السؤال
أنا متزوجة منذ تسعة أشهر، وأعيش أنا وزوجي مع عائلته في منزل واحد، ولكن كل أخ له شقته، ويوميا منذ الصباح الباكر ننزل عند والدته، ولا أذهب إلى شقتي إلا في المساء.
المشكلة عندي أنني لا أستطيع أن أتكيف مع أسلوبهم وطريقتهم حتى في الكلام، والمعاملات، وأنا حامل، وأخشى على ما أنجبه أن يتعلم مثل هذا الأسلوب، حتى حماتي في بعض الأوقات تنهرني وتوبخني دون سبب، فماذا أصنع؟.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن ولاه.. وبعد:
فإنا نشكر ابنتنا الفاضلة تواصلها مع موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يغفر ذنبنا وذنبها، وأن يلهمنا وإياها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
نهنئها بأن هيأ الله تبارك وتعالى لها فرصة الزواج، ونهنئها كذلك بأن رزقها الله تبارك وتعالى بجنين في بطنها، ونسأل الله أن يسمعها خيرا وأن يكتب لها السلامة والتوفيق، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أما ما شكوت منه بنتي الفاضلة من كونك تعيشي مع أسرة الزوج في شقة ولكن في مكان موحد وأنك يوميا تنزلي إلى والدة زوجك لتجلسي معها منذ الصباح الباكر ثم تعودين في المساء، وأنك لم تتمكني من التأقلم مع هذا الوضع، فإنا ندعوك إلى الصبر، ثم إلى الصبر، ثم إلى تفهم هذا الواقع، فإن المرأة عندما تنتقل من بيت أبيها إلى بيت الزوجية أو ينتقل الزوج من بيت أبيه إلى بيت الزوجية، لابد أن يقدم كل طرف تنازلات، ومن الحكمة والحنكة أن تراعي الزوجة أسلوب أهل الزوج وطريقة حياتهم، وأن تحترم كبير السن فيهم وتقدرهم لأجل زوجها ولأجل استمرار تلك العلاقة.
الدين دعوة إلى أن نحترم الكبير وأن نصبر عليه، وإذا استطاعت كل زوجة أن تعتبر أم الزوج أم لها فإنها عند ذلك ستحتمل ما يصدر منها من تصرفات، وقطعا هنالك تفاوت بين الأجيال المختلفة في التصرفات، وكبار السن يحتاجوا إلى الصبر، والدين يدعونا إلى أن نوقر كبيرنا ونرحم صغيرنا ونعرف لعالمنا حقه.
رغم تفهمنا لمعاناتك إلا أنا ندعوك إلى أن تتأقلمي كما قلنا مع هذا الوضع، وأن تحسني إلى والدة الزوج، لأن الزوج الفاضل دائما الطريق إلى قلبه يمر عبر أمه، ومن واجب الزوج كذلك أن يكرمك وأن يبالغ في إكرامك لأنك تكرمين والدته وتصبري عليها وتحسني إليها، ونسأل الله أن يعينك على السداد وعلى الثبات.
أما بالنسبة للمراسيم التي يصعب عليك أن تعتادي عليها، فإنا ندعوك إلى استخدام هذا الوقت وإلى محاولة الدخول إلى حياتهم وطرح الشيء المفيد والتواضع لهم والإحسان إلى هذه الأم الكبيرة، ومعاملتها بالرفق والصبر عليها، وتجنبي ما يثير غضبها، حتى لا توبخ أو تنهى أو تنهر أو تزجر، وربما خيل لك ذلك بدون سبب، لكن الكبار لهم مراسيم ينبغي أن نراعيها ومشاعر ينبغي أن نهتم بها.
لا شك أن هذه من أصعب المعادلات حتى على الزوج حين يصعب عليه أن يوفق بين الوالدة والزوجة، واعلمي أن أم الزوج دائما ربما يكون فيها شيء من الغيرة على ولدها لأن زوجة الابن جاءت تقاسمها في حب ولدها وجيبه، ولذلك ينبغي أن نحسن إليها، وندعو كل رجل أيضا أن يبالغ في بر أمه بعد الزواج وفي الإحسان إليها ويعرف لها منزلتها وأن يقدرها أمام زوجته وأمام الناس، ولا مانع من أن يقدر زوجته ويعرف لها فضلها ويشكر لها على حسن تعاملها عندما يكونا في مكانهما الخاص وبيتهما الخاص.
إذا كان زوجك يوفر لك شقة خاصة في هذا البيت تمارسين فيها حياتك الخاصة ولو في جزء من الوقت - وهو الليل – عندما يأتي الزوج، فإن هذا الوضع يعتبر مقبولا إلى درجة كبيرة من الناحية الشرعية.
طبعا تسعة أشهر قليلة في التأقلم مع الزوج أو مع أهل الزوج من باب الأولى، قد يحتاج إلى كثير من الوقت، ولأنك تحملي الجنين في بطنك فنحن نحذرك من الهم والغم والأحزان، خاصة هذه الشهور الأخيرة من حياة الطفل عندما يصل الشهور الثلاثة الأخيرة، هي أخطر شهور في حياة الطفل، فهي الشهور التي تكتمل فيه قوة المناعة عنده وتكتمل القوة العقلية عنده في هذه الشهور الأخيرة، فاحرصي على أن تتأقلمي مع الوضع وتتفهمي مع هم فيه، واعلمي أنه يصعب عليهم أن يغيروا أسلوبهم كما يصعب عليك أن تتقبلي طريقة حياتهم، ولكن أنت الأصغر وأنت الأقدر على التغيير والتفاعل والتعامل، والمؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من المؤمنة التي لا تخالط ولا تصبر.
أنت طبعا عندما تحترمي أهل الزوج كل ذلك من أجل استمرار العلاقة مع هذا الزوج الذي اختارك من دون النساء ورضيك زوجة له، والحمد لله، الله تبارك وتعالى يوشك أن يفرحكم بمجيء طفل ليمتن ويقوي هذه العلاقة بينكما، فاجعلي هذا الجانب أقوى من الجانب السلبي، وحاولي أن تتكيفي مع الوضع، ولا تصطحبي التجارب الفاشلة، واعلمي أن كثير من الزوجات نجحن لأنهن عرفن الطريق إلى قلب أم الزوج وأخوات الزوج بالإحسان والاحترام، والشجاعة صبر ساعة، الإنسان إذا احتمل من الناس حتى الإساءة فإنه يربح في آخر الأمر ويربح في نهاية المطاف، والعاقبة عند الله تبارك وتعالى للصابرين.
إذا كنت تشعرين أن أم الزوج تنهر أو توبخ أحيانا فاعلمي أنها أم كبيرة تتعامل مع أبناء وبنات صغار، يعني هكذا يفهم هؤلاء، فلا تعطي الكلمات أكبر من حجمها، ولا تعطي التصرفات أكبر مما تستحق، وتجنبي ما يثير غضبها وما يثير توترها، وحاولي أن تعرفي الثقافة التي يعيش فيها الناس، فإن من ثقافة الإنسان أن يأخذ كل شيء بطرف، أن تتعرف المرأة على طريقة معيشة الناس فتجاريهم وتمشي معهم طالما كان الأمر ليس فيه مخالفة أو أمر يغضب الله تبارك وتعالى، وبإمكانك أن تبتكرين لنفسك برامج مفيدة، ستكوني معهم، لكن يمكن أن تنشغلي بكتاب أو تنشغلي بعمل نافع أو تؤدي مهمة تفيد الجميع، وبين الفينة والأخرى تضاحكيهم وتشاركيهم وتحاولي أن تحترمي هذه الأم الكبيرة.
الإنسان يستطيع أن يرتب نفسه، وليس الإنسان مجبرا أن يقابل إنسان من الصباح حتى المساء، وإذا كانت ثقافة المجتمع أن الزوجة تكون مع حماتها أو أم زوجها فلا تخرجي عن ذلك المألوف، لأن الخروج عن المألوف يجلب لك الأتعاب ويجلب لك كلام الناس، وقد يظنوا أنك متكبرة ومتعالية عليهم.
وأما بالنسبة لخوفك على طفلك أن يكتسب من صفاتهم، فهذا أمر مستبعد الآن، واعلمي أن الطفل سيكون أقرب الناس إلى أمه، وأنت باستطاعتك أن تشبعي عواطف هذا الطفل وتشبعيه من الحنان، وعندما سينحاز إليك باعتبارك أمه، وأيضا لا تقولي مثل هذا الكلام، فإن هذا الكلام قد يفهم منه أنهم سيئين وأن لهم صفات سيئة وأنت في غنى عن مثل هذا الكلام.
الله تبارك وتعالى سيحفظ لك هذا الطفل إذا أحسنت التعامل معه، إذا أرضعته العقيدة مع كل جرعة لبن، إذا أشبعته بالاهتمام، إذا أكملت جوانب الحنو عليه والشفقة عليه والاهتمام به، وحتى إذا كبر وجلس عند الجدة فبإمكانك أن تجتهدي في محو أي صفات سالبة يكتسبها من ذلك الجلوس مع الجدة أو مع الخالات أو مع غيرهم.
أنت الآن تفكري في أمر لم يحصل، والأمور بيد الله تبارك وتعالى، وتستطيعي أن ترتبي وضعك إن شاء الله بعد أن يكتب الله تبارك وتعالى لك السلامة والعافية، وكما قلنا حتى في وجودك معهم حاولي أن تتفاعلي معهم، ثم حاولي أن تطرحي أشياء مفيدة، أن تقرئي حديث لهم، أن تذكري الله تبارك وتعالى بجوارهم، لأن في الدين غنية، الدين فيه علاج لكل أزمات الناس، والإنسان يستطيع أن يستخدم ذلك الوقت فيما يعود عليه بالفائدة.
نسأل الله أن يوفق شبابنا وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.