كثرت المشاكل بيني وبين والديّ، فهل يعقل أنهما دائما على الصواب؟!

0 581

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة في الثانوية العامة، اختلف مع أمي وأبي دائما بسبب المذاكرة، علما أني أعاني من حالة نفسية شديدة، سواء كانت عائلية أو عاطفية، فدائما يوجد مشاكل في الطرفين، مع أنه لا يوجد إطلاقا مشاكل بيني وبين أصدقائي.

فهل أنا السبب أم الأطراف الأخرى؟ وهل من الممكن أيضا أن يكون السبب هو سيطرة الأهل، ووالدي لا يعطوني الحق في المناقشة، والجدال المستمر، ودائما يريان أنهما على الصح وأنا على الخطأ بسبب صغر سني، مع أن عقلي كبير في بعض الأحيان!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ bosy حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية نرحب بابنتنا الكريمة، ونسأل الله أن يحفظها ويسددها، وأن ينجحها، وأن يلهمها السداد والصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ونرحب بها في موقعها بين آباء وإخوان همهم مصلحة أبنائنا والفتيات، ومساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة العمرية التي تحتاج إلى أن نقدم فيها العقل على العاطفة، وننظر فيها نظرة بعيدة، ونصطحب فيها معاني البر للوالدين والحرص على كل أمر يرضيهما.

ونريد أن نقول في هذه السن: لعل بعض الآباء والأمهات من حرصهم الشديد أنهم يحاولوا أن يعطوا أوامر وتعليمات، وهذه مرحلة تحتاج إلى حوار، تحتاج إلى نقاش، تحتاج إلى أخذ وعطاء، كما أن هناك بعض الأسر لها معايير عالية جدا، تصر على أن تذاكر الفتاة؛ لأنهم يريدون أن تخرج مثل خالها الطبيب أو عمها المهندس، أو تسلك سبيل العائلة في التفوق والنجاح.

ولا شك أن هذا الضغط والتشدد لا يؤدي إلى النتائج المطلوبة، وإنما ينبغي أن تكون الأمور تدار بطريقة هادئة، فإن الإصرار على المعايير العالية جدا في النتائج أو المعايير العالية جدا في المذاكرة أو المعايير العالية جدا في المثل، قد يدخل الشباب والفتيات في حرج في هذه المرحلة العمرية.

لذلك أيضا ينبغي أن يتفهم الآباء والأمهات هذه المسألة، وأحسب أن المذاكرة والدراسة هي من أهم أسباب الصراع في داخل البيوت بين الآباء والأمهات من جهة ومن أبنائهم وبناتهم من الجهة الأخرى.

ومع ذلك فإننا نذكر ابنتنا الفاضلة بأننا مطالبون بأن نبر الآباء والأمهات، أن نصبر عليهم، أن نحتمل منهم، وأن نحسن إليهم، فلا تعجبني أتخاصم معهم، فهم ليسوا ندا لك ولا أترابا لك، إنما هذا الأب وهذه الأم، والأم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعطاء حقها، وقدمها ثلاث مرات، ثم بعد ذلك جاء بالأب، وكل من الأب والأم يحتاجان منا إلى البر والإحسان والاهتمام بمشاعرهما والحرص على إرضائهما، واستمالتهما بصنوف البر، والإحسان إليهما.

وبعد ذلك أيضا لابد أن نتفهم أن الشريعة لا ترضى أن نقول مجرد كلمة (أف) إظهارا للتضجر للأب والأم، هذا أيضا مرفوض، وقد ضرب سلف الأمة أروع الأمثلة – عليهم من الله الرضوان – فكان منصور بن المعتمر يدرس الطلاب، فتأتي أمه فتسيء إليه وتشتمه وتتكلم عليه؛ لأنه رفض تولي القضاء، وإنما كانوا يرفضون لكثرة الفضلاء، وكانت الأم تريد له هذا المنصب لكنه رفض، فكانت تتكلم عليه، فكان ينكس رأسه ويضع لحيته على صدره ويقول: لبيك أماه، لبيك أماه، لبيك أماه، يحرص على أن لا ينظر إليها، حتى تنصرف، فلما سألوه في ذلك قال: (أخشى أن أنظر إليها بعين فيها غضب فأكون وقعت في العقوق) كما قالت أمنا عائشة: (ما بر أباه من حد إليه النظر عند الغضب).

لذلك ينبغي أن تنتبهي لهذا الجانب الهام جدا، وهو جانب البر للآباء والأمهات.

ومسألة الصراع في هذه السن خاصة مع تفاوت أعمار الأجيال؛ لأن تأخر الزواج ترتب عليه أضرار كثيرة جدا، بحيث يكون الفرق بين الأب والابن أو بين البنت والأم فرق كبير جدا من السنوات، وفي هذه الحالة سوف تختلف المفاهيم، وتختلف الاهتمامات، ويحصل إشكالات كبيرة جدا، وتظل هذه سبب المشاكل لتفاوت الأفهام، ولتفاوت طريقة النظر إلى الحياة.

وطبعا من الطبيعي أن تكون العلاقة جيدة مع الصديقات؛ لأن الصديقة دائما تبرر لك ما تريدي، تأتيك على هواك، تسامحك، تثني على إيجابياتك، حتى لو أرادت أن تنقد فإنها تنقد بلطف ورفق، وربما على سبيل الدعابة والضحك.

ولكن الآباء والأمهات أيضا لابد أن يسيروا بهذا السير، فالأب الناجح عندنا هو أكبر صديق لأولاده، وأكبر صديق لبناته، والأم الناجحة عندنا هي أكبر وأهم صديق لأولادها، وأهم صديق لبناتها.

ولذلك ينبغي أن نتفهم جميعا هذه المرحلة العمرية التي تمر بها هذه الفتاة، وعليك أيضا أن تتذكري المشاعر النبيلة، فهم لا يحرصون عليك ولا يشددون عليك إلا رغبة في مصلحتك، إلا محاولة لصيانتك.

هب أننا قلنا أنهم أخطأوا الطريق، لكن ينبغي أن نلتمس لهم العذر لأن المنطلقات جيدة، وفيها المصلحة لك ولهم، ولا نستطيع أن نخطئهم، ولا نستطيع أن نخطئك أيضا، لكننا ندعوك إلى أن تكوني بارة بأبيك وأمك، وتحاولي أن تقتربي منهما، وعندها سيتفهمان وضعك، واعرضي لهما عقلك الكبير، وحاوريهما في مثل هذه الأمور في منتهى الأدب ومنتهى السلاسة والأريحية – كما يقولون – حتى تكسبي ثقتهما، حتى تكسبي الثقة عندهما، وعند ذلك ستكونين إن شاء الله أكثر وفاقا مع أسرتك.

وحاولي أيضا أن تثبتي لهما أنك ناضجة، فالأهل أحيانا من الخطأ يعاملا المراهقة على أنها طفلة صغيرة، ولكن لابد للفتاة أيضا أن تثبت أنها فعلا ناضجة، وأنها بتصرفاتها ومشاركتها أثبتت أنها ناضجة وأنها أكبر مما يتصور الأهل.

فعند ذلك حتى ينقطع هذا الجدال ينبغي أن تعرفي مقامهما، وأن يعرفا قدرك ويعطيانك مساحة من الحرية المشوبة بالحذر، وأرجو أن تكسبي ثقتهما باستقامتك على أمر الله تبارك وتعالى.

وقد أحسنت، فدائما الآباء والأمهات مهما يكبر الولد وتكبر البنت، فإنها عندهم صغيرة، وقد تكون أعقل وأعلم، ولكن تظل هي صغيرة باعتبار أنها الأخيرة أو باعتبار سنوات عمرها، ونسأل الله أن يعيد الوفاق إلى البيت، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر ترحيبنا بك.

مواد ذات صلة

الاستشارات