السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولدي في الصف العاشر، منذ سنتين تغيرت طباعه بعد أن كان ممتازا في المدرسة والصلاة، إلا أنه منذ سنتين يفتعل لنا المشاكل، ويمشي مع أشخاص أكبر منه، وقد تعرض لمشاكل قوية، وعاقبه والده، ثم إنه هذه السنة زاد في إهماله للصلاة وللدراسة، وزادت طلعاته مع أصحابه، يحب أن يبقى مع أصحابه أكثر من أهله، وقد تعرف على فتاة وخرج معها، وبما أننا في السعودية فقد سبب لنا المشاكل، وعوقب، لكن لا جدوى! وهو يدخن الآن، وأنا لم أكن أتوقع من ابني أن يفعل كل هذا؛ لأنه هادئ بطبعه، ولكنه أصبح يفعل ما يريد، ونحن لا نعرف كيف نتعامل معه!
أما مشيه مع هذه الفتاة فأنت تعرف هذا البلد، وتعرف المشاكل التي تحدث، فكيف أتعامل معه؟ مع أنني أحاول كثيرا مصاحبته، إلا أنني كل فترة أتفاجأ من تصرفاته، حتى أصبحت أبقى خائفة عندما يكون خارج المنزل من أن يسبب لنا المشاكل.
نرجو إفادتي بطريقه للتعامل معه، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهم ابننا هذا السداد والرشاد، ونشكر لكم التواصل مع موقعكم، ونسأل الله أن يعيننا على طاعته، وأن يجعل الصلاح ميراثا في ذريتنا إلى يوم الدين..وبعد:
فإني أوصيك أولا بالإكثار من الدعاء، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه، كما أرجو أن تتعاملوا مع هذا الولد بطريقة مختلفة؛ لأنه يمر بمرحلة عمرية معروفة، يحتاج فيها الإنسان إلى أن يجد الصداقة من الأب ومن الأم (لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعا واصحبه سبعا) فهو في هذه المرحلة الثالثة التي ينبغي أن يشعر فيها بكيانه، فعلينا في مثل هذا العمر الاقتراب من الولد، وأن نحاول أن ندخل إلى حياته، وأن نتفاهم معه، وأن نستبدل الأوامر بالحوار، وكذلك أيضا نتجنب إصدار العقوبات والشدة معه في هذا الجانب.
نحن طبعا لا نؤيد هذا الذي يحدث، ولكننا نقول: ليس الحل في أن نشد عليه، وليس الحل في أن يعاقب، ويكرر العقاب مرارا، فإن المسألة تحتاج إلى القناعات والمحاورة والمناقشة، وتحتاج لأن نجعله يتحمل كثيرا من المسؤولية في الأخطاء التي يقع فيها، وتحتاج إلى تخويفه بالله تبارك وتعالى، وأهم من كل هذا أن يكون هناك منهج موحد في البيت، أن تعملي أنت والوالد بخطة موحدة، وقبل ذلك ينبغي أن تكون النية لله خالصة، فلا يكن همكم أن يقول الناس عنه كذا وكذا أو تحصل له مشاكل، ولكن تجعلوا همكم الأكبر أن يعود إلى الصواب، وأن يطيع الله تبارك وتعالى، فإن هذا الشاب يعصي الله قبل أن يعصي والديه وقبل أن يخرج عن قوانين وأعراف هذا المجتمع.
كذلك ينبغي أن ننظر في الرفقة التي تدور حوله، ونتعرف على أسرهم، ونحرص على أن نقترب منهم لنعرف، ثم علينا أن نحاوره بهدوء لنضع معايير للأصدقاء الذين يصلح للإنسان أن يمشي معهم، وأن يتعامل معهم، وعلينا أن نبحث عن أسباب هذا التدهور في أخلاقه، ولا شك أن وجود السيئين له أثر كبير جدا على الإنسان.
فاجعلوا البيت بيئة جاذبة، وأشعريه بحاجتكم إليه، وقدروا المرحلة العمرية التي يمر بها، وحاولوا أن تحاوروه ثم تقنعوه، وكونوا مستمعين جيدين، وبينوا له عواقب الأمور ونهايات الطريق المظلمة، فإنه لا يبصر مثل هذه الأشياء، وعلى الأب أن يقترب منه وأن يدخل إلى حياته لا أن يعاديه، ولا أن يفتعل معه المشاكل.
وأرجو كذلك ألا تعلنوا عجزكم، فليس هناك أمر مستحيل إذا توجه الناس إلى الله تبارك وتعالى وبذلوا الأسباب الصحيحة، وأيضا لا بد أن تثيروا عنده جوانب الغيرة، وتحذروه من العبث بأعراض الناس؛ لأن الإنسان يعرض عرضه للهاوية ويضع عرضه على شفا جرف عندما يعتدي على أعراض الآخرين، فإن صيانتنا لأعراضنا تبدأ بصيانتنا لأعراض الآخرين.
وقد أعجبني أنك تصاحبيه، وتقتربي منه، لكن أولا نتمنى أن يدوم هذا الحال، فإن بعض الأمهات تصادق اليوم، فإذا أخطأ غضبت عليه وأحرجته ربما أمام زملائه أو عاقبته بطريقة تسيء إليه، فأنت اتبعت هذه الطريقة الجيدة والتي نريد الاستمرار عليها، ونريد من الأب أن يقوم بنفس الطريقة، فتجلسوا معه جلسة حوارية هادئة، وتناقشوه، وتأمنوه، وتعطوه وظائف يقوم بها، وتشكروه على ما عنده من إيجابيات، وتتعرفوا على طبيعة هذه المرحلة، وتتعرفوا على رفقته وتشجعوه على صحبة الأخيار، وتساعدوه على النجاح في دراسته.
هناك أمور لا بد أن تقوموا بها، منها مثلا أن تتيحوا له فرصة ليعبر عن أشواقه، يعبر عن مشاعره، ويبين لكم الأمور التي يتضايق منها حتى نتفادها، فإنا لو أردنا أن نسأل لماذا يهرب الأبناء من البيوت؟ نقول لأنهم يجدوا التوبيخ، والإساءة، والمعاتبة، وسوء الظن... هذا كله ينبغي أن نعيد النظر فيه، وطالما أنتم تواصلتم معنا فنحن نتمنى أن يحدث التغيير في طريقة تعاملكم معه، ولا مانع بعد ذلك من التواصل مع الموقع، لإعطائكم رقم هاتفي إن أحببتم التواصل لأننا في مثل هذه الأحوال نفضل أن نتفاهم مع الشاب، ونتعرف على ما يحدث منه من انحراف وخلل، وهو يستمع صوت الإنسان الناصح، لأنه لا يصطحب المعاني الأخرى، فهو يرفض كلامكم لأنكم عاقبتموه، يرفض كلامكم لأنكم أسأتم إليه، يرفض كلام الوالد لأنه أحرجه، يرفض كلامه لأنه أساء الظن، لكن لما تأتي النصيحة من إنسان مختلف ربما كان ينظر إليه بطريقة مختلفة، فإنه عند ذلك يستطيع أن يخرج أولا ما في نفسه، كذلك يمكنكم التواصل مع إمام المسجد الذي في حيكم لكيفية جذبه إلى المسجد ومحاولة تغيير الرفقة السيئة برفقة حسنة.
وينبغي أن تكون عندنا الشجاعة، فعندما نحاور فقد نسمع ما لا يعجبنا فقط، لكن ليس العلاج هو أن ننهي الحوار ونقسوا عليه، ولكن العلاج هو مزيد من الحوار ومزيد من الاحتمال والصبر، وقدوتنا في ذلك رسولنا - عليه الصلاة والسلام – الذي لاطف حتى من جاءه يستأذنه في الزنا، وقربه واقترب منه، وأمنه وحاوره، وأقنعه وتواصل معه جسديا، فوضع يده الشريفة على صدره، ثم دعا له، فكانت النتيجة: فما فكر الفتى في مثلها أبدا، واحتواه كذلك، هذه حوالي سبع أو ثمان نظريات في التربية طبقها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من جاء يستأذنه في الزنا، وهكذا نتعلم من رسولنا – عليه صلوات الله وسلامه – فاقتربوا منه ولا تعنفوه، وحاوروه وأقنعوه، وتوجهوا إلى الله، وتواصلوا معه جسديا.
والله ولي الهداية والتوفيق.