السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا طالبة جامعية في سنتي الأولى، دخلت بعون الله كلية الهندسة، وتوفقت في فصلي الأول - بحمد الله -، وحقيقة كنت أرغب في تخصص الهندسة المعمارية، ثم أنني عندما ولجت عالم الهندسة، احترت كثيرا أيهم ينفع أمتي، وأستطيع أن أقدم لها الكثير من خلال هذا التخصص، هندسة العمارة، أم هندسة الحاسوب؟
أحب العمارة لأجل أني أحب التصميم، ولي سوابق به، وأكره في الحاسوب لغات البرمجة وكثير من التعقيد، لكنني أجده قد يفتح لي أفاقا كثيرة أنفع بها ( الإسلام ) على وجه الخصوص أكثر من العمارة، ولكنني أعلم أن الشخص لن يبدع في المجال إلا إذا أحبه!
أم أن كلية الهندسة كلها لا تلائمني، ويجب علي التحويل لكلية الشريعة، لأستطيع أن أنفع الأمة وأنهض بها، حقيقة أسعى أن أكون فردا نافعا لأمتي، ولا أدري أي السبل أطرقها؟!
حائرة جدا..
فهلا نصحتموني بتوجيهاتكم .. بارك الله لكم ..
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نســـمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحابته ومن والاه.
بداية نشكر لابنتنا هذه الرغبة في الخير، ونشكر لها هذا الإصرار والحرص على خدمة الدين، وهنيئا لها بهذه النية، وندعوها أن تصدق فيها، فشرف للإنسان في أن يخدم هذا الدين لينجو بين يدي الله تعالى، فكلنا ذلك المسئول عن نصرة هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
ويسعدنا في موقعنا أن نرحب بها وبأمثالها، ونبين ونؤكد لها أننا والإخوان الأفاضل في خدمة شبابنا والفتيات الذين هم أمل الأمة بعد توفيق الله تبارك وتعالى.
هنيئا لك يا ابنتي بهذا التفوق، ووصولك لهذه المراتب العليا العلمية، ونسأل الله أن يجعل هذا العلم حجة لك لا عليك، وأن يستخدمك فيما فيه الخير لك ولأمتك ولوطنك، وهذا ما نرجوه عند الله تبارك وتعالى.
ولا يخفى على أمثالك أن الهندسة تخصص مرغوب، وأن الهندسة من التخصصات الجيدة، وكل تخصص في مجالات العلم لابد أن نوفر فيه كادر من أبناء المسلمين وبناتهم حتى نستخدم عن خدمات أعدائنا، وحتى نستغني عن الاحتياج إلى الآخرين.
كما لا يخفى على ابنتي الفاضلة أن الهندسة المعمارية ربما يكون فيها مسألة الاحتكاك بالرجال أوسع وأكبر، بخلاف هندسة الحاسوب، فإنه علم قد يكون له نوع من الخصوصية، وهو لغة العصر، وهو من الأهمية بمكان، والمسلمة الغيورة الحريصة على مصلحة أمتها، الحريصة على أن تخدم دين الله، تستطيع أن تخدم دينها من أي موقع، وبأي تخصص، شريطة أن تتفوق، وشريطة أن تواصل تعليمها، فإن التوسع الدراسي في التعليم، والدخول في العمق، والبحث عن التخصصات النافعة العميقة، هو الذي ينفع الأمة، فالأمة لا تنتفع كثيرا بمجرد من يتعلم، ولكنها تحتاج إلى من يتفقه في المجال الذي درسه، من أجل أن يقدم الخدمات الجليلة لأمته، وأنت - إن شاء الله - ممن يستطيع أن يفعل هذا.
وأرجو أيضا في كل هذه المسائل أن تشاوري أهلك، وكم سنكون سعداء إذا تعرفنا على وجهة نظر الأهل، مثل هذه الأمور، فأمر الوالد وأمر الوالدة بالندوب قد يصير إلى واجب، وقد يكون هذا مما يساعدك على الترجيح في هذه المسائل وفي دراسة العلم والتخصص الذي تريدينه، مع أننا نتفق – كما أشرت – إلى أن الشيء الذي يميل إليه الإنسان يستطيع أن يبدع فيه، وكلما كان الميل قويا، والارتباط شديدا فإننا ننتظر منه الجديد والمفيد.
ولكننا مع ذلك ندعوك إلى أن تنظري إلى الموضوع بنظرة شاملة، وتضعي في بالك الهدف الأسمى الذي بدأت به وهو خدمة هذه الأمة، وتقديم الخدمات من أجل هذا الإسلام الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
وطبعا كم تمنينا أن تدرس بناتنا في كليات الشريعة، ولكن لا أظن أن كل الناس ستتحول إلى الشريعة، فلابد من معلمات في المجالات العلمية لبناتنا في مثل هذه التخصصات، ولابد من وجود نساء يقمن بسد الثغرة التي يحتاجها المجتمع المسلم.
وأما بالنسبة للتخصص الشرعي، والحرص على الشريعة، فنحن ندعو كل فتاة مهما كانت الدراسة التي تدرسها إلى أن تتفقه في أحكام هذه الشريعة، إلى أن تعرف ما تصحح به عقيدتها، وما تصحح به عبادتها، وما تصحح به تعاملها مع الناس، وأن تتفقه في التخصص الذي تريد، حتى لا تقع في محظور وتغضب الله تبارك وتعالى.
هذه معايير لابد أن ننتبه لها، وندعو كل فتاة بعد ذلك إلى أن تؤصل العلم الذي عندها فترده إلى أصوله الإسلامي وإلى الأصول الشرعية التي قام عليها، وينبغي أن يعلم الجميع أن العلوم التي تتكئ عليها الحضارة تكاد تكون ابتكارات إسلامية خالصة، فهؤلاء استيقظوا عندما نمنا نحن، وآن لنا أن نعيد الكرة بالتمسك بسبيل العلم مع الإيمان وقبل وبعد ذلك الإيمان بالله تبارك وتعالى.
وقبل أن تتحولي إلى هذا التخصص أو ذاك نحن ننصحك بأن تأخذي وجهة نظر الأهل، وأن تنظري إلى الأمور بطريقة واسعة، وأن تتأملي المستقبل الذي أمامك والفرص المتاحة للعمل، وبناء على ذلك يمكن أن تحددي، أما بالنسبة لدراسة الشرعية ينبغي أن تستمر ولا تتوقف مع الجامعة أو مع غيرها.
فينبغي الإنسان أن يتعلم ويعلم، وينشر العلم حتى آخر لحظات، كما قال الإمام أحد (المحبرة إلى المقبرة)، وكما فعل أبو جرير الطبري الذي سمع فائدة علمية في لحظات السكرات فطلب منهم أن يجلسوه، فكتب ما سمع ثم مضى إلى الله تبارك وتعالى.
فنحن أمة تقدر العلم، وتقدر العلماء، وتريد لأبنائها أن يقودوا البشرية مرة أخرى بعلم ينتقل من الثقافة الإسلامية، ومن القيم الشرعية التي جاءت بها هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها.
وأنت ولله الحمد على خير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يلهمك السداد والرشاد، وسنرحب بك في كل وقت، وإذا كان الإنسان حائرا فإنك تعلمين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير سبحانه وتعالى، ولن تندم من ستخير، ولن تندم من تستشير، فها أنت قد شاورت، وندعوك إلى أن توسعي دائرة الشورى وندعوك بين يدي ذلك إلى أن تصلي لله صلاة الاستخارة، ثم تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، ومن ثمرات هذه الصلاة أن الإنسان يقول في دعائها: (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
فمسألة الرضى بقضاء الله وقدره، وحصول القناعات هذه من النعم الكبرى على الإنسان، فإن الإنسان قد يمنع من الشيء ويظل متعلقا به، ولكن من تمام النعمة أن ينسى هذا الشيء، وأن يتغير الاهتمام، وأن تصبح اهتماماته في المجال الجديد الذي سعى إليه.
وعلى كل فنحن نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يسد بك ثغرة وحاجة من حاجات هذه الأمة، وأن يلهمك السداد والرشاد، فهو ولي ذلك والقادر عليه.
لك شكرنا