السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة في التاسعة عشر من عمري، كلما أصلي أشعر أن الصلاة ثقيلة علي، ولا أستطيع الصلاة! منذ أن كان عمري خمس عشرة سنة، كانت صديقتي مثلي لا تصلي، كنت أتكلم عن الصلاة والعذاب يوم القيامة مع صديقتي، وبعد أسبوع من هذا أصبحت صديقتي تصلي ولا تترك فرضا، أما أنا فبقيت إلى يومنا هذا لا أستطيع الصلاة!
قالت لي: إن أردت أن لا تتركي أي فرض عند سماع الأذان صلي، ولكني جربت ولم تنفع معي هذه الطريقة.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زخات الأمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
فإنا نقول لابنتنا الكريمة: إن الكريم الوهاب الذي هدى صديقتك سيهديك -بإذن الله- تبارك وتعالى، فتوجهي إليه تبارك وتعالى، واعلمي أن الله تبارك وتعالى هو المعين الذي ينبغي أن يستعين به المؤمن وتستعين به المؤمنة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وتذكري أن الذي وفقك بالأمس سيوفقك اليوم، وأن الذي هدى صديقتك إلى الصلاة سيهديك لها بحوله وفضله ومنه، فالجئي إلى الله تبارك وتعالى، فإنه موفق لكل خير.
واعلمي أن الإنسان إذا وجد ثقلا وتكاسلا في الصلاة ينبغي أن يراجع نفسه، ويستغفر من الذنوب، فإن الذنوب تقيد الإنسان وتحول بينه وبين طاعة الملك الديان سبحانه وتعالى، فأكثري من الاستغفار واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، واحرصي كذلك على أن تذكري نفسك بأهمية الصلاة؛ لأنها ركن الإسلام الركين، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف).
قال ابن القيم: إن كانت شغلته عن الصلاة رياسته حشر مع فرعون، أو شغلته وزارته حشر مع هامان، أو شغلته عن الصلاة تجارته أو أمواله حشر مع قارون، أو شغلته عن الصلاة إدارة أعماله حشر مع أبي بن خلف - عياذا بالله-!
ولذلك ينبغي أن تعرفي أن المحافظة على الصلاة هي الأساس، وأن هذه الصلاة كان فيها قرة عين للنبي – عليه صلوات الله وسلامه – وكان يحافظ عليها، بل كان يجد فيها راحته، فكان يقول (أرحنا بها يا بلال) وكان الصحابة أيضا إذا حزبهم أمر فزعوا إلى الصلاة فيجدوا فيها راحتهم وطمأنينتهم، وأنت ممن صلت وعرفت حلاوة الصلاة، فاستعيني بالله تبارك وتعالى وتوكلي عليه ولا تيأسي، وتعوذي بالله من هذا الشيطان الذي يريدك أن تسوفي في الصلاة، واعلمي أننا قد طلب منا أن نخالف هذا العدو: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا...}.
ومن الأشياء المفيدة أيضا ما ذكرته هذه الصديقة من المبادرة إلى الصلاة، ونحن أيضا نزيد على ذلك فنقول: ينبغي قبل الصلاة أن تتجهزي لها، وأن تأتي قبل الصلاة بتلاوة أو نوافل راتبة، ثم بعد ذلك عليك أن تكثري من النوافل لأنها تدريب على الفرائض، وكذلك تكمل ما نقص من الفريضة، فإن الإكثار من النوافل مع الفرائض يجلب للإنسان الخشوع والحلاوة، وعندما يجد حلاوة للصلاة فإنه لن يستطيع أن يتركها بعد ذلك.
كذلك ينبغي أن ندرك أن القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها، وأن هذه الصديقة ما كانت تصلي ثم صلت، وكنت أنت ممن تنصحي لها ثم بعد ذلك تركت الصلاة، المؤمن كذلك ينبغي أن يتذكر أن الهداية من الله تبارك وتعالى الذي قال لنبيه: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} فإذا وجد الواحد منا إنسانا مقصرا ينبغي أن يدعو له ويعطف عليه ويشفق عليه، لكن نتجنب أن نسخر من العصاة؛ لأن الإنسان إذا سخر من إنسان عاص فقد يبتلى بنفس المعصية التي سخر بها من ذلك، فلا نعيب على أهل المعاصي، وإنما ندعوهم وكلنا شفقة، وكلنا رحمة، وكلنا عطف عليهم.
مما يعينك على المحافظة على الصلاة كذلك أن تكوني في رفقة صالحة تذكرك بالصلاة، تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على طاعة الله إن ذكرت.
مما يعينك على الصلاة والمحافظة عليها كذلك أن تجعلي أوقات الصلاة هي الأساس في تنظيم برنامجك اليومي، كالمذاكرة بعد الصلوات، والخروج للدراسة بعد الصلوات، والجلوس مع الأهل بعد الصلوات، تربطيها دائما فتجعلي هذه الصلاة هي المعيار؛ لأن الصلاة هي الميزان لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة، في الدنيا إذا أردنا أن ننظر في دين إنسان معين ننظر في صلاته، وفي الآخرة فأول ما يحاسب عليه الإنسان من عمله الصلاة، ولذلك كان السلف يسمون الصلاة بالميزان؛ لأنها تزن دين الإنسان وحال الإنسان في الدنيا والآخرة، ولذلك ينبغي أن تحافظي على هذه الشعيرة، واطلبي من والديك أيضا أن يشجعوك، ومن الصديقة أيضا أن تدعو الله تبارك وتعالى لك، وأن تكون على تواصل معك في أوقات الصلاة، واجعلي كذلك منبها ينبهك لأمر الصلاة.
كذلك أيضا ينبغي أن تأخذي راحة كاملة، وتفعلي أسباب النهوض لصلاة الفجر، وتجتهدي في أن تصلي الصلاة في وقتها، فإن هذا هو المطلوب من الإنسان، أن يبذل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.
مما يعين على المحافظة على الصلاة كذلك البعد عن المعاصي، فإن المعاصي تشغل الإنسان وتبعد الإنسان عن طاعة الله تبارك وتعالى.
مما يعين الإنسان على المحافظة على الصلاة الحرص كذلك على أكل الحلال من الطعام؛ لأن الطعام بذرة الفعال.
مما يعين على المحافظة على الصلاة كذلك، القراءة في أحوال السلف – عليهم من الله الرضوان – الذين حافظوا على الصلاة، وكيف أنهم أحبوا هذه العبادة، فإن القراءة عن السلف، عن الذين حافظوا على الصلاة يعين الإنسان على التأسي بهم والسير على دربهم وخطاهم، وهذا أمر ندعوك إلى الاهتمام به.
ثم عليك كذلك أن تواظبي على ذكر الله تبارك وتعالى، وتكثري من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واجعلي الصلاة من أول الأولويات، من أول الأمور الهامة عندك، فإن الإنسان إذا اهتم بقضية وجعلها أهم همومه وجد معونة عليها من الله بتوفيق منه وتأييد، فاجعلي مثلا المحافظة على الصلاة في لوحة على مكتبك، المحافظة على الصلاة مع مفاتيح السيارة مثلا، أو مفاتيح الحقيبة أو على الدولاب الخاص بك، كل شيء يمكن أن يذكرك بهذه العبادة.
بعد ذلك ينبغي أن تجعلي الصلاة أهم همومك، ونحن نشكر لك هذا الحرص، ولا شك أن هذا السؤال على حرصك على الخير ورغبتك في الانتظام والمواظبة على الصلاة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على فعل الخير وخير العمل، وأن يجعلك من أهل الصلاة الذين قال الله فيهم: {والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.
وفقك الله.