السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع.
أنا طالبة مغتربة, أدرس على حساب دولتي, مبتعثة في إحدى الدول العربية, أعاني من مشكلة تكاد أن تحطم مستقبلي الدراسي, وهي عدم الرغبة في الدراسة, وعدم الميل إلى الذهاب لحضور المحاضرات, وافتقدت الحماس الذي كان في السابق للميل والتحمس للدراسة, حيث كنت طالبة متفوقة, أما الآن فلا شيء يهمني, وأصبحت أتهرب من دراستي, ومن أي شيء يتعلق بالدراسة.
أتمنى أن تساعدوني في أقرب وقت لأن مستقبلي الدراسي على وشك الدمار, حيث أخذت إنذارا في الجامعة, ولا أريد أن أخيب أمل أهلي وطموحهم وطموحي, وأريد أن أرجع إلى أيامي السابقة في التفوق والحصول على العلامات العالية.
وشكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نرحب بابنتنا نور، ونسأل الله أن ينور قلبها، وأن يلهمها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه, ونذكرها بقول الشافعي - رضي الله عنه وأرضاه - :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي **** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نور ***** ونور الله لا يهدى لعاصي
ندعوها أن تلجأ إلى الله تبارك وتعالى، وتحرص على أن تطيع الله تبارك وتعالى، وتراجع نفسها ما هو الجديد الذي دخل عليها في حياتها فدمر عندها الرغبة, أو أثر على رغبتها في طلب العلم، ونحذرها أيضا من قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (كنا نحدث أن الخطيئة تنسي العلم).
وليس معنى هذا أنك ابنتي مخطئة، وحاشاك، بل نحن نظن فيك الخير، ولكننا نريد الإنسان أن ينتبه لهذا الجانب حتى يعود إلى صوابه، حتى المطيع لله تبارك وتعالى يحتاج إلى أن يستغفر ويستغفر حتى يفتح الله تبارك وتعالى عليه في هذا الباب, وقد قال الله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، وكان ابن تيمية إذا صعبت عليه مسألة استغفر ألف مرة فيفتح الله عليه.
وإذا كنت متفوقة فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى، فاحفظي هذه النعمة بشكرها, واستخدام هذا الذكاء فيما يرضي الله تبارك وتعالى، وتذكري وصية الإمام مالك للشافعي لما رأى عليه المعية والتفوق، قال: (إني أرى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية). نسأل الله أن يعيننا وإياك على الطاعة، وأن يستخدمنا فيما يرضيه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير.
ونبشرك - يا ابنتنا الفضلى – بأن هذه الرسالة, وهذا الشعور بأنك مقصرة, وبأن مستقبلك العلمي يحتاج إلى وقفة؛ هي البداية الصحيحة للانطلاقة الصحيحة، فإن الشعور بالخطر يدفع الإنسان إلى الفرار، يدفع الإنسان إلى الحذر، يدفع الإنسان إلى البحث عن الوسائل، يدفع الإنسان إلى البحث عن أسباب هذا الخلل الذي حدث، وهذه نقطة مهمة جدا أرجو أن تقفي عندها.
ثانيا: نحب أن نذكر ابنتنا الفاضلة بأنها الآن تمثل دولتها, وتمثل أهلها, وتمثل أمتها، وأن هذه مسئولية أن تصرف علينا الدولة من أموال الأمة من أجل أن نعود لننفع الأمة، وننفع أبناء البلد، وننفع أبناء المسلمين في كل مكان.
فإذن الإنسان الذي آتاه الله هذه النعمة, وتهيأت له مثل هذه الفرصة عليه أن يحمد الله صبح مساء, وأنت تعرفين أنها أندر من النادر, فآلاف وملايين الطلاب في بلاد المسلمين يتمنى أن تتاح له مثل هذه الفرصة، وقد جاءتك هذه الفرصة, ووفقك الله تبارك وتعالى وكنت ممن رشح من قبل الدولة، وكنت مؤهلة لأن تدرسي دراسة معينة في بلد آخر.
ندعوك كذلك إلى أن تدركي أن المسألة تحتاج إلى تنظيم وترتيب، ندعوك إلى أن تصادقي الصالحات المجدات في الدراسة، ندعوك كذلك إلى أن تدركي أن الإنسان لابد أن يجتهد في طلب العلم لأن:
وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن أدل دلوك في الدلال
أرجو أن تقفي مع نفسك وقفة للمحاسبة، كما قلنا ينبغي أن تتعرفي على أسباب هذا التراجع، فإن لم تجدي أسبابا ظاهرة فإننا ننصحك بقراءة الرقية الشرعية, والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، لأنه ربما يكون حدث شيء مثل العين أو الحسد أو غيرها، هذا إذا لم تكن هناك أسباب واضحة، نحن نريد أن تنظري في هذا الجانب، فقد تكون هناك أسباب كصديقة جديدة، قد يكون السبب في التخصص الذي تريدينه أو إذا شعرت أنه ليس له مستقبل كبير أو نحو ذلك.
مع أننا نستبعد مثل هذا الأمر، فالدولة ما بعثتك إلا لأن هذا التخصص مطلوب، ونحن نريد أن نقول إن أي دراسة علمية مهمة، إذا حرص الإنسان أن يتفوق، وإذا حرص الإنسان على أن يتقن طلبه للعلم، فإن الناس ليسوا بحاجة إلى توسع أفقي في التعليم, ولكن محتاجون إلى توسع رأسي، إلى تخصصات نادرة، إلى عباقرة متفوقين ناجحين يستطيعون أن يقدموا الجديد لأمتهم، فكوني أنت من هؤلاء.
وأنت منهم ما دام -ولله الحمد- أهلك رشحوك لهذا المكان، وكنت بالأمس متفوقة والذي منحك التفوق بالأمس هو الله تبارك وتعالى، فالجئي إليه لينصرك ويؤيدك ويعينك على العودة إلى العلامات العالية, والتوفيق والحب للدراسة ولطلب العلم.
كذلك نذكر – ابنتنا الفاضلة – بأن طلب العلم عبادة، فهذا الدين العظيم يجعل طلب العلم عبادة, ومذاكرة العلم تسبيح، بل السهر للعمل صدقة, والسفر لأجل العلم جهاد، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم. فإذن هذا الدين يجعل العلم أفضل من كل نافلة، ولذلك ينبغي أن تحتسبي الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى، ولا تذاكري ولا تدرسي إلا وقد استحضرت هذه النية العظيمة.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على التفوق، ونوصيك بتقوى الله، ولا تنسي الدعاء، ولا تنسي الاستغفار، ونوصيك بطلب الدعاء من الوالدين، والاجتهاد في برهما والإحسان إليهما، ونوصيك بمصادقة الصالحات المجدات في الدراسة، ونوصيك بتنظيم الوقت أيضا، ونوصيك بمساعدة المحتاجات من زميلاتك، فإن الإنسان إذا كان في حاجة الناس كان العظيم في حاجته سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يسهل أمرك، ونتمنى أن نسمع عنك خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.