رغم تقدم الخطّاب للخطبة إلا أن الخطبة لا تتم

0 810

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 31 وسوف أطبق آخر السنة هذه -إن شاء الله- 32 سنة، أعمل بوظيفة محاسبة بشركة، وأتعلم القرآن، ولكن بصراحة أدرس وأقطع حسب وقتي وقدرة جسدي؛ لأني لا أجد مركزا يعلمني، أذهب إلى بيت أختي في منطقة أخرى في أيام محددة في الأسبوع، وزوجها يدرسني القرءان، هو يدرس القرآن -ما شاء الله عليه- وقد اجتزت الامتحان الأول في المستوى الأول -الحمد لله- وأتهيأ لأبدأ المستوى الثاني، وأذهب إلى نادي رياضي لكي أحسن من لياقتي ووزني وهكذا، وأزور إخوتي كلهم وإخواني، وأحاول أن أكون دائما على صلة طيبة مع الجميع -والحمد لله- محبة أهلي لي موجودة، والجميع يتمنى أن أبقى عنده وأزوره، أمي متوفاة، وأبي متزوج، وأخذ سكنا بعيدا عنا، وأنا وأختي فقط في البيت والعمارة كلها موجود فيها إخواني اثنان متزوجان الحمد لله.

مشكلتي تأخر نصيبي، فإني أدعو الله كثيرا وكثيرا، وأصلي ولا أدع وقتا بدون ذكر أو استغفار، وقد جاءني ناس كثر، ولكن لا أحد يرجع، وغير ميسر أمر الزواج نهائيا لي ولأختي! نحن سبع أخوات، وبقينا أنا وإياها، وخطبنا قبل ذلك وفسخنا، أنا بدون سبب، وأختي كانت تريد إكمال دراستها فرفض، وكان سيئ الأخلاق فلم يحدث نصيب، والآن يأتي أناس ولكن لا حد يرجع، وأسمع فلانة خطبت، وفلانة تزوجت، وأنا أمري غير ميسر، أحزن وأبكي وأتحسر من الداخل، والجميع الذي أعرفه يتزوج وينجب، وأنا لا شيء يحدث معي، سوى أني أناظر الناس، وهي تتزوج وتنجب وتتحدث عن أبنائها وبيوتها، وأنا أشعر كأني مزهرية فقط موجودة على تلك الطاولة، ذهبنا إلى شيوخ وقالوا هناك سحر وعين، وقالوا إنهم فكوه، ولكن لم يحدث أي تحسن، غيرنا عتبة البيت، استقبلنا الناس ببيت أخي ولم يحدث شيء، وأنا أتقطع وأتألم من هذا، فهل ربنا لا يريد لي الزواج؟

عمري يمضي، وزهرة حياتي تذبل، أهرب من التفكير في الزواج، وأحب الأطفال كثيرا، وتدمع عيني كل ما أسمع أو أرى أو أحضن طفلا، حتى أني أبكي في عملي، ولا أحد أجعله يشعر بي، وأعود وأستغفر ربي، وأهرب من التفكير، ولكني تعبت من الهروب، تعبت من استقبال الناس، ماذا أفعل؟ بدأت أقول لأهلي لا أريد أن أستقبل أحدا، الله لا يريد لي الزواج يكفي خلاص.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادر جوابرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك توفيقا وسدادا، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك عاجلا غير آجل، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن تأخر سن الزواج من الأمور المزعجة يقينا؛ إذ أن الفتاة كما ذكرت تنظر إلى نفسها والقطار يمضي بها، وزهرة حياتها تدبل، وتشعر أن غيرها قد عاش حياة الأمن والأمان والاستقرار، وقد من الله عليه بذرية تسعده وتملأ حياته بهجة وسرورا، أما هي فترى نفسها وحيدة فريدة، وقد تكون فعلا في غرفتها وحدها في أمس الحاجة إلى رغبة المرأة التي جعلها الله فطرة فطر الناس عليها، وفي أمس الحاجة أن تشعر بدفء عاطفي وبأمومة صادقة، ولكن ترى نفسها تعيش وحدها تنزوي في زاوية من زوايا غرفتها، ولا يعلم بحالها إلا الله جل جلاله.

هذه مما لا شك فيه أمور عظيمة على النفس، لأنها تشعر بأن غيرها قد من الله عز وجل عليه وحرمها، ولعلها تبحث في ذات نفسها لماذا أنا التي ابتليت بهذا الابتلاء، وقد تكون ضعيفة فتتزعزع ثقتها بالله تعالى، وتشعر بأن الله – والعياذ بالله – قد ظلمها، وقد تكون مؤمنة مدركة لقضاء الله وقدره فترضى بقسمة الله، إلا أن الأحزان والآلام تعاودها ما بين الفينة والأخرى، وها هي تدعو الله تعالى وتتقرب إليه بما يكرمها الله تبارك وتعالى من الطاعات والعبادات.

أقول لك: إن هذا كله حق، ولكني أريد أن أبين أمرا أن الله الجليل جل جلاله سبحانه قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير وتلك الأرزاق ما يتعلق بالزواج، وجعل الله تبارك وتعالى لكل إنسان نصيبا من الأشياء التي أودعها الله تبارك وتعالى في هذا الكون، والله الجليل جل جلاله عندما قسم هذه الأرزاق وقدر المقادير إنما قسمها بحكمة وعلم ورحمة وإرادة وقدرة، فهي ليست من باب الأمور العشوائية أو الاعتباطية أو المصادفة كما يقولون، وإنما كما قال الله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وقال جل جلاله: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}.

فهذا أمر قدره الله يقينا، ونحن نعلم أن قدر الله كله خير، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخير كله في يديك، والشر ليس إليك) فالله تبارك وتعالى لا يقدر إلا الخير المحض، ولكن هذا الخير قد يكون في بعض نواحيه في نظر الإنسان في الدنيا شرا، كتأخر الزواج بالنسبة لك الآن، فأنت تعتبرين هذا نوعا من الحرمان، ولكن لو نظرت في الواقع لعلمت أنه الخير، وأنه عين الخير، لأن الله لا يقدر إلا الخير ولا يريد لعباده إلا الخير، ولا يريد لهم إلا السعادة والأمن والأمان والاستقرار سبحانه وتعالى جل جلاله وتقدست أسماؤه.

ولذلك هذا الذي ينبغي أن تكوني عليه أختي الفاضلة، أن تعلمي أن هذا قدر الله، وأن قدر الله خير، من أدراك لعلك أن تكوني قد تزوجت منذ سن مبكرة، ولكن عشت حياة كئيبة تعيسة وابتليت بزوج سيئ تتمنين الموت كل يوم ولا تجدينه، فإذن لابد أن نسلم وأن نرضى بقضاء الله وأن نعلم أن هذا خير.

وعليك أختي الكريمة أن تدافعي تلك الأفكار السلبية، وأن تعلمي أن الله لا يقدر إلا الخير، وأن هذا التأخر حتى وإن كان فيه آلام ظاهرة إلا أنه فيه خير، ما دام الله قد أراده، لأن الله لو لم يرده ما كان، ولو لم يرده ما وقع؛ ولذلك ليس أمامنا إلا أن نسلم تسليما، وهذا الأمر الأول، وهو الذي ينبغي لنا حقيقة بالنسبة لأي قضاء أو قدر.

الأمر الثاني: فيما يتعلق باحتمال أن يكون هناك أحد قد تدخل في هذه المسألة من بني آدم كأن سحرك ساحر أو حسدك حاسد، فهذا كله وارد، وفي هذه الحالة لا مانع من الأخذ بالأسباب، وهي أسباب التداوي والعلاج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا عباد الله ما أنزل الله من دواء إلا جعل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وعليه فإن عليك أختي الكريمة الفاضلة أن تبحثي أنت وأختك في هذه المسألة ما دام هناك من قال لك بأن هناك نوعا من السحر أو العين، وبعض الشيوخ قد أخبرك بذلك، وقد أخبروك بأنهم فكوا هذا السحر، ولكن لم يحدث هناك أي تحسن، فأقول لا مانع من الذهاب إلى شيخ آخر، لأن العلاج بالرقية كالعلاج الطبي، فقد يذهب الإنسان إلى استشاري مشهور ولكن لم يشأ الله الشفاء على يديه، في حين أنه يذهب إلى طبيب عادي ولعله حديث التخرج فيفتح الله له.

فإذن أقول: لا مانع أختي الكريمة من تكرار زيارات لمشايخ آخرين ثقات ما داموا يتعاملون بالرقية الشرعية الصحيحة، ويحسنون الظن بالله تعالى، ومعلوم عنهم العقيدة الصحيحة والسليمة، وسلامة الطريقة التي يستعملونها أيضا.

فلا مانع من تكرار الزيارات لشيوخ آخرين وتكرار الرقية، وأن تحاولي أنت أيضا برقية نفسك والاستماع إلى سورة البقرة يوميا، مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء بانتظام، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الدخول والخروج – سواء كان الحمام أو من البيت أو إلى غير ذلك – ولبس الأشياء مع البسملة، وأن تكوني على طهارة دائما قدر الاستطاعة، وأن تكثري من الاستغفار والدعاء والصلاة على النبي محمد - عليه صلوات ربي وسلامه – بنية أن يكرمك الله بالزوج الصالح عاجلا غير آجل.

فعليك بمواصلة العلاج بالرقية الشرعية، وعليك المحافظة على أذكار الصباح والمساء والدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يمن عليك بهذا الخير، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وعليك بتكرار قوله تعالى: {وارزقنا وأنت خير الرازقين} باستمرار، اجعليها على لسانك دائما، ودعاء سيدنا زكريا بقوله: {رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين} ومعلوم أن الولد لا يأتي إلا بزوج، ومن خلال هذا الدعاء يرزقك الله بالزوج الصالح عاجلا غير آجل، وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات