السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة، عمري 50 سنة، متزوجة من رجل عمره 80 سنة، غريب الطباع، يطلب حقوقه دون أن يعطي زوجته أي حق، ولقد تزوج من قبلي مرتين وطلق؛ لأنه مريض بالشك، وبخيل، أول ما تزوجته كان عنده بقالة، والله إني أمسي وأصبح جائعة!
يأتيني برغيف الساعة واحدة ظهرا، ورغيف الساعة العاشرة مساء، وياليت رغيفا حارا، وإنما يأتي بالرغيف البايت، وما معه أي شيء، وكثيرا ما يدخل البيت ولا يسلم علي، ويختلق المشاكل، وإذا طبخت له يتهمني بوضع سم خاص فيه، وإذا غسلت ملابسه يقول: أني أشققها، وأغتال غنمه، ويقفل الغرف ويتهمني بخلعها، وأشياء كثيرة.. عندنا ولد وأربع بنات، مرتان تركني ألد في البيت ورفض أذهب للمستشفى.
ولا يتركني أستحم إلا يوم الجمعة فقط، ويحرمني من الخروج من البيت، لنا مع بعض 24 سنة، أقسم بالله لم ألبس لبسا من عنده! وإذا طلبته يحلف: (لو تبغين نص واحد ما أعطيك!).
وأنا صابرة بسبب ألا أفارق أولادي، ومحتسبة الأجر من الله عز وجل.
فهل علي إثم إن قصرت في شيء من واجباته؟ مع العلم أن رضاه مستحيل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شوق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب.
لقد أحسنت غاية الإحسان بصبرك على زوجك هذه المدة على ما بدر منه من تقصير في حقوقك المادية والمعنوية، وكوني على ثقة أيتها الكريمة بأن هذا الصبر لن يضيع سدى، فإن الله عز وجل يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، كما أخبر بذلك في كتابه الكريم، وأنت حققت بصبرك الشيء الكثير أيتها الكريمة، فقد حافظت على أسرتك، وحافظت على أولادك من الشتات والضياع، وهذا معروف كبير قدمته لأبنائك، ونحن على ثقة بأن الله عز وجل لن يضيع أجرك.
وما كان ينبغي لهذا الزوج أبدا أن يتخلق بهذا الخلق الذميم، ويتعامل معك بهذه المعاملة، فإن من حقك عليه كما أوصى بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – فقد كان من وصاياه العظيمة التي أعلنها أمام أكبر تجمع للصحابة في حجة الوداع يوم عرفة أن أوصاهم - صلى الله عليه وسلم – وأوصى الأمة من ورائهم بالإحسان إلى النساء، فقال عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم – وهو يبين حقوق المرأة على زوجها، قال: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
فهذا من أبسط الحقوق التي يجب أن تؤدى للزوجة، بغير عنت ولا مشقة تبذلها في سبيل الوصول إلى هذا الحق، النفقة بالمعروف والكسوة بالمعروف، والنفقة الشاملة للمطعم والمشرب والمسكن، والكسوة أيضا بالمعروف، أي بما يتعارف الناس بمثله لمثلها، فهذا واجب عليه أن يؤديه لزوجته دون إعناتها وإتعابها للوصول إلى هذا الحق، والله عز وجل سائل كل واحد منا عن أمانته التي استرعاه إياها، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، كما أخبر بذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا الزوج محتاج إلى من ينصحه ويوصل إليه هذه الحقائق برفق ولين، لعله أن يتعظ فينتهي عن هذا الخلق الذي يمارسه والتقصير الذي يقع فيه، فإذا تحينت الأوقات المناسبة أيتها الكريمة وأسمعته بعض المواعظ التي فيها ذكر حقوق الزوجين فيما بينهما وأداء الحقوق إلى أهلها، فلعله أن ينفعه ذلك، ولكن في الإجمال أنت مأجورة على صبرك، ونحن نوصيك بأن تديمي هذا الصبر وتثبتي عليه، ولن تجني من ورائه إلا خيرا، فقد قال الشاعر: (والصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل).
وأما هل يجوز لك أن تقصري في شيء من واجباتك عليك لزوجك؟ فالجواب أنه إذا كان الزوج يمنع الزوجة حقها في النفقة فإن من حقها الشرعي أن ترفع أمرها إلى القاضي ليأمره أن ينفق عليها أو يطلقها، وإذا رضيت المرأة بالبقاء مع الزوج مع منعه للنفقة الواجبة عليه فإنه يجوز لها أن تمتنع من الاستمتاع، ما دام هو مصر على الامتناع من النفقة، وبهذا صرح بعض الفقهاء كما قال فقهاء الشافعية وغيرهم وهم يتكلمون عن المرأة إذا أعسر زوجها بالنفقة، فقد قالوا: وإن اختارت المقام بعد الإعسار لم يلزمها تمكينه من الاستمتاع.
هذا من حيث الحكم الشرعي، فلا يلحقك إثم إذا كان الزوج يمتنع عن حقك في النفقة الشاملة كما قلنا للمطعم وللمشرب والملبس، ولكنا لا ننصحك أيتها الكريمة بسلوك هذا الطريق، فإن السماحة سبب لطيب العيش، والعفو والتجاوز سبب لإصلاح أخطاء الآخرين، وقد عد النبي - صلى الله عليه وسلم – من نساء الجنة المرأة التي إذا آذت أو أوذيت جاءت فوضعت يدها في يد زوجها وقالت: لا أذوق غمضا حتى ترضى.
فصبرك على زوجك مع إساءته وإيذائه لك سبب لأن تتبوئي به أعلى المنازل في الجنة، فتذكري دوما هذا الثواب، وحاولي أن تجتهدي في نصح الزوج، مع قيامك بحقوقه وأدائك لها، وسيعوضك الله عز وجل خيرا مما ذهب منك.
نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يمدك بالصبر، وأن يتولاك بالعون والتوفيق!