حياتي تنهار ... والأسباب نفسية، ما نصيحتكم؟

0 443

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أجيد كتابة المقدمات، لذلك سأدخل في صلب الموضوع، لدي مشاكل تقتلني كل يوم، وأحسها تزداد يوما بعد يوم، في البداية قبل سنتين من الآن كنت إنسانا طبيعيا جدا وأعيش بسعادة بالغة، ولكن لظروف الدراسة انتقلت لمكان آخر بعيدا عن أهلي وأصدقائي، فسكنت وحيدا، وهنا بدأت المشاكل.

أولها: إذا تحدثت مع شخص أو تحدث معي تلقائيا أنظر إلى عورته بلمحة سريعة، سواء كان رجلا أو امرأة (كبيرا أو صغيرا) محرما أو غير ذلك! علما أني لست بمنحرف أو لدي تفكير منحرف، بل أكره ذلك بشدة، وهذا يسبب لي الحرج خصوصا مع أفراد عائلتي.

ثانيها: إذا نظرت إلى شخص أحس بتنميل في الوجه وحرارة تجعل من يراني يشمئز مني، وبسبب حدوثها بدأ الكثيرون يجتنبونني من الأصدقاء وأحيانا الأقرباء إلا في الأشياء المهمة.

ثالثها: إذا ضحكت أحس بألم في الوجنتين، وألم شديد خلف الحاجبين، وكأنهما مشدودان، ويبرز في منتصف جبهتي وريد غليظ، يشوه منظر الوجه!

رابعها: إذا كنت جالسا مع شخص أو عدة أشخاص، وكنا نشاهد التلفاز أو غيره لا أستطيع التركيز على ما نشاهد، لأن عيني تتحرك لتراقب من بجانبي دون تحريك رأسي! رغم أنني أحاول أن أمنعها وأحاول أن أبدو طبيعيا، إلا أن ذلك دائما يبوء بالفشل.

رغم الألم الذي أحس به، ورغم أن أصدقائي ابتعدوا شيئا فشيئا ولم يبق إلا شخصين، وهما على وشك الابتعاد، لا زلت أحضر الاجتماعات العائلية والمناسبات الكبيرة.

مواقف حصلت لي وسببت لي ألما كبيرا جدا، فأحد إخوتي الصغار كان يحدثني ويقول لي (لماذا يتغير وجهك إذا كلمك أحد؟!) والدي إذا جلست عنده أحس أنه يتضايق بسبب نظراتي وحركاتي، وأنا أعذره ولكن أتألم، أريد علاجا فعالا، فدراستي قد تركتها بسبب تلك الأشياء، وحالتي سيئة جدا جدا.

دمتم في رعاية الله وحفظه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

رسالتك أعجبتني جدا، وذلك لسبب يسير وهو أنه يمكن مساعدتك وتشخيص حالتك، نقولها لك بكل ثقة، إذا عرضت هذا الأمر على كثير من الناس ربما تجد تفسيرا مزعجا لك، لكن من جانبي أقول لك إن الذي تعاني منه هو نوع من الوساوس القهرية النادرة جدا.

ما ذكرته أنك تلقائيا تنظر إلى عورة الشخص الذي تحادثه بلمحة سريعة، هذا حقيقة نوع من التصرف الوسواسي الملح، وأنت على قناعة كاملة أن هذا الأمر سخيف، وأنت -الحمد لله تعالى- لست منحرفا، بل تكره هذا الشيء، وهذا من طبيعة الوساوس أنها تتسلط إما فعلا أو قولا أو سلوكا أو طقوسا، ويجد الشخص صعوبة شديدة في مقاومتها، وتسبب له الكثير من الألم النفسي.

أما الملاحظة الثانية التي ذكرتها، وهو أنك إذا نظرت لشخص تحس بتنميل في الوجه: هذا نوع من القلق النفسي أيضا، فأنت حساس بعض الشيء، ولذا تأتيك هذه المشاعر، وربما يكون هنالك نوع من التضخيم والتجسيم لمشاعرك.

شعورك بالألم في الوجنتين وخلف الحاجبين عند الضحك، هذا ناتج من الانشداد العضلي، القلق والتوتر يؤدي إلى انشدادات عضلية.

إذن أنت تعاني من قلق الوساوس -وإن شاء الله تعالى- هذه الحالة سوف تعالج عن طريق الدواء بعض الإرشادات السلوكية البسيطة، وكل الذي ذكرته في رسالتك بعد ذلك مرتبط تماما بالتشخيص الذي أوردناه لك، ووصفك لحالتك بأنها سيئة جدا جدا، هذا ناتج من عسر المزاج وبعض الكدر الذي تحس به، لأنك تمر بتجربة نفسية غريبة عليك، ولكنها معروفة لدينا من حيث الناحية العلمية والمعايير التشخيصية.

الآن أنت عرفت ما بك، وهذا يجب أن يكون مريحا لك، بل هو جزء رئيسي في حل مشكلتك، فقلق الوساوس يعالج من خلال التجاهل والتجاهل التام وتحقيره.

النقطة الأولى التي ذكرتها وهي النظر - أو لمح عورات الآخرين – هذا يجب أن تربطه بما نسميه بالمنفرات، حين تأتيك هذه الفكرة اربطها مثلا بحادث مؤلم شاهدته أو سمعت عنه، أو كارثة ما حدثت، وفي نفس الوقت قم بتمرين آخر وهو أن تفكر في أنك سوف تلمح عورة شخص ما، وفي نفس الوقت قم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم.

لابد أن يكون هنالك تزاوج وربط كامل ما بين التفكير في لمح العورات وإيقاع الألم على نفسك، هذا التمرين يكرر عشر مرات متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة أسبوعين، وجد علماء السلوك أن هذا سوف يؤدي إلى نوع من التنافر المعرفي، وهذا يؤدي إلى ما يسمى بفك الارتباط الشرطي، مما يقلل أو يزيل تماما السلوك الذي تحدثت عنه.

لابد أيضا أن تربط نفسك بالواقع بصورة أقوى، بمعنى أن تجلس مع نفسك وتحلل هذا السلوك، وإن شاء الله تعالى سوف تزيد قناعاتك أنه أمر سخيف ولا يليق بك، وهذا بالطبع يساعدك كثيرا في التخلص منه.

أنت مطلوب منك أيضا أن تتدرب وبكثافة على تمارين الاسترخاء، وهي سوف تفيدك في الإنشدادات العضلية التي أرى أنها مشكلة رئيسية لك، وهي ناتجة من القلق.

وسيلة أخرى بسيطة ومهمة وهي الإصرار والإكثار من التواصل الاجتماعي، ويجب ألا تقيم نفسك سلبا أو تحقرها أمام الآخرين، كن دائما باحثا عن الرفقة الصالحة، الإخوة في المساجد، الأرحام، الجيران، هنالك كثير من الناس الذين يمكن أن تتواءم معهم وتتفاعل معهم إيجابيا، لأنهم ليسوا من النوع الذي ينتقص أو يسخر من الآخرين، كما عليك أن تجتهد في عملك وتطور نفسك ولا تدع للفراغ مجالا.

النقطة الأخيرة: أرى أنك تحتاج لدواء مضاد للوساوس والقلق، وأفضل دواء هو عقار (فلوفكسمين)، هذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري هو (فافرين) الجرعة المطلوبة هي خمسون مليجراما، تناولها ليلا بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلها مائة مليجرام ليلا، استمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى خمسين مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء، وهو من الأدوية الجيدة جدا والسليمة وغير الإدمانية أو التعودية، وفي ذات الوقت الجرعة التي وصفناها لك هي جرعة صغيرة نسبيا، وأنا أرى أنها كافية جدا وسوف تفيدك بإذن الله تعالى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات