السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ترددت مليا قبل الكتابة إليكم في موضوع أصبح يؤرقني كثيرا، وزاد في تعكير الجو بيني وبين زوجتي، لقد أصبحت كثير الشرود من فرط تفكيري فيه.
لقد راودتني شكوك سابقا أن زوجتي تستغل ثقتي فيها بالأخذ من مبلغ مالي الموجود بالبيت، أسحب منه عند الحاجة، وأضيف إليه أحيانا من دون عد ولا تدقيق، لقد كنت أعتقد أنها لا تجرؤ على الأخذ منه، لأنه مبلغ ليس من ضمن مصروف البيت، فهي مطالبة فقط بإعداد قائمة الحاجيات أسبوعيا، وعلي القيام بكل المشتريات، إلى أن تأكدت مؤخرا بما لا يدع مجالا للشك أنها سحبت من ذلك المبلغ قيمة تكفي البيت لمدة نصف شهر، وبذلك أصبحت شكوكي السابقة مؤكدة.
لم أجرؤ على مفاتحتها في الموضوع، رغم مرور أسبوعين على الحادثة، وقد أصبح باديا تغير مزاجي، ولعلها أحست أنني اكتشفت ما كانت تخبئ منذ فترة، إلا أنني أعتقد أن مجرد كلامي معها في موضوع مثل هذا ينهي كل شيء، كيف يمكنني القول لمن توسمت فيها خيرا، ومن أعتبرها مربية أبنائي "لقد اكتشفت أنك سارقة"!
أرسل إليكم بأمري هذا، لعلي أجد من الإخوة من يشير علي برأي صائب، لأني أخشى أن لا أحسن التصرف، في هذا الموضوع الحساس، قد يعتبره البعض أمرا غير ذي بال، لكنني وبكل صراحة لم أستسغه إلى حد الساعة، لو بادرت بالاعتذار سأسامحها، فكل البشر معرضون للخطأ، إلا أنها ما زالت تكابر رغم علمها أنني أدركت الأمر، وأصبحت مطلعا عليه.
لي من زوجتي بنت ولد ونحن في انتظار المولود الثالث، رزقنا الله من الصالحين، لعل لهذا السبب أيضا لم أجرؤ على مفاتحتها بالموضوع خشية عليها وعلى حملها .
غفر الله لي ولها ولكم وجازاكم كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إدريس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
مرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب.
نحن نبدأ من حيث انتهيت بدعوتك لهذه المرأة بالمغفرة، وهذا دليل على حسن خلقك، وتعاملك مع الأمور بموضوعية، فإن كل إنسان معرض لأن يخطئ ويقع في الذنب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (كل بني آدم خطاء) وينبغي أن تبني معاملتك مع زوجتك أيها الحبيب بالمسامحة والعفو، وإن كانت قد أخذت ما لا يحل لها من مالك، فإنها إذا كانت تصلها النفقة الكافية لها بحسب العرف فلا يجوز لها أن تأخذ شيئا من مال زوجها إلا برضاه، ولكن إذا وقع الأمر بخلاف ذلك فإنها زلة منها، (والمفهوم منه أنك إذا كنت مقترا عليها فيجوز لها الأخذ فقط بقدر الحاجة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي قالت له إن زوجي له مال ولكنه شحيح علي وعلى ولده، فهل آخذ من ماله بغير إذنه؟ (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
نحن ننصحك أيها الحبيب، بأن تبحث عن البواعث التي دعتها إلى هذا السلوك، فربما يكون لها حاجات أنت لم تشعر بها، فأرادت أن تقضي هذه الحاجات، فحاول أنت أن تكون عونا لها على الخير، ولا تكن عونا للشيطان عليها، فإن كانت لها حاجات فحاول أن تقضي لها من الحاجات ما تريده، وعدها في قضاء ما لا تستطيع على قضائه مستقبلا بمشيئة الله تعالى، ونحو ذلك، ونحن نظن أنها إذا وجدت هذا النوع من المعاملة لن تجد داعيا يدعوها إلى أن تتقحم هذه المشقة، وتركب الصعب والذلول من أجل أن تحصل على المال.
هناك أمر في غاية الأهمية أيها الحبيب وهو محاولة تقوية إيمان الزوجة بحيث يكون الرقيب عليها ذاتيا – أي من داخلها – فترعى حدود الله تعالى وتجتنب معاصيه، وهذا سيكون له أعظم الأثر على سلوكها في شتى جوانب حياتها، ومن ثم فنحن ندعوك أيها الحبيب إلى التغاضي عن هذه الزلة التي وقعت فيها الزوجة، ولا تحاول تقريرها بذلك، فإن العفو والصفح والتغافل خير من المصارحة في هذه المواقف، لاسيما إذا رجوت صلاحا في زوجتك، وقد قال الشاعر: (ليس الغبي بسيد في قومه، لكن سيد قومه المتغابي).
كثير من المواقف ينفع فيها التغابي وغض الطرف، وأن يحاول الإنسان أن يظهر بمظهر من لا يشعر، لكن مع الأخذ بجد وحزم في معالجة أسباب السلوك الخاطئ، وتجنيب الآخر الوقوع فيه مرة ثانية، وبهذا ستقدم خيرا لزوجتك أيها الحبيب، وستحفظ أسرتك أيضا من التصدع ووجود النفرة، وتذكر دائما أيها الحبيب بأن كل شيء تقدمه لزوجتك فإنه مما تؤجر عليه، إذا كنت تبتغي به وجه الله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في في امرأتك).
ينبغي أيضا أيها الحبيب أن تلتمس المعاذير لهذه الزوجة، وأن تظن بها الظن الحسن، فربما دفعها إلى أخذها هذه الأموال كون هذه الأموال لزوجها، ولو كان أجنبيا لما فعلت هذا، ولما اعتدت على مال غير زوجها، فربما أحسنت الظن، وربما وجد الشيطان سبيلا وطريقا لتزيين هذا المنكر لها، بهذا النوع من المعاذير، فحاول أن تجد لها المبررات التي دعتها إلى فعل هذا حتى لا تجد في قلبك النفرة والبغض لها.
في الجملة أيها الحبيب: ما منا من أحد إلا وله ذنوب وله حسنات، ولكن القاعدة أن من غلبت حسناته سيئاته ذهبت تلك السيئات في بحار الحسنات، فينبغي أن تكون دقيقا في توصيف حال زوجتك حتى لا تصاب بالنفرة منها، وتستحكم الوحشة بينكما لأمر لا يقتضي ذلك.
نؤكد ثانية أيها الحبيب على أهمية السعي الجاد في محاولة رفع المستوى الإيماني لدى الزوجة، من خلال حثها على المحافظة على الصلوات، وسماعها للمواعظ التي تذكرها بالله والدار الآخرة، ونحو ذلك من الأمور الإيمانية التي من شأنها تحي القلب، فإذا صلح القلب صلحت سائر الأعمال.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي زوجتك، وأن يصلح ما بينكما، ويديم الألفة بينكما.