السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجت من قرابة شهرين، وموضوعي أن زوجتي تريد الغطاء وهي صارمة، ومتمسكة بالموضوع، من أخي الوحيد، مع العلم أنه مريض وعمره 24 سنة، وعقله عقل طفل عمره 5 – 6 سنوات، وأهلي غير موافقين على ذلك نهائيا، وهم يطلبون مني أن أطلقها وأتزوج غيرها أو أعمل لها مشاكل.
أنا وزوجتي سعداء، وأريد من سعادتكم أن تفيدوني من ناحية الحجاب، فعندما أسمع كلام أهلي أمي وأبي وعصيانهم في موضوع الحجاب والطلاق لا أعلم ماذا أفعل؟ فهل علي أن أطيعهم أو أعصيهم؟ وماذا عن الحجاب عن أجداد أبي أمي وعن عمي؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرا، وجعله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
مرحبا بك في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يصلح لك النية والذرية، وأن يعينك على إرضاء والديك، وأن يعنيك على الوفاء بحق هذه الزوجة الوفية، التي أنت سعيد معها، وهي حريصة على كل أمر يرضي الله تبارك وتعالى، فلا تفارق هذه الزوجة التي تحرص على الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى لك ولها الثبات والسداد والرشاد.
لا يخفى على أمثالك أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة في التعامل، وتحتاج إلى حنكة، إذا كان الأمر بالنسبة لأخيك هذا أن عمره وعقله في خمس أو ست سنوات، إذا فهمنا من ذلك أنه غير مسؤول من الناحية العقلية فسيكون في الأمر سعة؛ لأنه من غير أولي الإربة، كما قال الله تبارك وتعالى، ولكن أرجو أن تتعامل مع أهلك في هذا الموضوع من المنطلق الشرعي، ويسعدنا أيضا أن يستمعوا لرأي الشرع، ويمكن أن تبحث عن علماء يتأثرون بهم ويستمعون لكلامهم ويوقنون بكلامهم، حتى يتدخلوا في هذا الموضوع، ولا تعتبر عاقا إذا أمسكت هذه الزوجة حتى لو غضبوا منك، لأنها تفعل الصواب الذي يرضي الله تبارك وتعالى، فهي إنما تزوجت بك ولم تتزوج بأخيك ولا بعمك ولا بابن عمك، وهؤلاء ليسوا محارم لها، فما تفعله هذه الزوجة هو الصحيح.
لكن تحتاج إلى حكمة في التعامل مع هؤلاء الكبار في السن، في رعاية بعض هذه العادات التي توجد في المجتمعات، ونتمنى أن تزول، نحتاج كذلك إلى أن تكون الزوجة أيضا ليس عندها هذا الإصرار، تجتهد في أن تتفادى الاحتكاك معهم، تتفادى إظهار هذا الشيء لأنهم بكل أسف يظنون الآن أنها تسيء الظن عندما تتغطى منهم وأنهم ينظرون إليها نظرة مشبوهة وأنها تتفادى، مع أن هذه شريعة الله، هذه شريعة شرعها الله تبارك وتعالى، وفي الحجاب قال الله لأطهر نساء مع أطهر الرجال: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} هذا الكلام لأمهات المؤمنين وهن قمة الطاهرات لأصحاب رسولنا الأمين وهم قمة الأطهار، ومع ذلك قال: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}، فالحجاب شرعه الله لحكم عظيمة، والحجاب من شريعة الله تبارك وتعالى، وما تفعله هذه الزوجة هو صحيح مائة بالمائة، وهو الذي ينبغي أن تعمله كل امرأة تعيش هذه الظروف.
بقي الآن موقف الوالدين وموقف الأسرة: عليك أن تجتهد في النصح لهم، في ملاطفتهم، في زيادة البر لهم، في إدخال الوساطات، جلب الأشرطة والمحاضرات، في تذكيرهم بأن هذا من الدين، وتطالب زوجتك في المقابل أن تحترمهم وأن تحسن إليهم وتلطف بهم، خاصة الوالدين وأخواتك من النساء، تحسن إليهم غاية الإحسان حتى تصل إلى قلوبهم، لكن لو وضعوك بين خيارين فهذا لا يعتبر من البر، وإذا رفضت أن تطلق الزوجة فلست عاقا، ولست عاصيا لله تبارك وتعالى.
الأفضل إذن أن تطيع الله تبارك وتعالى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والقرآن يوجه من أمره الأهل بالمعصية أن يحسن إليهم، ولكن لا يطيعهم: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} وقال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي} فاحرص على أن تطيع الله، ولا يحملك ما يصل من الولدين على عصيانهم أو الإساءة لهم أو التقصير في حقهم، ولكن عليك أن تطيعهم وتبرهم وتحسن إليهم وتلطف بهم وتشفق بهم، لكن ما أمروك من تطليق الزوجة فلا تفعل.
الأمر كما قال عمر: (إنما الطاعة في المعروف) عند قيل له: عندي زوجة أنا أحبها وأمي تأمرني بطلاقها؟ قال: (لا تفعل، إنما الطاعة في المعروف)، ومثل هذه الزوجة من حقها أن تكرم وتعظم، ودور المعلمين هو أن يبصروا الناس بأن هذا من أحكام الشريعة، من أحكام هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
أنا أعتقد أن أهل البيت سوف يتأثرون بكلام أي عالم من العلماء ينصح لهم، خاصة إذا كان ممن يسمعون كلامه ويقدرون منزلته، تتواصل معه وتطلب منه أن يكون بينك وبين والديك ما يرضي الله، وتقول لهم سندخل الشرع بيننا أنا وأنتم يحكمنا هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
نتمنى أن نسمع عنك الخير، وندعوك إلى التمسك بهذه الزوجة التي تقول أنت سعيد معها، وهؤلاء ما يريدون طلاقها إلا لأنها مطيعة لله، فقدم طاعة الله وأمسك هذه الزوجة، وأحسن إلى أهلك غاية الإحسان، وإن طردوك، وإن غضبوا منك، فإن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، وهو الذي يقول في كتابه: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} وهذه الآية قيلت بعد آيات البر للوالدين، وهي في من يحاول إرضاء والديه لكن في الوالدين ظلم أو جهل أو تقصير أو عدم رضا، فعند ذلك الله أعلم بالنيات، ويجازيك عليها.
أحسن إلى أهلك وأحسن إلى زوجتك، ونسأل الله أن يقر عينك بصلاح الجميع، وحصول الوفاق بين الجميع، وأرجو أن تكون الزوجة معهم أيضا في علاقتها معهم في منتهى الكمال والجمال والإحسان إليهم، ولا تتخذ رفضهم لحجابها وسترها عنهم سبيلا للغضب عليهم أو للإساءة لهم، فإن ذلك أمر لا يرضاه الله تبارك وتعالى، فعليك أن تكرم أهلك من أجلهم، وعليك كذلك أن تلتمس لهم العذر، وتعينها على الطاعة، وتدافع عنها خاصة في هذا الأمر، وتدعوها إلى أن تصبر على أهلك، والعاقبة للصابرين.
نسأل الله أن يديم عليكم فضله، وأن يعينكم على الطاعة التي هي سبب من أسباب السعادة في البيوت، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وجزاكم الله خيرا.