السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،، أما بعد:
تحية طيبة وبارك الله فيكم، ونسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
نقل لي سؤال من ملحد، وأرجو أن تردوا بإجابة ولن أطيل جزاكم الله خيرا.
السؤال: لماذا خلق الله تعالى بني آدم؟ وما دام أن الامتحان محدود فنحن نمتحن في الدنيا، فطالما الامتحان محدود فلماذا العقاب أو الثواب أبدي ألا وهو الجنة أو النار - والعياذ بالله -؟ وإذا كان شخص دخل النار يوجد آيات كثيرة تدل على أنه لو رجع للدنيا لعاد لكفره وعناده, فلماذا الاختبار بالأصل ما دام أنه معلوم أنه مخلد في النار؟
أرجو منكم إفادتي بأسرع وقت وبارك الله بكم، ونفعني وإياكم بأحسن القول -قول الله تعالى- وخير الهدي -هدي محمد صلى الله عليه وسلم-.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب.
لا شك أيها الحبيب أن من تكريم الله تعالى لهذا الإنسان أن أوجده في هذه الحياة على هذه الهيئة التي أوجده عليها، فإن خلق الله تعالى لهذا الإنسان مظهر من مظاهر إحسانه إليه وتكريمه له، فقد قال سبحانه وتعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وقال جل شأنه: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر}.
ولا شك أيها الحبيب أن الوجود خير من العدم، فإننا بوجودنا تمتعنا بلذائذ عديدة علمية وجسمية وغير ذلك، هذا في الحياة الدنيا، واللذة الدائمة الباقية أعدها الله تعالى في الآخرة لمن آمن به وأطاعه واتبع شرعه وآمن برسله، وكان من مقتضى الإحسان الإلهي إلينا بعد أن أوجدنا وخلقنا أن نعبده سبحانه وتعالى وحده، ونشكر هذه النعمة، ونؤدي شكرها على الوجه التام، وذلك بتوحيد الله تعالى وإفراده بالطاعة والعبودية؛ ولذلك يذكرنا الله سبحانه وتعالى بالخلق ليأمرنا بعد ذلك بالطاعة والعبادة لله تعالى، فقال سبحانه في مطلع سورة البقرة: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}.
وقد أخبر سبحانه في كتابه الكريم أنه خلق الناس ليعبدوه، أي ليأمرهم وينهاهم، وأخبر سبحانه أنه لم يخلقهم عبثا ولا سدى، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
وهو سبحانه وتعالى يعلم أفعال العباد قبل أن يعملوها، فهو جل شأنه يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وهو يعلم سبحانه وتعالى الطائع من العباد والعاصي منهم قبل أن يخلقوا، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يعذبهم بعلمه حتى لا يكون لأحد من الناس حجة على الله تعالى، فأوجدهم وأوجد لهم القدرة التي ينفذون، والإرادة التي يرجحون، فهم يرجحون أمرا على أمر بإرادتهم وينفذون ما رجحوا بقوتهم، والله سبحانه وتعالى خالق تلك الإرادة وتلك القوة، وترك لهم الاختيار، ولكنه سبحانه وتعالى يوفق من يشاء منهم، فيعينه على نفسه الأمارة بالسوء، ويترك هذا التوفيق ويمنعه ممن علم سبحانه وتعالى أنه ليس أهلا ولا محلا للتوفيق، فيتركه تحت سلطان نفسه، ونفسه لا تأمره إلا بالشر، فإنها أمارة بالسوء، فهذه طبيعتها.
فشاء الله سبحانه وتعالى ألا يعذب الناس حتى يقيم عليهم الحجة فيرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الكتب ويأمرهم وينهاهم، فمن أطاع أثيب بعمله، ومن عصى واستكبر عوقب بعمله كذلك، ولله عز وجل الحجة البالغة.
وأما لماذا العذاب أبدي مع أن فترة الامتحان قصيرة؟
فجوابه هو ما ذكرته أنت من أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وهذه حقيقة، فإنهم كفروا مع ظهور الدلائل والمعجزات والبينات الدالة على صدق الرسل، وعاندوا بعد أن بان لهم الحق وظهر كل الظهور، وهم بعد أن رأوا العذاب ورأوا النار فإنهم إذا رجعوا إلى الدنيا سيعودون إلى ما كانوا عليه من سالف العهد من ترك الطاعة والإيمان بعد رؤية الدلائل والمعجزات والبينات، فهذه حالهم، ولذا فكأنهم عاشوا طوال الدهر على هذه الحال من المعصية، فاستحقوا أن يعاقبوا بذلك الجزاء الأبدي.
وبالجملة أيها الحبيب فإنا ننصحك بترك الخوض والجدال في مسائل القدر، لاسيما إذا كنت لم ترسخ قدمك بعد في العلم الشرعي الذي تستطيع أن تدحض الشبه إذا وردت عليك، فإن الشبهة إذا وردت على القلب وهو فارغ من العلم الذي يدفعها تشربها هذا القلب كالإسفنج حين يتشرب الماء، وبذلك يردي الإنسان نفسه ويوقعها في الهلاك، فنصيحتنا لك أن تعرض عن هذه المجالس وعن هذه النقاشات حتى تتضلع من العلم الشرعي وتتمكن من رد الشبه، وبذلك تحفظ دينك.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، وأن يجعلك من عباده الصالحين.