احترت في الاختيار بين أن أترك دراستي أو أترك الخاطب؟

0 505

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالبة أدرس في السنة الثانية من كلية الطب، والمشوار أمامي طويل، ولكنه -بإذن الله- قريب.

تقدم إلي خاطبان على خلق ودين، كما أحسبهما، والله أعلم بالقلوب، أحدهما ابن خالتي، ويشترط علي ألا أكمل دراستي، وأن أجلس في البيت، وهذا ما أستبعده تماما رغم إلحاح والدتي، لما تعرف عنه من طيبة وكرم في الأخلاق.

والثاني لا يرفض دراستي، وقد تحدثت إليه عبر الإنترنت، وأعجبت بشخصيته، ولكنه بالكاد أنهى رسالة دكتوراه، وينتظر تعيينه بالعمل، وبما أن عدد كليات الطب في البلد قليلة، فإن احتمال توظيفه في مدينة بها هذا النوع من الكليات ضئيل جدا، لذلك أقترح علي أن أغير شعبتي، وأعيد من البداية في مجال آخر.

مع العلم أني رسبت في السنة الماضية، وبصعوبة حتي اندمجت هذا العام مع طلاب أصغر مني.

تعدد الناصحون، فمنهم من يقول لي أن فرص العمر تضيع، وآخرون يخيفونني من العنوسة المحدقة بالطبيبات.

وكل صديقاتي وأخواتي يتعجبون كيف يمكنني أن أفكر في ترك الدراسة بعد هذا كل ذلك العذاب والسهر، كما أنهن يقلن يمشي رجل ويأتي رجل آخر.

ولقد أعجبت بالثاني إعجابا كبيرا، ويحز في نفسي أن أترك دراستي، وأريد نصحكم فقد احترت في أمري، وهل الأفضل لي أن أصبر وأستمر في طريقي التمس به علما عله يكون شافعا لي يوم القيامة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ meryem حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب -بابنتنا الفاضلة- في موقعها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لها الخير حيث كان ثم يرضيها به، ونسأل الله أن ينفع بها البلاد والعباد، وأن يلهمها الرشد والسداد.

ونشكر لابنتنا تواصلها مع الموقع، ونهنئها بازدحام الخطاب على بابها، وندعوها إلى اختيار صاحب الدين، إذا كانت هناك مساواة بينهم في الدين فهذه نعمة من الله -تبارك وتعالى-، فعليها بعد ذلك أن تذهب إلى مرجحات أخرى، فلا مانع من أن تختار الذي يريد لها أن تكمل دراستها، ونسأل الله أن ينفع بها وبعلمها.

ونريد أن نقول: لا شك أن حسم هذه المسألة ليس لأحد أن يتدخل فيه سوى الفتاة، فهي التي تعرف الشخص الذي تميل إليه، وهي التي تعرف الشخص الذي يمكن أن تسعد معه، لأن القبول والرفض في هذه المسائل للفتى وللفتاة، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

ولكننا ندعو هذا الثاني الذي تعرفت به عن طريق النت، إلى أن يأتي فيطرق الباب، ويقابل أهلك الأحباب، لأننا لا نريد للخطبة أن تكون بهذه الطريقة، فتطالين السراب، فكل إنسان يستطيع عن طريق النت أن يظهر نفسه حملا وديعا وإنسانا حكيما، ولكن في الممارسة العملية، وفي معرفة الإنسان على الطبيعة، تظهر كثيرا من الحقائق.

عموما نحن لا نظلم هذا ولا هذا، وأنت قلت كلاهما صاحب دين، وهذه نعمة كبرى من الله -تبارك وتعالى- عليك.

أما بالنسبة لما سألت عنه ما هو الأفضل الدراسة أم الزواج؟

فإن الأفضل هو أن تواصلي في الدراسة وتتزوجي، ونحن نريد أن نصحح خطأ يقع فيه الكثير من الناس، عندما يظنوا أن الزواج عائق أمام الدراسة، وأمام النجاح، فنحن نقول: بأن هناك تجارب ناجحة جدا، ونعتقد أن الزواج إذا كان ناجحا فهو دافع كبير لنجاحات كبرى؛ لأن الإنسان قبل الزواج قد لا يجد من يفرح به وبنجاحه إلا والد أو والدة ونحو ذلك، ولكنه بعد ذلك سيجد حبيبة له تفرح بنجاحاته وتسعد بتقدمه، وسيجد أبناء له أيضا يفرحون بنجاحه، وينظرون إلى والدهم باعتباره قدوة، فهناك دوافع كثيرة يولدها الزواج.

وبعد الزواج فإن الإنسان يشعر بأن له قيمة، وأن لنجاحه قيمة، وأن للدرهم والريال الذي عنده قيمة، وأن حياته أصبحت له قيمة، وهذا من الأسرار البديعة في أمر الزواج، فإن الزواج يحدث ويولد في نفس الإنسان طاقات كبيرة جدا.

ونحن نرفض أن يقولوا الزواج أم الدراسة، لأننا نقول بأن كلاهما مطلوب، والجمع بينهما ليس فيه صعوبة، ولا تسمعي كلام من يطالبوك بتفويت الفرص، ويذكروك بأنك تعبت وسهرت، فإنا نريد أن نقول إن المرأة لا يمكن أن تسعد مهما نالت من شهادات ووظائف وأموال إلا مع زوج يحبها ويكرمها ويعينها على مواصلة المشوار، ولعل الدنيا سمعت صراخ المرأة التي قالت: (خذوا شهاداتي كلها وأسمعوني كلمة ماما)، فإنه بالزواج وبإنجاب الأولاد تكتمل معاني كبيرة في نفس المرأة.

وذلك نحن ندعو من يطرق بابها، ويأتيها الخطاب، ألا تتردد أبدا في القبول به، باعتبار أن الزواج هدف استراتيجي، وما عداه وما سواه من الفعاليات يمكن أن تتدارك ويمكن أن يقوم بها أي شخص آخر.

ولذلك لا تستمعي لكلام الصديقات إذا كن يطالبنك برفض الأزواج، ويذكرنك بالسهر من أجل الدراسة، ونحن ندعوك ألا تتركي الدراسة، ولكن أن تجمعي بينها وبين الزواج، وتستأنفي دراستك -إن شاء الله تعالى- بروح جديدة، ونسأل الله أن يكتب لك النجاح والفلاح.

إذن الأفضل أن تواصلي الدراسة، وتلتمسي العلم، وأيضا تتزوجي، فلا يكون هذا مقابل هذا، فالمسألة تحتاج إلى صبر، والنجاح يحتاج إلى بذل الأسباب، والسعادة تكتمل بالزواج، وبالدخول إلى القفص الذهبي، فلا ترفضي الخطاب، ولا تفوتي هذه الفرصة، فالعمر يمضي.

وما ذكرته من العنوسة المحدقة بالطبيبات هذا أيضا من الأمور المخيفة، وهو من الظلم لهذه الطائفة الطاهرة من بنات هذه الأمة، ونحن ندعو الجميع إلى أن يهتموا بالتزوج من الطبيبات، وأن يكون للإنسان تضحيات كبيرة لهذه الزوجة، لتقدم خدمات للإنسان ولسائر الأمة.

وإذا لم يوجد طبيبات فمن لبناتنا؟ ومن لأخواتنا، ومن لزوجاتنا؟ إنها ثغرة كبيرة، ولا بد أن نشجع بناتنا حتى يقمن بسد هذه الثغرة، حتى نستغني عن الأطباء من الرجال، وعلينا كذلك أن نسارع بالزواج من الطبيبات، حتى نبعد عنهن شبح العنوسة، ونبعد عنهن الخوف من المستقبل، وهذا يعطيهم روح جديدة، وطاقات جديدة في أعمارهم.

ونوصيك بتقوى الله -تبارك وتعالى-، ثم باللجوء إليه، ونذكر بأن الإنسان إذا احتار في أمرين فإنه يصلي صلاة الاستخارة، ولأهميتها فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، والإنسان لا يندم إذا استخار واستشار، فاستخيري الله -تبارك وتعالى-.

والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، وعليك أن تشاوري من حضرك من المحارم والفضلاء، وإذا كان للأب والأم رأي فإن هذا قد يكون من المرجحات عندما تحصل الحيرة بين الآراء.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على النجاح في كل ميادين الحياة، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونسأله تبارك وتعالى أن يعين الجميع على طاعته، وأن يصلح شبابنا وفتيات المسلمين، وأن يعين الآباء والأمهات حتى يقوموا بدورهم في تبسيط وتشجيع الزواج بالنسبة لأبنائهم وبناتهم.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات