السؤال
السلام عليكم.
أنا متزوجة منذ سنة ونصف، وأعاني كثيرا من التعاسة؛ حيث أنني أشعر بأن لا قيمة لي بسبب تدخلات أم زوجي أللا متناهية، أنا تعبت كثيرا، ولا أعرف ما الحل؟ تتدخل في كل شيء، في أكلي ونومي، وخروجي، ومظهري، وعلاقتي بأهلي، وحتى بعلاقتي الخاصة مع زوجي، والمصيبة أن زوجي لا يرى أن في ذلك خطأ! ويلومني لأني أفكر بهذه الطريقة!
أنا لا أمتلك الحق في عمل أي شيء، رغم أن لي شقة خاصة بي، لكنها تتدخل في كل شيء، وتفتش في أغراضي، ولا تريد أن يزورني أهلي في شقتي!
أرجوكم ساعدوني، والله إني أكتب والدموع تنهمر من عيني، والمشكلة أن زوجي سلبي، ولا يساندني في أي شيء، وأنا لا أريد أن أخسره، ساعدوني ماذا أفعل؟ هل أترك البيت أم ماذا؟ لأن كل طرق الحديث معه لا تأتي بفائدة، أريد أن أشعر بوجودي واستقلاليتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دعاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.. وبعد:
بداية نشكر لابنتنا الفاضلة تواصلها مع موقعها، ونسأل الله أن يسعدها في الدنيا وفي الآخرة، وأن يلهمها السداد والرشاد، وهو ولي ذلك والقادر عليه.
وأرجو أن أقول لابنتنا الكريمة: إن السعادة لا يمكن أن تنال بسهولة، وهي ليست من الأمور التي يشتريها الإنسان من البقالات أو الصيدليات؛ لأن السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضي بقضاء الله وقدره، المواظب على ذكر وشكره وحسن عبادته سبحانه وتعالى، ومهما ضاقت الدنيا على الإنسان فإنها تتسع بطاعته لله وتتسع بذكره لله تبارك وتعالى، الذي يجلب الطمأنينة، فإن الله يقول: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وكل مؤمن ومؤمنة بحاجة أن يضع مشاكله في الإطار الشرعي، وعند ذلك سيجد قول النبي – عليه الصلاة والسلام -: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
فالإنسان يتمنى بالخير، ويتفاءل بالخير يجد الخير، وأنت الآن في هذا الوضع الذي أنت فيه تحسد عليه كثير من البنات، لا تجد فرصة في الزواج، ولا تجد مثل هذه الفرصة التي أتيحت لك، فأقبلي على حياتك بأمل جديد، وبثقة في الله تبارك وتعالى المجيد، واعلمي أنك متزوجة بالرجل، ولست متزوجة بأمه، إذا كان هذا الرجل يحسن المعاملة معك، واختارك على من سواك من النساء، ورضيك زوجة له وأما لعياله، فلا تهتمي لما يحدث، وتذكري أن مثل هذه المشكلة تتكرر في كثير من البيوت؛ ذلك لأن كثير من الأمهات ربما يكون عندها غيرة من هذه التي جاءت تشاركها في جيب ولدها وفي حبه، وهنا نحن نطالب الزوج والزوجة أن يحسنا التعامل مع هذه الأم، أن يزيد في بره لأمه، أن يهتم بها غاية الاهتمام، فيتفاهم معك أنت كزوجة في هذا السبيل، فيقدر ما تقابلينه وما تجدينه من معاناة، ويعلن لك أنه سيتولى إكرامك وسيعطيك أعلى المنازل إذا احتملت هذه الأم التي هي في النهاية مثل أمك أيضا، فإن الدين يدعونا إلى أن نحترم كبار السن، وأن نقدرهم، وأن نصبر عليهم، فكيف إذا كانت هذه الكبيرة هي أم الزوج، الذي هو أولى الناس بك.
إذن لابد أن تصطحبي هذه المعاني، واعلمي أن كبار السن يحتاجون إلى من يستمع إلى كلامهم، وبعد ذلك يمكن أن ينفذ ما سمع أو يترك ما سمع، لكن المهم هو حسن الاستقبال، هو أن تسمع منك (حاضر يا والدة) ، (سمعا وطاعة يا والدتي، يا أمي) مثل هذه العبارات الجميلة؛ لأن هذه العبارات هي ما تريده، فلا تحاولي المناكفة أو العناد، ولا تظهري أنك متضايقة مما يحدث منها، فهذا وضع ينبغي أن تصبري عليه، وحاولي دائما أن تصطحبي المعاني الشرعية، واعلمي أن تدخلها في مظهرك أو في أمور خاصة أو في كذا لا يضرك، خاصة إذا كان كلامها إيجابيا، وهي في النهاية قطعا تريد لك الخير، وتريد لابنها الخير، وقد يكون دافعها للتدخلات ما تصنع من النمامات أو من الجارات أو الوضع الذي تريده، إذا كان ما تقوله صواب فالإنسان لا يبالي من أين جاءه الصواب، والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها، وإن كان ما تقوله خطأ فنحن بينا لك أن المطلوب هو حسن الاستماع، ولكن بعد ذلك لا تنفذي ولا تفعلي إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى.
فعليك بأن تداري هذه المرأة الكبيرة، وأرجو أن يتفهم الزوج ما يحدث معك، واعلمي أن هذه الحالة تكون موجودة عند بعض الأمهات، خاصة عندما يكون الولد هو الكبير أو المفيد أو الصغير، فإنها عند ذلك تتدخل في حياته، وربما تكون هذه هي الطريقة التي ربت عليه هذا الولد، وعليه فإنا نقول: علاج هذه المشكلة قد يحتاج لبعض الوقت وبعض الصبر، فندعوك إلى أن تصبري وإلى أن تحتملي.
أما كون الزوج سلبي، فما أدري ماذا تريدين منه؟ ونحن حقيقة ندعوه إلى أن تجدي منه الدعم المعنوي، تجدي منه التشجيع، تجدي منه التقدير لهذه المعاناة، تجدي منه الثناء على كل صبر تصبريه، وأنت ولله الحمد لك جزء من حياتك الهام والجزء الخاص الذي هو الأسرار بينك وبين زوجك، فشجعي هذا الزوج إلى أن يفعل أشياء قد تجلب لك بعض السرور، أو يكون في تصرفه بعض المواساة لك.
أما إذا كنت تريدين لكل زوج موقفا حازما من أمه، وأن يشتد عليها فهذا لا ترضاه الشريعة، وهذا ليس في مصلحتك، فإن المشاكل ستزداد عند ذلك، بل إنا ندعوه إلى إظهار الإكرام والمبالغة في بر هذه الأم حتى لا تشعر أنك أخذت منها هذا الولد، وأن البساط سحب من تحت قدميها، وأن هذا الولد الذي تعبت فيه جاءت امرأة لتفوز به.
بعض النساء (الأمهات) تفكر بهذه الطريقة، فعلينا أن نفوت الفرصة على الشيطان، ولا تطالبي الزوج بما هو فوق طاقته، عليه أن يحسن لك وأن يحسن إلى أمه، فإن قصر في حق الأم فويل له، وإن ظلمك وقصر في حقك فويل له، لكن ليس من الضروري أن يصالح هذا ويخاصم ذاك، ولكن عليه المداراة، وعليه أن يفعل ما يرضي الله تبارك وتعالى، ونحن نحذرك من التفكير في ترك البيت؛ لأن هذا خطأ كبير ترتكبينه، والحياة صبر ساعة، وهذا الوضع سيتغير، والأعمار بيد الله تبارك وتعالى، ولا أظن أن المعاناة ستطول، فتوكلي على الله واتقي الله واصبري، وسنكون سعداء بتواصلك مع الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد.