السؤال
السلام عليكم.
أنا شخص أكرمني الله عز وجل بالتوبة حديثا، وأصبحت أتحرى طريق الطاعة والقرب من الله عز وجل ولدي مشكلتان:
الأولى: هي أنني أصبحت أجد في نفسي بغضا لأصحاب البدع من أهل الإسلام وأنكر عليهم أفعالهم ونقض تصرفاتهم - كل ذلك بيني وبين نفسي- فهل أنا علي خير؟ فأنا أخاف أن أنشغل بعيوب الناس عن عيوبي، وإذا لم أكن على خير، فكيف العلاج؟
الثانية: هي أني عندما أقوم بعمل خير تبدأ نفسي بعد ذلك تحدثني أن الناس سيقولون عن هذا العمل، وسيتحدثون في ذلك مع أنني أصلا أقصد وجه الله تعالى، فكيف لي التخلص من هذه الوساوس؟ وما هو دواء الرياء عموما؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب.
نحن نسأل الله تعالى أولا أن يتقبل توبتك، وأن يثبتك عليها حتى تلقاه، ثم نبشرك أيها الحبيب بأن من تاب إلى الله تعالى وأحسن في توبته بأن أدى أركان هذه التوبة ومبتغيا بذلك وجه الله، فإن الله تعالى سيقبلك كما وعد بذلك في كتابه، فقال جل شأنه: { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث، فقال صلوات الله وسلامه عليه: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
ولذلك فينبغي لك أيها الحبيب أن تكثر من شكر الله تعالى أن وفقك للتوبة وألهمك العزم عليها وحبها والرغبة فيها، فهذا من فضله سبحانه وتعالى، وينبغي أن تقابل هذه النعمة بمزيد من الطاعة شكرا واعترافا.
أما ما ذكرت من بغض أهل البدع والمعاصي عموما فإن هذا من لوازم الإيمان أيضا، فإن حب الله تعالى يستلزم حب من يحبه الله وبغض من يبغضه الله، وأهل البدع أهل معصية، ومن ثم فإن بغضهم بقدر هذه المعصية التي هم عليها من لوازم الإيمان، ولا يكمل الإيمان حتى يحب الإنسان من أجل الله ويبغض من أجل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).
ولكن مما لا شك فيه أيها الحبيب أن الإنصاف من النفس من الإيمان أيضا، فإذا أبغضنا غيرنا من أجل معصيته، فإن الإيمان أيضا يدعونا إلى أن نبغض أنفسنا بقدر معاصيها، فإذا فعل الواحد منا هذا كان منصفا من نفسه، وكان ساعيا بعد ذلك في إصلاحها ومجاهدتها من أجل الله تعالى.
فلا ينبغي أبدا أن تخاف من بغضك لأهل البدع ما دمت مبغضهم البغض الشرعي بقدر معاصيهم، لا تبالغ في ذلك ولا تزيد، وينبغي مع هذا أيضا أن تكون راجعا إلى نفسك بالمحاسبة واللوم عند معصيتها، فتبغضها من أجل الله بغضا يؤدي إلى الخير والنفع، فتحاول إصلاحها.
وأما تركك للأعمال الصالحة خشية أن يقول الناس عنك بأنك مراء أو نحو ذلك، فهذا مسلك غير سديد، ويتعين عليك أن تجاهد نفسك لإخلاص أعمالك لله تعالى، وأن لا تلتفت إلى الناس في فعلك أو بتركك، فلا تفعل من أجل الناس، ولا تترك من أجل الناس، وقد قال بعض السلف: (العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)، فحتى تكون مخلصا لله تعالى وحده أد العمل له، وإذا جاء وقت الترك فاترك العمل الذي لا يحبه ابتغاء وجهه، ولا تراقب الناس، فإن الناس لا يضرون ولا ينفعون، فالله عز وجل وحده الضار النافع المعطي المانع الخافض الرافع، والناس لا يملكون شيئا من ذلك، وإذا ذكرت نفسك بهذه الحقيقة هان عليك ملاحظة الناس، وأدركت أنه لا فائدة من ملاحظتهم، بل قصدهم وقصد ثنائهم ومدحهم يضر بالمؤمن أيما إضرار.
من أسباب التخلص من الرياء أيها الحبيب: أن تحاول إخفاء أعمالك الصالحة التي لم يشرع الله تعالى إظهارها، فحاول أن تبتعد عن الناس في صلوات النوافل، وأن تكتم عنهم صوم النافلة، وأن تتصدق سرا، ونحو ذلك من الأعمال، فإن المداومة على إخفاء العمل يقوي في النفس الإخلاص، ويسهل على الإنسان أداء الأعمال الصالحة ابتغاء وجه الله تعالى.
من الأسباب التي تعينك أيضا على الإخلاص:
التوجه إلى الله تعالى بصدق واضطرار أن يعافيك من الرياء، وأن يصرف عنك الشرك صغيره وكبيره، وهذا ما كان يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فقد حذرهم في أحاديث كثيرة من الرياء، ولما سأله أبو بكر عن الدواء لذلك، علمه صلى الله عليه وسلم أن يقول في الصباح والمساء: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) فداوم على هذا الذكر صباحا ومساء، وداوم على سؤال الله تعالى أن يرزقك الإخلاص وأن يجنبك الرياء، مع إحسان ظنك بالله تعالى أن يوفقك ويأخذ بيديك، وستصل بإذن الله تعالى إلى ما تصبو وترجو من رضى ربك.
وللمزيد عن موضوع الرياء يمكنك مطالعة الاستشارات التالية:
2121666 -293380
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير.