أرهقتني الوساوس ولا زلت أقاومها وأريد النصر التام عليها.

0 294

السؤال

تربيت في بيئة إسلامية محافظة -ولله الحمد- وعندي ميول دينية، فمنذ سن مبكرة جدا كنت طالبة متفوقة مشهود لي بالذكاء والأدب، وفي السادسة عشرة من عمري أصبت بنوبات قلق، وخوف، وذعر، وتفكير في الموت، وشعور أن موتي وشيك، وبدأت الوساوس تصارعني على ما لا يمكنني التفريط فيه كالعبادات، كان تفكيري دائما ينحو منحى الحسد، فأكتفي بالرقية، رغم أني في يوم ما طرقت باب طبيب الأمراض الباطنية وأنا لا أعي ما بي، ولكنني قلت له أشعر أني في حلم رغم أني مستيقظة.

كان والداي يرجحان أمر إصابتي بالتهاب الأذن الوسطى، لكن الطبيب علم أن الأمر يتعلق بالصحة النفسية، فأعطاني السيروكسات، وتحسنت عليه كثيرا، ومن ثم استمرت رحلتي مع صراع الوسواس، أعاني بصمت ولا أنطق إلا قليلا، متمسكة بالرقية وتثقيف نفسي دينيا ونفسيا، وقد قطعت شوطا عظيما، رغم عودة الوسواس بحدة منذ ما يقارب السنتين, وأظن ذلك لمروري بظروف عائلية صعبة, كفقد الوالد لعمله, وتدهور حالتنا المادية، فلجأت إلى طبيب الباطنية نفسه، وأخذت السيروكسات لمدة شهر بعد انقطاع 6 سنوات.

اليوم لا يوجد بي بقية باقية بسبب الوسواس, مرهقة جدا، ولكني أقاومها وأشعر بالنصر الذي حققته، ولكني أطمح للأفضل، رغم أني لا أحبذ تناول الأدوية النفسية؛ كي لا أصاب بالخمول، أو بأي أعراض جانبية، ولا أريد أن أثير المشكلة وأتعب أهلي وأقلقهم.

رغم ذلك فإني أطمع في نصيحتكم بعد السرد المطول لقصتي، وأحب أن أذكر أني قد حصلت على بكالوريس دراسات إسلامية منذ سنتين، وأعمل في بنك إسلامي في قسم معالجة الديون، وأعد إنسانة ناجحة -ولله الحمد-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك رسالة واضحة وجيدة جدا، وقد أعجبني السطر الأخير الذي أوضحت فيه بأنك الآن تشتغلين في بنك إسلامي في قسم معالجة الديون، فأنت إنسانة ناجحة -والحمد لله- وهذا حقيقة هو الشيء المتوقع من الذين يعانون من درجة معقولة من القلق النفسي والوساوس.

القلق النفسي والوسواس هي طاقات فعالة وممتازة جدا، وكثير من الناجحين والمتميزين في حياتهم كان القلق هو الدافع الرئيسي لتحفيزهم نحو الإنجاز والإنتاج والتفوق، كما أن الوساوس تعلم الإنسان الانضباط والدقة، لكن قطعا إذا خرجت عن النطاق المألوف تؤدي إلى نتائج عكسية، وهذا -والحمد لله تعالى- لم يحدث لك.

إذن هذا النجاح الذي تتمتعين به الآن نرجو أن يكون محفزا لك من أجل المزيد من النجاح والتغاضي والتغافل، وتجاهل الوساوس، وهذا مهم من الناحية السلوكية؛ لأن تحقير الوساوس هو الأصل في علاجها، وعليك أيضا أن تكوني إيجابية في تفكيرك، أن تديري وقتك بصورة صحيحة، فيجب أن تكون لك أنشطة مختلفة.

مارسي الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، الاطلاعات والقراءات الفكرية مفيدة جدا للإنسان، الترويح والترفيه عن النفس بما هو مباح، صلة الرحم, هذه من أعظم الفضائل التي تعود بالرضى في نفس الإنسان، وتعود بالرضى على الإنسان من ربه المتعال، هذا هو الذي يجب أن تسيري عليه، وأنا على قناعة كبيرة بأن تمارين الاسترخاء مهمة جدا لعلاج قلق الوساوس، فكوني حريصة عليها.

إذن هذا هو الذي أستطيع أن أنصحك به، وأنا أطمئن تماما أنك الآن دخلت في مراحل متقدمة جدا من النضج النفسي، وهذه إضافة إيجابية جدا.

نصيحتي لك أيضا أن تكوني معبرة عن ذاتك، ولا تحتقني، لا تكتمي، لأن الكتمان حتى عن الأشياء البسيطة يؤدي في بعض الأحيان إلى احتقان وتوتر نفسي داخلي مما ينعكس سلبا على الإنسان.

بما أنك تعيشين في دولة قطر، -والحمد لله تعالى- لديك بكالوريوس في الدراسات الإسلامية، فلماذا لا تطوري نفسك أكاديميا وتتواصلي مع مراكز تحفيظ القرآن كمركز الشيخة موزة بنت محمد مثلا، وستجدين في هذه المراكز خيري الدنيا والآخرة.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أعرف أن الناس لديهم مفاهيم خاطئة عن الأدوية، لكن الذي ثبت الآن وبالدليل العلمي القاطع أن هذه الأدوية النفسية معظمها سليمة وصحيحة إذا تناولها الإنسان حسب ما هو مطلوب، وتحت إشراف واسترشاد الطبيب المختص الجيد.

الزيروكسات دواء ممتاز، قد يعاب عليه أنه ربما يؤدي إلى زيادة في الوزن في بعض الأحيان، وأنا شخصيا أفضل البروزاك إذا كان هنالك حاجة لتناول الدواء في مثل حالتك، فالبروزاك سوف يكون دواء جيدا، تناولي كبسولة واحدة يوميا لمدة شهرين مثلا أو ثلاثة، بعد ذلك يمكن أن تكون فقط كبسولتين في الأسبوع، هذا يفيد كجرعة وقائية.

فإذن -الحمد لله تعالى- الحلول أمامك كثيرة وبينة وواضحة، وأنت وصلت درجة رفيعة من الصحة النفسية، ونسأل الله تعالى أن يديم علينا وعليك وعلى جميع المسلمين الخير والصحة والعافية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك ثقتك في إسلام ويب، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات