تحاول التعويض عن هذا الفرق بين الحقيقة والطموحات والآمال.
ولا تقلق فنظرتك هذه, وميلك للمبالغة في الأمور ستتعدل خلال الوقت، ومن خلال تجاربك في الحياة، فستصبح نظرتك للأمور أكثر واقعية، وخاصة أنك في ال 25 من العمر، فما هي إلا فترة قصيرة حتى تصبح ميولك وآمالك أقرب للواقع والحقيقة، وليس هذا فقط، وإنما قد تصل لمرحلة تتواضع فيها، فتنقص من حجم العمل الذي تقوم به، فقد تقرأ 1000 صفحة فتجعل منها ليس 50 صفحة، فهذا شيء مبالغ فيه، وإنما قد تجعلها 900 صفحة أو قريبا من هذا.
وفقك الله ويسر لك الخير.