السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 29 سنة، أعمل ممرضة، كان دائما هدفي في الحياة الدراسة ودخول اختصاص جيد في الجامعة، و فعلا تحقق لي هذا، والتحقت بتخصص الهندسة المدنية بعد تحصلي على البكالوريا، لكن والحمد لله على كل حال لم أستطع النجاح؛ بسبب مشاكل عائلية ونفسية غيرت بعدها لتخصص أسهل وأكملت دراستي بعد عدة تعثرات.
اشتغلت سنتين ورجعت درست تمريض، لكن لم أكن أبدا راضية عن نفسي، وصار الآن عندي رغبة ملحة وفكرة تسيطر علي وهي أن أدرس طب، فهل أحاول تجسيد هذا الطموح و الأمنية بالرغم من صعوبة التخصص؟ وصعوبة التوفيق بين العمل والجامعة؟ علما أن هذه الأخيرة بعيدة عن محل إقامتي، يعني الموضوع في مجمله صعب، أم أرضى بما أنا عليه الآن.
وبالنسبة للزواج، هل أنسى فكرة الارتباط إذا رجعت للدراسة؟ أملي أن أحصل على النصح والتشجيع.
تحياتي، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ mehdia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.. وبعد:
فإننا بداية نشكر لابنتنا تواصلها مع موقعها، ونثني على طموحها العالي ورغبتها في مواصلة الدراسة، ونسأل الله أن يبلغها ما تريد من الخير، وأن يقدر لها الخير، ثم يرضيها به، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونريد أن نقول أنت في نعمة الآن ولله الحمد، وتعملين، فاشكري هذه النعمة، واجعلي من شكرك للنعمة ميدانا وسببا للمزيد، فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}، فاشكري الله تبارك وتعالى على ما أولاك من نعم وعلى ما أحيا في نفسك من رغبة في الدراسة، ثم عليك كذلك أن تكوني راضية بقضاء الله وقدره عن تلك العقبات التي حصلت في حياتك، فإن الأمور تجري بقضاء وقدر، والمؤمن عليه أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويوقن أن الخير في الذي اختاره الله تبارك وتعالى له.
ونتمنى دائما إذا كنت في دراسة أو عمل أن لا تدخلي كل الأمور مع بعضها، فالإنسان ينبغي أن يعطي كل مشكلة حجمها وحظها من الاهتمام، أما إذا حاول الإنسان أن يدخل مشاكل البيت في العمل، أو يدخل مشاكل العمل في البيت؛ فإن هذا قد يعقد عليه مسألة النجاح في أعماله، وقد يؤثر على أدائه في وظيفته أو في دراسته.
مسألة هذه الرغبة الجديدة في دراسة الطب قطعا هي رغبة جيدة، ومجال النساء بحاجة إليه، وسينفع الله تبارك وتعالى بك، وستكونين أيضا طبيبة متميزة، لأن لك خبرة في عالم التمريض والتعامل مع الطبيبات من قبل، كذلك التعامل مع المرضى، ولكن هذه المسألة ينبغي أن تنظر بنظرة شاملة، فلو أردنا أن نسأل هل الأسرة بحاجة إليك؟ هل أنت بحاجة للمال الذي تجدينه من وراء هذه الدراسة؟ إذا كان المكان بعيدا فما هي إمكانيات الاستقرار في الدراسة أو الفرص المتاحة، الأمر الثاني: هل هناك خطاب الآن على الساحة، أم أنك تتوقعين مجيء خطاب؟
تحديد هذه الأمور والإجابة عن هذه الأسئلة من الأهمية بمكان، لأنها ستساعدك أنت في اتخاذ قرار صحيح، وتعيننا نحن أيضا في إعطاء إجابة وافية، وعلى كل حال أرج وأن تنظري في هذه الأسئلة التي ذكرناها وفي غيرها من الأسئلة، حتى تكون النظرة بموضوعية وبطريقة شاملة.
مهم جدا أن ينظر الإنسان بدايات الطريق إلى نهايته، أن ينظر المؤثرات الخارجية ويتوقع بعد ذلك الأشياء التي يمكن أن تحدث، وقبل ذلك وبعده لابد أن نتوكل على الله تبارك وتعالى، لأن الله هو الموفق وهو المستعان وعليه التكلان سبحانه وتعالى.
فالأمنية صعبة، ودائما الصعود إلى المعالي صعب، ولابد دون الشهد من إبر النحل - كما قال الشاعر – فالمسألة معروف أن أي طموح كبير يحتاج إلى مجهودات كبيرة، وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام.
وأيضا لابد أن تدركي أن مسألة الزواج ليس من الضروري أن تكون عائقة للدراسة، فإذا كان هذا الخاطب الذي تقدم موافق ومهتم بالدراسة، وكان هو أصلا من أهل العلم فإن هذا سيكون عونا لك على مواصلة مشوار الدراسة مع مشوار حياتك الأسرية التي نحسب ونعتقد بل نوقن أنها إستراتيجية وهامة لكل امرأة، فالمرأة مهما بلغت من المنازل والوظائف ومهما نالت من شهادات هي في النهاية بحاجة إلى أسرة، إلى تكوين بيت، من أجل أن تشبع حاجتها إلى الأمومة، من أجل أن تقدم خدمات مزدوجة لهذا المجتمع المسلم، فإن المرأة تخدم دينها بنفسها وتخدم دينها بالصالحين والصالحات الذين تخرجهم لخدمة المجتمع.
فإذن أن تفكري معنا، انظري في الأسئلة التي طرحناها، حاولي أن تستخيري الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان المسلم إذا تحير فإنه يلجأ إلى الاستخارة، والتي كان السلف يحرصون عليها، بل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم – يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، وأرجو أن لا تجعلي كذلك مسألة الزواج وهذه كالنقيضين، فعندنا تجارب كثيرة للمتزوجات أكملن الدراسة، بل أمهات عدن إلى الدراسة مع الأبناء والبنات، وأكملن حتى وصلن إلى أعلى الدرجات العلمية، وهذا الذي نريده.
لأننا لا نريد أن يتأخر الزواج على حساب الدراسة، ولا نريد أن تضحي بهذا الطموح من أجل انتظارك لزوج لا تعرفين سيأتي غدا أو بعد غد أو بعد سنة، أو لا تدرين في أي وقت يأتي فيه، وعلى كل حال إذا خطب الشاب امرأة فإنه ينظر إلى هذه الأمور، هناك كثير من الناس عندهم استعداد في أن تواصل زوجته الدراسة وفي أن يواصل هو أيضا الدراسة، وأيضا انظري إلى النواحي المادية وحاجة الأسرة والوضع، فالنظرة الشاملة ستعطي إن شاء الله قرارا صائبا بإذن الله تبارك و تعالى.
فنصيحتي لك هو أن تستمري على هذا الطموح، وأن لا تقبلي أن تعيشي في وظيفة معينة طالما كان هناك أفضل منها متاحة لك، وإذا كنت قادرة ولله الحمد على تقديم خدمات جليلة لمجتمعك، ولأمتك وللنساء في هذا المجال فليس هناك ما يمنع من مواصلة الدراسة، واعلمي أن رغبة الإنسان في نيل أي علم تعتبر أهم عوامل النجاح.
ووصيتنا لك أن تجعلي هذا الطلب للعلم والعمل الذي تقومين به لوجه الله تبارك وتعالى، فعليك بالإخلاص، وأرجو كذلك أن تتمسكي بدينك، وتراعي الضوابط الشرعية في وظيفتك وفي دراستك، لأن هذا هو الذي ينبغي أن يراعيه المسلم، فإن الله كتب لنا هذه الأرزاق، والموفق هو الذي يسعى لنيل رزقه بأمر ليس فيه معصية أو مخالفة لأمر الله تبارك وتعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك للخير، وسنكون سعداء إذا تواصلت مع الموقع، وبمزيد من الإضافات، حتى نستطيع أن نصل إلى القرار الصائب بحول الله وقوته.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.