السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا شاب مسلم، أريد الزواج، على العموم أقوم بواجباتي الدينية، كالصلوات في وقتها والصيام، وما إلى غير ذلك من واجباتي تجاه الخالق، في بعض الأحيان أمر بفترات فراغ روحي، وضعف إيمان، لكن ليس إلى درجة كبيرة، يعني بحدود والحمد لله.
عمري ما اقتربت من زنا أو خمر أو مجالس السوء، لكن نحن في عصر العصرنة فلا بد أن نتأثر بآليات العصرنة، مثل ما خلفته لنا من إنترنت وهاتف نقال وما إلى غير ذلك، يعني أصبحنا عرضة لأي شيء حتى في بيوتنا، سواء الذكور أو الإناث، من بين الأشياء التي لحقت بي من مخلفات العصرنة، كانت عبر النت، والتعرف على فتاة قدرا، ثم أصبح الهاتف النقال بيننا مدة طويلة، نعرف بعضنا عبر الهاتف النقال، تعلقت بها وتعلقت بي، هي من بلدي لكن من مدينة أخرى، ولا أعرف أصلها وتفاصيلها الدقيقة، يمكن حسب شعوري أنها أخطأت في يوم من الأيام، لكني التمست منها أنها تائهة وتريد الزواج، تظن أن كل من يكلمها سوف يصدق معها ويتزوج منها!
خاصة ونحن في زمن المسلسلات التي غيرت تفكيرهن، لكن أنا محتار، هل أتقدم لخطبتها ثم الزواج منها، في نفس الوقت الدين الحنيف يقول فأظفر بذات الدين والنسب وما إلى ذلك؟ كثرت الشكوك لدي، هل هي صالحة أم لا؟ فلا بد من زوجة صالحة، وأقول في نفسي أن مشكلتها الزواج، عندما تجد رجلا صالحا فقط سوف تستقر.
خلاصة القول هل أتقدم لخطبتها أم لا؟ بالرغم أني صليت صلاة الاستخارة كذا مرة، وها أنا أستشيركم، هل الزواج عبر الهاتف في هذا الزمان الملغم يجوز؟ أرجوكم أفيدوني برأي ما، فأنا محتار ولا أريد أن أظلمها معي، بعد معرفة سنتين عبر الهاتف، وتعلقها بي، فسروا لي بالضبط (صالحة وذات دين) ألا يمكن للفتاة أن تتغير بعد الزواج ويصلح لله حالها؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ salim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.. أما بعد:
فإنا نشكر لابننا الفاضل تواصله مع الموقع، ونشكر له الحرص على السؤال.
والسؤال عن حكم الشرع في هذه العلاقة التي تمت بينه وبين تلك الفتاة وفي رغبته في الزواج منها أو نحو ذلك، وإنما شفاء العي السؤال، وأرجو أن نقول لأبنائنا وبناتنا: نحن نتعامل معكم على أنكم أبناء لنا وأبناء لهذه الأمة التي تنتظر منكم الخير الكثير.
لا مانع من الزواج بهذه الفتاة شريطة أن تبدأ أنت وهي مسيرة التوبة إلى الله تعالى، وتبدأ هذه المسيرة بقطع العلاقة تماما، والتوقف عن هذه العلاقة بعد أن عرفت مكانها ومكان أسرتها ومحارمها، ومن مصلحتكما أن تكتما كل الذي حصل، فإذا تبين لك بعد ذلك بعد السؤال بعد التوقف وثبت صدق التوبة منها وصدقت أنت في توبتك ورجوعك إلى الله تبارك وتعالى فلا مانع عند ذلك من الدخول إلى الحياة المجيء للبيوت من أبوابها.
فإذا كنت تستطيع أن تفعل هذا فهذا هو الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى، فإن ما وقعتما فيه من مخالفة لا يمنع التصويب ولا يمنع التصحيح، ولكن أريد أن أقول في هذه الحالة: لا بد أن تكون مطمئنا جدا وعندك قدرة على نسيان الذي حصل بينكما من المكالمات والاتصالات، وكذلك عندها قدرة على نسيان ما حصل، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بعد توبة نصوح؛ لأن الشيطان الذي يجمع الشباب والفتيات عبر الهاتف أو عبر الإنترنت أو عبر غيرها من التواصل هو نفسه الشيطان الذي سيأتيهم بعد الزواج ليقول للرجل (كيف تثق فيها، كيف تصدق هذه التي كانت تكلمك)، وليقول للفتاة (كيف تثقين في هذا الرجل، ربما له أخريات) فتبدأ الشكوك ويبدأ سوء الظن، تبدأ المشكلات، ولذلك هذا الذي نخاف منه.
فلا تقبل على هذه الحياة إلا بعد توبة نصوح، فإن ما حصل كان مخالفة شرعية واضحة، فإنه لا يجوز للإنسان أن يكلم امرأة أجنبية لا تحل له إلا إذا كان من باب النصح، وحتى باب النصح له قيود وله ضوابط، ومن أول هذه الضوابط أن تخشى الفتنة، وأن يخشى الإنسان الانزلاق في هذا السبيل، والشيطان دائما يتربص بالناس، ونحن عندنا تجارب كثيرة ربما بدأ في الشاب بنصح الفتاة، أو العكس، ثم مشى بهما الشيطان الذي كان ينتظرهما في نهاية الطريق فكان الانحراف والضياع.
أنتم ولله الحمد لا زلتما في أمن وعافية، ولكن لا بد من حسم هذا الأمر. أولا ليس من مصلحتك ولا من مصلحتها أن تظلا هكذا متعلقين ببعضكما دون أن تكون هناك نتيجة، فالإسلام لا يرضى بأي علاقة بين شاب وفتاة إلا إذا كان هدفه الزواج، إلا إذا كانت هذه العلاقة شرعية، معلنة، تحت سمع الآباء والأمهات والجيران وبصرهم، تحت ضوء الشمس، إلا إذا كانت هذه العلاقة تهدف إلى الزواج -كما قلنا- ليس لمجرد التسلية أو لمجرد الكلام، وعند ذلك الشريعة تدعو الرجل أن يأتي البيوت من أبوابها، فإذا طرق الباب قابل أهلها الأحباب، وجاء بأهله، وحصل التعارف والتآلف، ثم نظر النظرة الشرعية فوجد في نفسه ميلا إليها، ووجدت في نفسها ميلا إليه، فعند ذلك نكمل المشوار على بركة الله.
أما بغير ذلك فإننا لا ننصح أبدا بمثل هذه الأخطاء ومثل هذا التمادي الذي سيؤثر على الجميع، فأي علاقة عاطفية خارج الأطر الشرعية قبل الزواج هي خصم على سعادة الزوج والزوجة بعد الزواج، هي خصم عليهما، لأنه كأننا نسحب من المخزون العاطفي الموجود، وكأننا قد لا يتيسر لنا هذا الزواج فتظل الفتاة بجسدها مع رجل وبقلبها مع آخر، ويظل الفتى بجسده وظاهره مع امرأة وقلبه مع أخرى، فهذه من المنغصات، ولذلك { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وهذه المرأة يمكن أن تكون صالحة، لكن بالشرط الذي ذكرناه، بأن تتوبا جميعا إلى الله تبارك وتعالى، فقدم إليها نصيحة حاسمة، وتوقف فورا، وخذ عنوان محارمها، لا تكلمها بعد اليوم، ولكن قل لها هذا الكلام:( نحن سألنا أهل الدين فطالبونا بأن نتوب وأن نستغفر من العلاقة التي حصلت) وأعطها عنوانك، فمن حقها أيضا أن تتعرف عليك، وأن تسأل عن أصدقائك، وعن صلاتك، ومن حقك أن تتعرف عليها وعلى أسرتها، وعلى رعايتها لضوابط الشرع، وعلى حسن توبتها وصدق رجوعها إلى الله تبارك وتعالى.
هذه أمور أساسية لا بد أن ننتبه إليها، لأننا لا نريد أن نبني الحياة الزوجية على رمال متحركة وعلى شفا جرف هار، الحياة الزوجية ينبغي أن تقوم على تقوى من الله ورضوان، ينبغي أن تقوم على أساس متين من الثقة المشتركة بين الطرفين، لأن هذا ميثاق غليظ، ولأن مشوار الحياة طويل، وكذلك أيضا ينبغي أن تشرك أهلك في مسألة الاختيار، وعندما تريد أن تتعرف عليها يمكنك أن تسافر إلى مدينتها، وتزعم أنك رأيت فتاة -يعني تقول لهم- (رأيت فتاة فأعجبت بها وسألت عنها) وتريد منهم أن يتكلموا بلسانك، لأن هذا أيضا من الأمور المهمة التي ينبغي أن نحرص عليها، وهو إشراك الأهل في هذا الأمر، لأن هذا يدل على جدية الخاطب وعلى جدية المخطوبة، فالزواج ليس بين شاب وفتاة، ولكنها علاقة أسرية بين بيتين، بين قبيلتين، بين جماعتين، هي علاقة طويلة جدا، وهؤلاء الأهل سيكون منهم الأعمام والعمات ومنهم الأخوال والخالات، والأطفال الذين سيخرجون من وراء ذلك الزواج. ذلك الإسلام يؤسس على هذه الثوابت العظيمة جدا، ويبني الحياة الزوجية على أسس شرعية واضحة تراعي مصلحة الجانبين، وتقوم على البعد عن المعاصي، والبعد عن كل أمر يغضب الله تبارك وتعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب علينا وعليكما، وأن يردنا جميعا إلى الصواب، فلا مانع من الزواج بهذه الفتاة شريطة أن تتوبا ثم تتوقفا، ثم إذا تبين لك ولها صدق التوبة من الطرفين عليك أن تأتي البيوت من أبوابها، واكتما ما حصل منكما عن كل الناس، فلسنا مطالبين بأن نفضح أنفسنا، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.