ما الفرق بين السحر والكرامة والفراسة؟

0 559

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تصالح أهالي منطقتي على تسمية شخص يعيش بينهم بالولي! وبلغ تقدير واحترام هذا الرجل عندهم مبلغا عظيما، لدرجة أنه وبدل الاستدلال على قولهم بقول الله ورسوله الكريم تراهم يقولون قال فلان! ومن جملة الأمور التي يتناقلونها فيما بينهم عن هذا الرجل أنه صاحب كرامات، ومنها معرفة ما يدور في مكان غير مكانه، وفتح الأبواب المغلقة، وغيرها.

بعد أن قرأت عن الصوفية أدركت أن هذا الرجل صوفي، وبدأت الشكوك تراودني بشأنه، لا سيما بعد أن عرفت الصلة الوثيقة بين الصوفية والسحر، وعندما واجهت أحدهم بأن فلانا هو ساحر أنكر علي ذلك، وقال أنه صاحب فراسة وحسب.

السؤال: ما قولكم فيما تقدم عموما؟ وما الفرق بين السحر والكرامة والفراسة؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب.

أما السحر فهو التأثير على بدن المسحور أو عقله بالأشياء اللطيفة، وقد يكون بتعاويذ ورقى الساحر، وقد يكون بأدوية وعقاقير يؤثر بها على المسحور، وكله حرام بنص كتاب الله تعالى وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم – ومنه ما هو كفر.

وأما الكرامة: فالمقصود بها الأمور الخارقة للعادة، المخالفة لها، التي يجريها الله عز وجل لبعض أوليائه وأحبابه. وقد حصلت كثيرا لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ومن بعدهم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – كثيرا منها في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) فقد مشى بعض الصحابة على الماء بخيولهم، وأحيا الله تعالى خيلا مات لآخر حتى وصل إلى بيته، ثم مات ثانية، ونحو ذلك من الأمور الخارقة للعادة التي يجريها الله عز وجل لبعض الناس، ولكن هذه الخوارق ليست مقياسا لمعرفة صلاح الإنسان وولايته لله تعالى، فقد يجري الله عز وجل بعض الخوارق أو بعض الأمور الغريبة على أيدي بعض الناس الفساق استدراجا لهم وليس لكرامتهم، ولا لحب الله تعالى لهم، ولكن الشارع أمرنا بأن نرجع إلى معرفة الإنسان وكونه من أولياء الله أو بخلاف ذلك إلى أعماله وصفاته، هل هو ممن يلتزم بالشرع في ظاهر أحواله، أم هو بخلاف ذلك.

وأما الفراسة فالمقصود بها: نور يقذفه الله تعالى في قلب الإنسان يستطيع به التوصل إلى معرفة بعض الأمور، من خلال النظر في الأمارات والقرائن الدالة عليها، وقد كثر التفرس في الصالحين من عهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فمن بعدهم، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – أكثرهم فراسة.

وهذه كلها أيها الحبيب (الفراسة والكرامة) كلها لا تكون أحوال مرضية إلا إذا كانت صادرة عن شخص استقام على شرع الله تعالى ودينه ظاهرا وباطنا، وإلا فهو استدراج من الله تعالى يستدرج به بعض الناس، ولذلك ما يحصل لكثير من العوام من اعتقادهم أن الشخص ولي لله تعالى، لظهور شيء من هذه الخوارق على يديه اعتقادا فاسدا، وقد نبه العلماء قديما وحديثا إلى هذا وحذروا العوام من ذلك، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – وهو يتكلم عن العوام، قال: " تجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل: أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم أو حال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – وموافقته لأمره ونهيه، وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور... " إلى آخر كلامه - رحمه الله تعالى - .

فهذا هو المقياس الذي يعرف به الإنسان هل هو من أولياء الله أو بخلاف ذلك، فإذا صدرت هذه الأمور ممن عرف حاله واستقامته ومتابعته لدين الله والتزامه بدين الرسول - صلى الله عليه وسلم – فهذه كرامات من الله تعالى دالة على أن هذا الإنسان من أولياء الله، وإلا فإنها من الأحوال الشيطانية التي تستدرج بها الشياطين بعض الناس، فربما تقوم لهم بعض الأعمال حتى يغتر بهم السذج من العوام، وعلى المسلم أن يحذر من ذلك كله.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أوليائه الذين قال فيهم: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة}.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات