السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحقيقة لدي عدة أسئلة، وأتمنى منكم الإجابة عنها إن استطعتم، وهي:
قبل خلق الله تعالى للكون هل كان الله وحيدا؟ وعندما خلق الكون هل خلقه الله من العدم أم كان هناك مواد عنده؟ وعندما خلق الكون هل كان مجرد فكرة لله تعالى؟
وسؤالي الأخير: أريد منكم الرد عليه لأنه شبهة، الرد على من يقول: إن الله قبل خلق الكون وأي مخلوق آخر، وعندما كان وحيدا كان لا فائدة منه -والعياذ بالله- لأنه إله من غير مخلوقات -سبحان الله عما يصفون- فما هو ردكم على هذه الشبهات؛ لأني عندما كنت أتصفح الشبكة ودخلت إلى تلك المنتديات اللعينة وجعلت تنخر قلبي, وتسبب لي ضيق الصدر.
أرجو منكم الإجابة, وإن كانت أسئلتي كثيرة.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإيمان الصادق, وأن يثبتنا عليه.
ما ذكرته -أيها الولد الحبيب- من الشبهات هي أقل من أن تحتاج إلى جواب عنها، والجواب سهل يسير يمكن أن نقربه لك في نقطتين:
النقطة الأولى: أن نقول لهذا المحاضر المورد للشبهة: هل أنت أولا ممن يؤمن بالله تعالى؟ فإذا كان يؤمن بوجوده سبحانه وتعالى وباتصافه بالصفات اللائقة به ربا وإلها، فحينها يناقش فيما يورده من هذه الشبهات.
أما إذا كان لا يؤمن بالله تعالى أصلا فإن الحديث معه من لون آخر، وسيكون الحديث معه عن إثبات وجود الباري سبحانه وتعالى الخالق لهذا الكون، والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى، فهي بعدد المخلوقات، فكل مخلوق صغيرا كان أو كبيرا يدل على الخالق سبحانه وتعالى؛ فإن العدم لا يفعل شيئا، فما دام المخلوق موجودا فإنه لابد له من موجد، فلكل فعل فاعل، وهذا الكون شاهد على خالقه سبحانه وتعالى، وهو أيضا شاهد على صفات هذا الخالق من العلم والقدرة والحكمة، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
وهذا النوع من التفكر -أيها الولد الحبيب- هو التفكر النافع الذي يعود على الإنسان بتثبيت إيمانه, وبتعريفه بصفات ربه، وقد صدق أبو نواس حين قال:
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قبض الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
فالتفكر في مخلوقات الله, في عظمتها ودقتها وإحكامها, ونحو ذلك هو التفكر النافع، ولهذا دعانا الله تعالى في كتابه إلى هذا النوع من التفكر، والتفكر في المخلوقات هو المتعين على الإنسان العاقل، أما التفكر في الخالق سبحانه وتعالى فإنه مما يجر الإنسان إلى الهلاك؛ لأن المخلوق لا يمكن أبدا أن يحيط علما بالخالق، فقد قال سبحانه وتعالى: {ولا يحيطون به علما}.
فالحذر -أيها الولد الحبيب- من أن تسمح لنفسك بأن تجري وراء هذا النوع من التفكر والخيال؛ فإن العقل البشري عاجز عن أن يتصور كل شيء، ويوضح هذا بالمثال البسيط، وهو أنك لو حدثت الناس قبل مائتي سنة مثلا أن الرجل سيتحدث من مشرق الأرض مع رجل آخر في مغربها عبر قطعة من الحديد, وينظر أحدهم إلى صورة الآخر فإنهم سيكذبونك في ذلك الوقت؛ لأن العقول لا تستطيع أن تتصور الشيء الذي لم تره, ولم تر له مثيلا، ومن ثم لا يصح أبدا أن نجعل من العقول البشرية وما تتخيله وتتوهمه ميزانا نعرف به العقائد الصحيحة من غير الصحيحة، إنما العقول تدلنا على وجود الباري سبحانه وتعالى، وبها نعرف صدق الأنبياء والرسل -عليهم السلام- الذين يقررون عن الله سبحانه، فإذا ثبت هذا لدينا وجب علينا بعد ذلك أن نؤمن بما جاءتنا به هذه الرسل، وبما أخبرنا الله تعالى به في كتابه.
ومما أخبرنا به رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم – أن الله سبحانه وتعالى كان ولم يكن شيء قبله، فقد كان سبحانه وتعالى قبل كل شيء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أنت الأول فليس قبلك شيء) فالله عز وجل هو الأول، ولكنه سبحانه وتعالى فعال، خالق، فعال لما يريد, يخلق ما يشاء، فنحن نؤمن بأنه سبحانه وتعالى لم يزل فعالا، وأنه لم يأت عليه حين هو معطل من صفاته سبحانه وتعالى، فهو لم يزل سبحانه وتعالى فعالا كما أخبر في كتابه الكريم، ولكن هنا قد تضيق بالعقول البشرية المداخل، فنقول لهذا العقل: (حسبك أن تقف حيث أوقفك الله تعالى، ولا تطمع في أن تدرك ما لا قدرة لك على إدراكه)، وهذا شأن العقل البشري على الدوام، وستظل هذه العقول قاصرة عاجزة، وكل يوم يثبت لنا هذه الحقيقة، وكل يوم نطلع على أشياء, ويرى الإنسان أشياء كان بالأمس لا يستطيع أن يتخيلها أو يتصورها، وهذا يدل على قصر العقل البشري.
فنصيحتنا لك -أيها الحبيب- في هذه العجالة أن تنصرف عن هذا النوع من التفكير، وأن تتفكر في مخلوقات الله، وأن تكثر من مطالعة الإعجاز العلمي الذي أثبت دقة هذا القرآن وما فيه من علوم, وأنه تنزيل من حكيم حميد.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإيمان الصادق.